- تحول بكين نحو «الجنوب العالمي» يدخل الخليج صلب التحول التجاري
- علاقات المنطقة مع الصين تؤسس لظهور نظام تجاري عالمي جديد
تناولت وكالة «ستاندرد آند بورز غلوبل» في تقرير صدر عنها حديثاً، التحولات الأخيرة في السياسات التجارية الصينية، والتي تشير إلى نقلة إستراتيجية في التوجهات الاقتصادية لبكين.
وحسب التقرير، تتجه كبرى الشركات الصينية بشكل متزايد نحو منطقة «الجنوب العالمي»، في خطوة إستراتيجية تعكس استجابتها لارتفاع الرسوم الجمركية الأميركية المفروضة على السلع الصينية منذ 2018. وتهدف هذه الشركات إلى تنويع أسواقها وتوسيع نطاق مبيعاتها نحو مناطق تتمتع بآفاق نمو أقوى.
وحسب الوكالة أدت هذه السياسة إلى نمو هائل في حجم التجارة بين الصين وهذه المناطق، التي تشمل معظم الدول النامية، حتى أصبحت صادرات الصين إليها تتجاوز اليوم صادراتها إلى الولايات المتحدة وأوروبا الغربية مجتمعتين بأكثر من 50 %.
ويُعرّف «الجنوب العالمي» في هذا السياق بأنه مجموعة الدول الواقعة جنوب «خط براندت»، ويشمل ذلك مناطق في جنوب وشرق آسيا، وأميركا اللاتينية، والشرق الأوسط، وأفريقيا، وآسيا الوسطى، وأوروبا الشرقية. ويعود أصل هذا المصطلح إلى خمسينات القرن الماضي، حيث سعت الدول النامية إلى تبني مسار محايد بعيداً عن التوترات العالمية. وفي هذا الإطار، تُعد الصين نفسها جزءاً من هذا «الجنوب العالمي».
وأشارت «ستاندرد آند بورز» إلى أن الصين ضاعفت صادراتها من السلع إلى هذه المناطق منذ 2015، مقارنةً بنمو بلغ 28 % إلى الولايات المتحدة و58 % إلى أوروبا الغربية. موضحة أن هذا التسارع كان أكثر وضوحاً السنوات الـ 5 الماضية، حيث ارتفعت صادرات البلاد إلى دول الجنوب العالمي 65 %، أي 3 أضعاف معدل النمو المسجل بـ 21 % في فترة السنوات الـ5 السابقة، ونتيجةً لذلك، تبيع الصين الآن لدول الجنوب العالمي أكثر من 50 % تعادل 1.6 تريليون دولار، مقارنةً بالولايات المتحدة وأوروبا الغربية المجتمعتين، بقيمة تريليون.
والجدير بالذكر، أن صادرات البلاد إلى المناطق الثلاث التالية فقط: جنوب وجنوب شرق آسيا تبلغ 759 ملياراً، وأميركا اللاتينية 264 ملياراً، والشرق الأوسط 219 ملياراً، تتجاوز بالفعل إجمالي صادراتها إلى الولايات المتحدة وأوروبا الغربية.
وتأتي منطقة الشرق الأوسط ودول مجلس التعاون الخليجي، في صلب هذا التحول التجاري، حيث برزت كوجهة رئيسية للتوسع الصيني. فقد بلغت صادرات الصين إلى الشرق الأوسط 219 مليار دولار، ما يؤكد على الأهمية الإستراتيجية لهذه المنطقة في الأجندة التجارية الصينية.
ولا يقتصر هذا الاتجاه على تبادل السلع فحسب، بل يمتد ليشمل الاستثمار المباشر في الاقتصادات المحلية. وتعمل الشركات الصينية على إنشاء مراكز إنتاج وتطوير أسواق نهائية في هذه الدول، بهدف تقليل اعتمادها على المبيعات في السوق الأميركية.
وبالنسبة لدول مجلس التعاون الخليجي، ومنها الكويت، تمثل هذه الشراكة الإستراتيجية فرصة فريدة لتعميق العلاقات الاقتصادية مع قوة عالمية كبرى. وتعتبر المفاوضات الجارية حالياً بشأن اتفاقية التجارة الحرة بين الصين والخليج، خطوة مهمة نحو إضفاء الطابع الرسمي على هذه العلاقة. وتهدف هذه الاتفاقية إلى إنشاء إطار تجاري أكثر تكاملاً يسهم في دفع عجلة النشاط الاقتصادي وتحقيق الأهداف التنموية الوطنية لدول المنطقة.
وحسب التقرير، فإن الصين تعزز علاقاتها التجارية مع مختلف دول العالم، عبر سلسلة اتفاقيات متعددة الأطراف، ففي 2019، أطلقت اتفاقية التجارة الحرة المحدثة مع دول «آسيان»، وفي 2020 وقعت اتفاقية الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة. كما اختتمت الصين الجولة العاشرة من مفاوضات اتفاقية التجارة الحرة مع دول الخليج.
ويُشير هذا التحول إلى ظهور نظام تجاري عالمي جديد، حيث تصبح التجارة بين دول الجنوب العالمي مركز الثقل الاقتصادي الجديد، ومع استمرار الشركات الصينية في التوسع نحو الجنوب العالمي، تتوقع «ستاندرد آند بورز» نشوء نظام تجاري عالمي جديد، يتحول فيه مركز الثقل إلى التجارة بين دول الجنوب، وتتصدر فيه الشركات الصينية متعددة الجنسيات المشهد كلاعب رئيسي.