هل يردع "التعطيل عن بُعد" عمليات التهريب لرقائق إنفيديا؟

5 hours ago 5

على وقع سباق الذكاء الاصطناعي العالمي، تخوض الولايات المتحدة معركة تكنولوجية حاسمة ضد الصين، عنوانها الأبرز منع كل ما له علاقة بصناعة أشباه الموصلات المتقدمة والرقائق فائقة القوة من الوصول إلى أيدي الشركات الصينية.

وقد بدأت واشنطن هذا المسار منذ أكتوبر 2022، عندما فرضت إدارة الرئيس بايدن قيودًا صارمة على تصدير بعض أنواع الرقائق الأميركية إلى بكين، لتقوم أميركا بعد عام من هذا التاريخ بتشديد قيودها ومنع وصول أنواع جديدة من الرقائق القوية إلى أيدي الصينيين.

وتركّز القيود الأميركية بشكل خاص على منع بيع الرقائق التي تنتجها شركة إنفيديا للشركات الصينية، فشرائح إنفيديا تمثّل أعلى مستوى من قدرات الحوسبة، ما يجعلها حاسمة في عملية تطوير تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، كما أن شرائح إنفيديا تُعتبر الخيار المفضل لشركات التكنولوجيا الصينية الكبرى، مثل "بايدو" و"علي بابا" و"تينسنت"، التي تسعى إلى بناء نماذج ذكاء اصطناعي محلية قادرة على منافسة الشركات الأميركية.

أميركا تُقسّم العالم إلى فئات

وبحسب تقرير أعدّه موقع "ذي إيكونوميست" واطلع عليه موقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، فإنه وفي محاولة لسد جميع الثغرات التي كانت تستغلها الصين للحصول على الرقائق الإلكترونية الأميركية المحظورة، كشفت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن في يناير 2025، عن "إطار عمل انتشار الذكاء الاصطناعي"، الذي يُقسّم العالم إلى ثلاث فئات:

  • الفئة الأولى هي فئة الدول الموثوقة، التي لا تواجه أي قيود وتضم 18 دولة،
  • الفئة الثانية تضم 120 دولة وتخضع لبعض القيود.
  • أما الفئة الثالثة فتضم الصين وروسيا، وهي فئة الدول المحظورة تمامًا، حيث إنه وبموجب هذا التصنيف يُمنع أيضًا على مزوّدي الخدمات السحابية الأميركيين تقديم أي خدمات مدعومة بشرائح ممنوع وصولها للعملاء الصينيين.

بدورها، لم تكتفِ إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بما فرضته الإدارة السابقة، بل أقدمت قبل أيام قليلة على إصدار قيود إضافية تستهدف منع وصول أنواع متقدّمة من المعالجات الدقيقة إلى الصين.

لكن اللافت فيما يحصل هو أن بكين كانت تقابل كل خطوة أميركية بهذا الشأن بإصرار متزايد على الحصول على رقائق عالية الأداء.

أعمال تهريب غامضة

وتكمن المشكلة بالنسبة لأميركا في أن رقائق إنفيديا المتطورة لا تزال تصل إلى أيدي مطوّري الذكاء الاصطناعي الصينيين، وذلك بسبب أعمال تهريب عبر سلسلة توريد غامضة مصممة للالتفاف على العقوبات، تتم من خلال سنغافورة وماليزيا، حيث يقول مصدر مطّلع على هذه الممارسة لموقع "ذي إيكونوميست" إن البضائع المُهرّبة غالبًا ما تمر عبر عدة ولايات قضائية وشركات وهمية لإخفاء مصدرها، إذ يتم تزييف أوراق التصدير لتفادي الجمارك.

ويقدّر إريك غرونوالد من معهد سياسات واستراتيجية الذكاء الاصطناعي، وهو مركز أبحاث مقره سان فرانسيسكو، أن الرقائق الأميركية المُهرّبة شكّلت العام الماضي ما بين عُشر ونصف قدرة الصين على تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي، في حين كشف أحد المسؤولين التنفيذيين في صناعة الرقائق، أن شرائح إنفيديا المُهرّبة تُباع الآن بهامش ربح يتراوح بين 30 و50 في المئة عبر وسطاء.

التهريب المعقّد

تواجه شركة إنفيديا موقفًا معقّدًا بسبب عمليات التهريب الجارية، إذ رغم تأكيدها التزام قواعد التصدير الأميركية، فإن حجم صادراتها الكبير وتعدّد الأطراف المتعاملة معها يفتح الباب أمام خروقات يصعب ضبطها.

ففي كثير من الحالات، تُباع معالجات إنفيديا أولًا إلى شركات غير خاضعة للعقوبات، لتقوم هذه الأخيرة لاحقًا بإعادة بيعها إلى أطراف صينية، ما يجعل مسألة الامتثال مسؤولية موزّعة يصعب تتبّعها بدقة.

تعطيل الرقائق عن بُعد

ولحل مشكلة تهريب الرقائق المتطورة إلى الصين، اقترح بعض الخبراء الأميركيين على إنفيديا التوصّل إلى طريقة تقنية تسمح لها بتتبّع مكان كل شريحة فائقة القوة بعد بيعها، ما يتيح للشركة تعطيل عمل هذه الشريحة عن بُعد، في حال تبيّن أنها موجودة في الصين أو في أي دولة محظورة أخرى.

من جانبها، تعتبر شركة إنفيديا أن فرض ضوابط تقنية على مستوى العتاد سيُنتج ثغرات أمنية جسيمة يصعب السيطرة عليها، وبدلًا من اعتماد آلية تعطيل الرقائق عن بُعد، اقترحت الشركة حلًا يتمثل في تزويد شرائحها بأدوات برمجية ترسل بيانات محدودة عن بُعد، مثل الموقع الجغرافي والنظام المستخدم، وذلك لتمكين الجهات المختصة من التحقق من وجود الرقائق في أماكنها المصرّح بها دون المساس بوظائفها الأساسية.

