بنوك تتوسّع في القروض الرخيصة... إليكم فكّ شيفرة سر حرق الفائدة

3 days ago 14

- تأثير محدود على العوائد من خفض الفائدة وبعض البنوك مستفيد
- هوامش الربحية بدأت تضيق بين الفائدة المقدّمة وسعر الخصم
- توقعات الخفض الحاد للفائدة دفعت البنوك لإطلاق المنافسة مبكراً
- حجم الودائع والحسابات الجارية أبرز علامات القوة في معركة الإقراض

بدأت بنوك عدة محلياً، فتح جولة جديدة من حرق أسعار الفائدة على القروض الجديدة التي تمنحها، أو التمويلات التي يرغب العملاء في إعادة جدولتها، لدرجة يقدم بعضها أسعاراً غير مسبوقة منذ سنوات، وصلت 5.75 %، مقارنة بـ 6 % تسعيراً جماعياً يمنح منذ أسابيع.

وهنا قد يكون مفيداً تحليلياً الانكشاف على جملة أسئلة، ليس أقلها السؤال عن فك «شيفرة» سر البنوك، في التسابق نحو تقديم فائدة رخيصة، تقل بمعدل 1.25 % مقارنة بالتسعيرة المتداولة حتى نهاية يوليو الماضي، عند 7 % ؟ ومن أين تُمَوّل مصرفياً تكلفة هوامش الربحية، التي بدأت تضيق بين الفائدة التي تنافس بها وسعر الخصم المقرر من بنك الكويت المركزي حالياً بـ 4 % ؟

النمو محلياً

مبدئياً، من المرجح أن يكون التأثير السلبي على عوائد البنوك من موجة خفض فوائدها على القروض محدوداً، بل ربما يكون عامل دعم إضافياً، للحفاظ على إيراداتها التشغيلية من محافظ قروضها، بعيداً عن ضغط تباطؤ سوق الائتمان، فلا يعد سراً القول، إن ارتفاع أسعار الفائدة الفترة الماضية خفض نمو الائتمان محلياً، حيث قاد إلى إضعاف شهية العملاء الأفراد والشركات للاقتراض، ما وضع المصارف المحلية في مواجهة مباشرة مع تحد النمو البطيء.

ومصرفياً، هذا الاعتبار ليس المحرك الوحيد، الذي يغذي حدة التنافس على استقطاب عملاء القروض، أو أقله المحافظة على قواعدهم، فمن نافل الإشارة إلى أن التوقعات عالمياً، تشير إلى أن مجلس الاحتياطي الأميركي «البنك الفيدرالي»، سيتبنى حتى نهاية العام خفضاً حاداً للفائدة، فيما يتوقع أن يقر في اجتماعه المرتقب خلال سبتمبر المقبل خفضاً بـ 0.5 % مرة واحدة، ليتخلى مع ذلك عن دورة التشدد النقدي المطبقة عالمياً منذ 2021، للحماية من مخاطر التضخم.

تطور مرتقب

وأمام هذا التحول النقدي المرتقب قريباً، تكون من الحكمة مصرفياً المبادرة إلى مغازلة العملاء بقروض رخيصة، فكلما انخفضت أسعار الفائدة، يعول بالتوازي على زيادة طلبات المقترضين سواء شركات وأفراداً، وهنا يحدث التعادل محاسبياً، حيث يرجح أن تدعم زيادة الائتمان المرجحة استقرار العائد الكلي في محافظ قروضها، في مواجهة انخفاض هوامش الربحية التي تبوب من الفائدة العالية.

فمصرفياً تعني زيادة الحصة السوقية من القروض، أو المحافظة على استقرارها فرصة أكبر للتمتع بوضع جيد للاستفادة من إيرادات الفائدة على المدى الطويل، حتى لو كانت بمعدلات أقل من المعتادة منذ بدء الدورة العكسية للفائدة وزيادة التشدد النقدي عالمياً في مارس 2022، ولذلك تزداد أهمية ارتباط العميل ائتمانياً لسنوات مقبلة، ويشمل ذلك جناحي الائتمان المقسط استهلاكياً وإسكانياً.

