#منوعات
كارمن العسيلي اليوم
قبل قرابة الأسبوع، أسدل «مهرجان ليوا للرطب» الستار على فعالياته في قلب صحراء منطقة الظفرة، حيث كان ينبض بحياة لا تشبه سواها على مدى 14 يوماً، في واحة ليوا. فقد أصبح «المهرجان» بمثابة طقس سنوي، تنتظره العائلات؛ لتستمع إلى حكايات عن نخلة تشبثت بالحياة؛ فأثمرت خيرات، وعن شعب غزل من التمر والنسيم والبساطة حضارةً، جذورها في أعماق الرمل وبلغت عنان السماء.
-
«مهرجان ليوا للرطب».. حيث تحرس النخلة ذاكرة الوطن (تصوير: مصطفى رضا)
مهرجان توارثته القلوب
منذ انطلاقته الأولى قبل 21 عاماً، شكل «مهرجان ليوا للرطب» حجر زاوية في صرح الهوية الثقافية الإماراتية؛ فهو لا يستعرض منتجات النخيل فحسب، بل يستحضر روح الجدّات، وأهازيج الحصاد، ومواويل الماء، والجهد، والصبر. ويرى عبيد المزروعي، المدير التنفيذي لقطاع المهرجانات والفعاليات في هيئة أبوظبي للتراث، في هذا الحدث، رابطاً وجدانياً يجمع الناس، ويعمّق ارتباطهم بالأرض، ويكرّس أهمية النخلة في تشكيل الذات الإماراتية. ورغم غزارة فعالياته، وامتداد رقعة حضوره، يظل «ليوا» مهرجاناً شعبياً، يحتضن المزارعين والحرفيين والفنانين، ويمنح كل زائر حكاية.
من الظفرة.. إلى العالم
تحرص اللجنة المنظمة للمهرجان على جعله منصّة تفاعلية، تتجاوز حدود منطقة الظفرة، فمن خلال المشاركة في مهرجانات النخيل الدولية، وتبادل الخبرات مع نظيراتها في الدول الأخرى، يسعى القائمون على «المهرجان» إلى إيصال صوت المزارع الإماراتي، ومنتج الرطب المحلي إلى أسواق جديدة، وعوالم ثقافية متنوعة، بحسب ما قاله المزروعي، مضيفاً أن هذا الانفتاح ليس غاية في حد ذاته، بل وسيلة لتكريس قيمة الرطب كنبتة وطن، ومنتج متجدد يستحق الدعم والتطوير.
تطوّر متنامٍ.. وفعاليات مبتكرة
وفي نسخته الحادية والعشرين، يوضح المزروعي أن المهرجان جاء بوجه أكثر شمولاً وإبداعاً؛ فقد ضمت فعالياته، هذا العام، 24 مسابقة، وبلغ عدد الجوائز الممنوحة أكثر من 308 جوائز، بقيمة 8.7 ملايين درهم، توزعت على مشاركات مزارعين من مختلف أنحاء الإمارات. ومن أبرز هذه المسابقات تلك المخصصة لأصناف الرطب الأكثر رواجاً، مثل: الدباس، والفرض، والشيشي، والخلاص، بالإضافة إلى «مزاينة الرطب»، التي يتنافس فيها المزارعون لتقديم أجود أنواع التمر من حيث الشكل والوزن والمذاق، فضلًا عن مسابقة «أكبر عذج»، التي تحتفي بإنتاج وفير، يدل على خبرة وعناية. ولأن الابتكار ركيزة أساسية، أطلقت هذا العام مسابقة «إبداع من جذع النخلة»، التي استقطبت 56 تصميماً فنياً يدوّياً، اســـتلهمت أشــكالها مــــن العمارة الإماراتـــية، والتقــاليــــد الصحــــراوية، وجسّدت رؤية «المهرجان» في ربط الفن بالاستدامة، والبيئة بالتراث.
استدامة تبدأ من الجذور
لم يكن «المهرجان»، يوماً، ميداناً للعرض فحسب، بل يعد مختبراً للممارسات الزراعية المستدامة، وفق المزروعي، فالاهتمام بزراعة النخيل لا يُقاس بجمال الثمار فحسب، بل أيضاً بقدرة المزارع على تطوير تقنياته، وتحقيق كفاءة أعلى. من هنا، جاءت مسابقة «المزرعة النموذجية»، التي تهدف إلى مكافأة مزارعي منطقة الظفرة، الذين يُظهرون التزامًا واضحًا بحماية البيئة، ويطبقون أساليب ري حديثة، ويستخدمون موارد طبيعية بطريقة فعالة. والجدير بالذكر أن لجنة التحكيم تقوم بزيارات ميدانية؛ لتقييم المزارع، ما يجعل التنافس فرصة للتعلم، والتبادل.
النخلة في قلب الابتكار
ومن الملامح الفارقة، هذا العام، التركيز المتزايد على التكنولوجيا والابتكار.. فيشير المزروعي إلى أنه، هذا العام، شاركت 28 جهة حكومية وخاصة في تقديم أحدث التقنيات الزراعية، وأدوات الري الذكية، ووسائل مكافحة الآفات؛ ليكون «المهرجان» منصة معرفية حقيقية، تحتفي بالتجديد بقدر احتفائها بالأصالة.
-
«مهرجان ليوا للرطب».. حيث تحرس النخلة ذاكرة الوطن (تصوير: مصطفى رضا)
النساء.. شريكات في الزراعة والمجد
لا يمكن أن تُذكر النخلة، من دون أن تُذكر يد المرأة الإماراتية التي سقتها، ونسجت خوصها، وأعدّت من تمرها زاداً للأهل والمسافرين. وقد خصص «المهرجان»، هذا العام، مساحة لإبراز مساهمة النساء، من خلال الحرف اليدوية، والمجسمات الفنية، والمشاركات في المسابقات الزراعية والفنية؛ ليؤكد أن المرأة ليست جزءاً من الحكاية، بل شريك في صناعتها.. من جذورها إلى أغصانها!
ما بعد «ليوا».. المستقبل في الطريق
مع انتهاء «مهرجان ليوا للرطب» هذا العام، تتجه الأنظار إلى خطواته التالية.. يقول المزروعي: هناك نية؛ لتوسيع نطاق «المهرجان» إقليمياً ودولياً، والتفكير في تنظيم نسخ مصغرة منه في مدن أخرى، إلى جانب تطوير برامج تدريبية، وتعليمية، للأطفال والشباب؛ لتعزيز ارتباطهم بالتراث الزراعي. ويبقى الهدف الأكبر، كما يوضح المزروعي، أن يظل مهرجان ليوا للرطب «مهرجاناً للناس»، يستمر في جمعهم حول شجرة مباركة، تشهد لهم، وللأرض التي أحبّوها وعمّروها.