شهدت إصدارات الديون بالدولار الأميركي من الأسواق الناشئة، مرونة ملحوظة. فوفقاً لوكالة «فيتش» للتصنيف الائتماني، استحوذت الجهات المصدرة من دول الخليج وماليزيا وإندونيسيا وتركيا على ما يزيد قليلاً من نصف هذه الإصدارات بالنصف الأول 2025، باستثناء الصين.
ويعود هذا النشاط إلى عوامل رئيسية تشمل الاحتياجات التمويلية الكبيرة، وأهداف التنويع، والاستحقاقات القادمة. كما استفادت الدول التي تُعتبر ملاذات آمنة نسبياً، مثل دول الخليج، من تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر في الفترة ذاتها. ويتواصل تنوع السوق من خلال أدوات تمويل جديدة مثل الصكوك وأدوات الحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية.
إصدارات الديون
وشهدت أسواق الدين في دول الخليج نمواً كبيراً، حيث تجاوز حجمها تريليون دولار خلال النصف الأول 2025. وساهمت جهات الإصدار من المنطقة بنسبة 35.5 % من إجمالي إصدارات الديون بالدولار في الأسواق الناشئة.
وتوقعت «فيتش» استمرار هذا النمو، مدفوعاً بشكل رئيسي بالنشاط الاقتصادي في السعودية والإمارات، إضافة إلى عودة الكويت إلى أسواق الدين في وقت لاحق من العام. وتعتبر المشاريع الحكومية الطموحة في المملكة، ضمن إطار رؤية 2030، إلى جانب تمويل العجز وجهود التنويع، من المحفزات الأساسية لنمو سوق أدوات الدين السعودية.
أما في الإمارات، فمن المتوقع أن ينمو سوق الدين رغم تحقيق فوائض في الميزانية، ويعود ذلك إلى جهود تنويع مصادر التمويل وتطبيق الإطار النقدي للدرهم.
من جهة أخرى، يرجح أن يشهد إصدار أدوات الدين في ماليزيا تباطؤاً، في ظل سعي الحكومة المستمر لخفض الدين الفيدرالي. وفي الوقت نفسه، يتوقع استمرار نشاط إصدار أدوات الدين في إندونيسيا النصف الثاني 2025، بينما قد تشهد تركيا نمواً متواضعاً.
وتتوقع الوكالة أن يدعم انخفاض أسعار النفط، التي قد تصل 70 دولاراً للبرميل في 2025 و65 دولاراً عام 2026، إصدارات الدين، خصوصاً بالنسبة للعديد من الدول الأعضاء في منظمة أوبك.
كما ستسهم أسعار الفائدة المنخفضة في تعزيز هذا الاتجاه. ومع ذلك، تبقى هناك مخاطر محتملة، أبرزها الرسوم الجمركية الأميركية، والتقلبات الجيوسياسية، إضافة إلى تقلبات أسواق رأس المال. وبالنسبة للصكوك، تمثل تعقيدات الامتثال لأحكام الشريعة الإسلامية تحدياً إضافياً.
حصة الصكوك
وتشكل الصكوك غالبية إصدارات رأس المال الدين القائمة في كل من السعودية (61.1 %) وماليزيا (59.3 %) بنهاية النصف الأول. كما تتمتع الصكوك بأهمية كبيرة في أسواق أخرى مثل الإمارات (21.9 %) وإندونيسيا (18 %) وقطر (17.8 %). وقد أظهرت أسعار الصكوك والسندات التقليدية المماثلة ترابطاً قوياً خلال 2024.
ووفقاً لتصنيفات وكالة فيتش، فإن أكثر من 70 % من الصكوك العالمية المقومة بالدولار- ومعظمها في الأسواق الناشئة - حصلت على تصنيف درجة استثمارية، حيث بلغت هذه النسبة نحو 80 % بنهاية النصف الأول 2025.
