د. شما محمد خالد آل نهيان تكتب: الأخلاق في زمن الذكاء الاصطناعي!

8 hours ago 15

#مقالات رأي

د. شما محمد بن خالد آل نهيان اليوم

نحن في بداية عصر الذكاء الاصطناعي، ونقف على عتبة سيطرة خوارزمياته على مفاصل الحياة اليومية، من خلال شاشات زرقاء بحجم كفِّ اليد، لكنها - في حقيقتها - نوافذ واسعة على كل شيء في الوجود؛ فهي تفتح على فضاء العلاقات والمعرفة والترفيه، حتى إنها أصبحت تُغرقنا في فضاء الضمير الأخلاقي؛ ما يدفعنا نحو السؤال الأهم حول مدى تأثير شبكات التواصل الاجتماعي، وخوارزميات الذكاء الاصطناعي، في صناعة الضمير، والأخلاق الفردية للإنسان!

لا يخفى علينا أن سلوك الإنسان، وضميره الأخلاقي، يتشكلان بناءً على تجاربه المعرفية منذ سنواته الأولى، وأن كل تجربة يمر بها الإنسان في أي مرحلة من العمر تؤثر - بدرجةٍ ما - في ضميره الأخلاقي، ولا نغفل أن هذا التأثير تراكمي، والفرد الآن يقضي أمام شبكات التواصل الاجتماعي، وفي حضرة الذكاء الاصطناعي، ساعات أطول من تلك التي يقضيها مع أسرته، وحتى مع أصدقائه، ويستمر في تفاعلات افتراضية مع ثقافات ومفاهيم أخلاقية متباينة؛ ما يؤثر في منظومته الأخلاقية مع تراكم التجربة والخبرات؛ فتتغير المعايير الأخلاقية، ويعيد العالم الافتراضي تشكيل الوعي الأخلاقي للأفراد.

ويبقى السؤال المحوري: في أي اتجاه يسير هذا التغيير؟!

قد يسير نحو تفكك القيم الأخلاقية، وانهيار المنظومة القيمية للفرد؛ نتيجة تعرضه لتدفق هائل من المؤثرات الأخلاقية السلبية، التي قد تداعب فيه الجانب المظلم من النفس البشرية، فيقع في براثن الشك، ويبدأ - بشكل غير واعٍ - عنده التشكيك في ثوابت ثقافته، ويصبح الأمر هدماً بطيئاً لكل المنظومة القيمية لديه. ومع العزلة، والانكفاء على الذات، والتيه داخل الفضاء الرقمي؛ يفقد الفرد بوصلته الأخلاقية، ويصبح عنصراً هداماً في أمن المجتمع.

ولا يخفى علينا أن الأخطر في ذلك، هو أن أدوات الذكاء الاصطناعي تغلغلت داخل الخصوصية الإنسانية للفرد، من خلال تحليل السلوكيات، وتوقعات المشاعر مع غياب الضوابط الأخلاقية الكافية، والحاكمة لمنظومة الذكاء الاصطناعي حول العالم؛ ما يسمح لها بأن تتحول إلى أداة توجيه مباشر للوعي، والمشاعر، والقرارات الفردية.

لكن، في الوقت ذاته، تحمل تلك البيئة الرقمية إمكانات كبيرة تعزز القيم الإنسانية، من خلال الآلية نفسها، وهي التفاعل، وتبادل الخبرات، والتجارب الإنسانية والأخلاقية، فتسير بالاتجاه الآخر نحو التأثير الإيجابي في الوعي الأخلاقي للإنسان، وتعطي الفرد معرفة أوسع، تسمح له بتقييم تجربته الأخلاقية على نحو إيجابي؛ ما يعززها، ويمنحها زخماً إنسانياً أكثر عمقاً، وإيجابية.

من هنا، ندرك أن تقنيات الذكاء الاصطناعي، وتكنولوجيا شبكات التواصل الاجتماعي، لا تملك بناء ذاتياً لمنظومتها الأخلاقية؛ لأنها لا تمتلك الوعي البشري؛ فهي أداة محايدة. ومن ثَمَّ، تعكس هذه التقنيات صورتنا نحن البشر، فإما أن نستخدمها في تعزيز قيمنا وأخلاقنا الإيجابية، أو في تعزيز سلوكيات العزلة والتزييف، وممارسة الشرور، دون رادع كافٍ.

وهذا يضعنا، نحن البشر، أمام مسؤوليتنا الأخلاقية، التي لا تقتصر فقط على حماية أنفسنا من الاتجاه السلبي لها، بل تمتد إلى صياغة ميثاق أخلاقي، وترسيخ الضمير الإنساني في الفضاء الرقمي، متمنين أن يكون العالم - كما يجب أن يكون - فضاءً من التعايش، والتسامح، والخير..!

اذهب للمصدر