تسييل العملاء

وأمام ذلك يعلم صانعو السياسة الائتمانية المحلية جيداً، أن تمسكهم بفائدة مرتفعة حتى اجتماع «الفيدرالي» المقبل، والذي يتوقع أن يتبعه خفض محلي، يعرّضهم لمخاطر خسارة مزيد من المقترضين، سواء لجهة العملاء الجدد، أو من القاعدة القائمة التي تتعرض إلى مغازلة مصرفية مختلفة المزايا من البنوك المنافسة، تستهدف تسييلهم لصالح محافظها، وهذا يشكل الدافع الأهم لمواكبة نقطة التحول الرئيسية المرتقبة لأسعار الفائدة عالمياً ومحلياً.

قدرة البنوك

وتمتد الأسئلة وصولاً عن «الفائدة الرخيصة» إلى السيناريوهات المحاسبية المتاحة لكل بنك، لتقليل الضغط على إيراداته أو بمعنى أدق: هل تمتلك جميع البنوك القدرة نفسها للحفاظ على هوامش أرباحها إذا طال مسار خفض الفائدة؟

عملياً، غالبية البنوك المحلية دخلت سباق «أريد عميلاً» من نافذة الفائدة الرخيصة، لكن محاسبياً، لدى كل منها رؤية ائتمانية واستراتيجية خاصة يعمل وفقها، فلدى كل بنك حيز سعر محدد للفائدة لا يمكنه تخطيه، ولعل الشاهد في ذلك تجربة القروض الحسنة ذات فائدة الصفرية، والتي تنامت حدتها في 2021 وانحسرت بين بنكين رئيسين بهدف استقطاب العملاء، وتحديداً الكويتيين.

وعودة إلى المربع الأول، حيث السؤال عن مكامن قوة كل بنك في تمويل منافسته وتعمقه في تقديم فائدة رخيصة، والتي يمكن استعراض أبرزها في التالي:

1 - تتصدر قاعدة الودائع القوية من القطاع الخاص أو الحكومية، وأيضاً حصة الحسابات الجارية علامات قوة البنك، فكلما ارتفع منسوبها في البنك، ارتفعت مصداته في تمويل المنافسة على القروض بفائدة رخيصة، حيث يكون مدعوماً بانخفاض تكلفة الأموال، ما يعطي البنوك الرئيسية مساحة أكبر في خلق منافسة مفتوحة على النمو ائتمانياً، مقابل البنوك المتوسطة والصغيرة، التي ستضطر إلى إطفاء محركاتها قبل بلوغ خط نهاية المعركة.

2 - يساعد مركز كل بنك في الحصول على تمويلات خارجية رخيصة في دعم موقفه التنافسي، وللتبسيط يمتلك كل بنك شبكة علاقات مع البنوك العالمية والإقليمية، وكلما كان مركز البنك متقدماً في هذه الشبكة ويمتلك علاقات أوسع، يستطيع أن يحصل على أموال بتكلفة أقل، ويشمل ذلك القروض أو السندات والصكوك المصدرة، ومن ثم يكون لديه رصيد جاهز لتمويل منافسته دون التأثر سلبياً.

3 - لعل من أبرز محفزات الهجمة المصرفية على التمويل بهوامش ربحية منخفضة موقتا، زيادة التركيز على النمو ائتمانياً، وسط معاناة السوق من ضغوط التباطؤ.

4 - تحتفظ جميع البنوك المحلية بفوائض سيولة متراكمة منذ سنوات طويلة، للدرجة التي دفعتها إلى تصدير قروضها إلى الأسواق الخارجية، وضخها في طروحات لشركات حكومية وخاصة خارج الكويت، خصوصاً وسط تباطؤ النمو، وذلك في مسعى لخفض تكلفة الأموال في دفاترها.

5 - هوامش المخصصات الاحترازية العالية المكونة السنوات الماضية، جعل جميع البنوك المحلية أكثر كفاءة محاسبياً في موازنة الزيادة المحتملة في القروض المتعثرة، والحفاظ على استقرار واسع لنسبتها، فضلاً عن أن المبالغ المستردة من المخصصات المحجوزة، تسهم في خفض تكاليف الائتمان، ما يعطي هامشاً أوسع في تحمل خفض عوائد الفائدة، أخذاً بالاعتبار ارتفاع تكلفتها في حال استمرت في تشريع سياسة باب الفائدة المرتفعة.

6 - حسب وكالات التصنيف العالمية تظل الرسملة مصدر قوة للبنوك المحلية بفضل تمتعها بهوامش مريحة.

اذهب للمصدر