والجدير بالذكر أنه لم تُسجل أي حالات تخلف عن السداد. ويفوق الطلب على الصكوك المعروض منها، مدعوماً بسيولة البنوك الإسلامية الكبيرة في معظم الأسواق، والتي لا تستطيع الاستثمار في السندات التقليدية.
وشكلت صكوك الحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية «ESG» ما نسبته 41 % من إجمالي إصدارات الديون بالدولار المتوافقة مع معايير «ESG» في الأسواق الناشئة خلال النصف الأول، في حين مثلت السندات بقية الإصدارات.
الأسواق الناشئة
في سياق آخر، قالت «فيتش» إن ظروف السيولة في الأسواق الناشئة تحسنت منذ الإعلان عن خطط التعريفات الجمركية الأميركية في أبريل 2025. وخلال النصف الأول من العام، تجاوزت إصدارات الديون الدولارية في هذه الأسواق 250 مليار دولار، مع استبعاد الصين من هذه الإحصاءات.
وتتصدر السعودية قائمة الجهات المصدرة بنسبة 18.9 %، تليها البرازيل بـ 10.6 %، والإمارات 8.7 %، والمكسيك 7 %، وتركيا 6.7 %، وإندونيسيا 6.4 %، وماليزيا 4.1 %، وقطر 3.2 %.
وفي سياق آخر، شكّلت الصكوك 13.7 % من إجمالي إصدارات الدولار في الأسواق الناشئة خلال الفترة ذاتها، مقارنة بـ12 % عام 2024.
ورغم استمرار ارتفاع المخاطر الجيوسياسية في الشرق الأوسط واحتمالية استئناف النشاط العسكري وفقاً للوكالة، فقد أظهرت أدوات الدين صموداً ملحوظاً في مواجهة الصراع خلال شهر يونيو.
ماليزيا تتصدر قائمة ملكية المستثمرين الأجانب للديون المحلية
تُظهر أحدث البيانات أن أسواق التمويل الإسلامي، تحظى باهتمام متزايد من المستثمرين الأجانب.
وتتصدر ماليزيا هذه الأسواق من حيث نسبة ملكية المستثمرين الأجانب للديون الحكومية المحلية، والتي بلغت 21.8 % النصف الأول 2025.
وتأتي بعدها إندونيسيا بـ14.5 % عام 2024، ثم تركيا بـ8.6 % خلال الأشهر الثلاثة الأولى من 2025، وأخيراً السعودية بـ7.7 % في النصف الأول 2025.
ويعكس الاهتمام المتجدد من المستثمرين الأجانب بالأسواق الناشئة رغبتهم في تنويع استثماراتهم بعيداً عن الأصول الأميركية. ويأتي هذا التحول مدفوعاً بحالة عدم اليقين المحيطة بالحرب التجارية وتأثيرات ضعف الدولار.
2.5 تريليون دولار ديوناً قائمة بالأسواق الناشئة باستثناء الصين
لفتت «فيتش» إلى أن إدراج دول الخليج وماليزيا وإندونيسيا وتركيا، في مؤشرات السندات العالمية، يعد عاملاً رئيسياً في جذب مزيد من المستثمرين الأجانب. ووفقاً لمؤشر جي بي مورغان للسندات الحكومية للأسواق الناشئة، بلغت الحصة الإجمالية لإندونيسيا وماليزيا وتركيا 21.4 % بنهاية النصف الأول 2025.
وتخضع الصكوك السعودية حالياً للدراسة، تمهيداً لإدراجها في المؤشر ذاته، بينما تتم مراجعة وضع الإمارات لإدراجها في مؤشر سندات الأسواق الناشئة 2026.
وبلغ حجم الديون القائمة بالدولار للأسواق الناشئة (باستثناء الصين) 2.5 تريليون دولار في نهاية النصف الأول 2025. وجاءت المكسيك الأولى بحصة 11.3 %، بينما احتلت السعودية والإمارات المرتبتين الثانية والثالثة على التوالي، بنسبتي 10.1 % و8.7 %.