هل ينجح التعطيل عن بُعد؟ هل يمكن تنفيذه؟

ويقول المحلل والكاتب المختص بالذكاء الاصطناعي، ألان القارح، في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن المقترح الأميركي بتضمين الرقائق خاصية التعطيل عن بُعد، ورغم أنه يبدو من الناحية النظرية أداة فعالة للحد من تسرب التكنولوجيا إلى دول محظورة، إلا أنه يطرح إشكاليات كبيرة من الناحيتين الأمنية والتقنية.

فأولًا، إدراج آلية "kill switch" التي تتيح إمكانية تعطيل عمل الرقاقة عن بُعد، يعني أن المنتج سيحتوي دائمًا على بوابة خلفية تسمح لطرف ما بالولوج إلى داخله، وهذا الأمر يُعد مصدر قلق بالغ لشركات تطوير الذكاء الاصطناعي حول العالم، وليس فقط الشركات الصينية، حيث إن معظم عملاء إنفيديا سيرون في هذه الخاصية تهديدًا لسيادتهم الرقمية، ما قد يؤدي إلى عزوفهم عن استخدام رقائق الشركة.

ويشرح القارح أنه من حيث التنفيذ، فمن الممكن تقنيًا زرع تعليمات برمجية أو وحدات مراقبة على مستوى العتاد تتيح تتبّع أو تعطيل الرقائق، ولكن المسألة هنا تكمن في مستوى الثقة، ففي نهاية المطاف من يملك مفتاح تعطيل شرائح الذكاء الاصطناعي، يملك القدرة على توقيف البنية التحتية لشركات أو دول بأكملها، وهذا أمر لا يمكن التساهل معه.

حل تجميلي لإنفيديا

وشدد القارح على أن اقتراح إنفيديا باستخدام أدوات برمجية لإرسال بيانات عن بُعد، مثل الموقع الجغرافي للرقائق والنظام التشغيلي الذي تعمل من خلاله، هو حل تجميلي لا يُغلق الباب تمامًا أمام عمليات التهريب.

فصحيح أن هذا الحل لا يتدخل مباشرة في وظائف الشريحة، ولا يُعرّض أمن مستخدميها للاختراق، لكنه غير كافٍ، حيث يمكن ببساطة التحايل عليه من خلال تشغيل الشريحة في بيئة افتراضية توهم نظام التتبّع بأنها موجودة في موقع جغرافي آخر غير محظور، كما أنه لا يمكن استبعاد أن تقوم أطراف بفك التشفير وإلغاء الأدوات البرمجية أو إعادة برمجتها.

ما الحلول؟

ويعتبر القارح أنه لا يوجد حل سحري لمعضلة تهريب الرقائق، أو التحكم الكامل في وجهتها النهائية، خصوصاً في ظل سلاسل توريد عالمية شديدة التعقيد، ولكن هناك مقاربة متعددة الأبعاد، يمكن أن تساهم في تقليص حجم المشكلة بشكل ملموس وتتمثل في العناصر الأربعة الآتية:

  • أولاً: تعزيز آليات تتبع سلسلة التوريد عبر ما يُعرف بـ Trusted Supply Chain Framework، بحيث يُفرض على جميع الوسطاء والموزعين المعتمدين، استخدام منصات رقمية موحدة لتوثيق مسار الرقائق، من نقطة التصنيع حتى الاستخدام النهائي.
  • ثانياً: فرض نظام أكثر تشدداً على الشركات التي تشتري الشرائح المتطورة، مع تعهّدات قانونية صارمة ومسؤولية مباشرة في حال حدوث خرق يتثمل في إعادة بيع هذه الشرائح لجهات محظورة.
  • ثالثاً: التعاون مع الدول الوسيطة، مثل ماليزيا وسنغافورة، التي تُستخدم كقنوات عبور لعمليات التهريب، من خلال عقد اتفاقيات لمشاركة البيانات الجمركية والتحقيق في الأنشطة المشبوهة، خصوصاً أن هذه الدول لا ترغب في أن يُنظر إليها كممرات للتهريب التكنولوجي.
  • رابعاً: على المستوى الفني، من المفيد الاستثمار في تطوير شرائح قابلة للرصد الذكي باستخدام تقنيات ذكية، وهي أساليب لا تعطل الرقاقة ولكنها تسمح بتحديدها وتتبع استخدامها دون اختراق خصوصية النظام أو تهديد أمن المستخدم.

معركة طويلة الأمد

من جهتها، تقول المحللة الاقتصادية باتريسيا جلاد، في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن معركة مواجهة عمليات تهريب الرقائق ستكون معركة طويلة الأمد، حيث سيظل المهرّبون قادرين على استغلال الثغرات للقيام بعملياتهم، إذ من المستحيل على إنفيديا مثلًا متابعة جميع الرقائق التي تبيعها، فالشركة تستعد لبيع 6 ملايين شريحة ذكاء اصطناعي في عام 2025 فقط، وهو رقم ضخم يُصعّب من مهمة التتبّع والمراقبة الدقيقة.

مشيرةً إلى أن الرقائق لا تُستخدم بالضرورة في مكان واحد، بل يتم تركيبها ضمن أنظمة حوسبية عملاقة أو حتى دمجها في مراكز بيانات خاصة، حيث يمكن أن تنتقل ملكية هذه الخوادم لاحقًا عبر شركات وهمية، مما يُعقّد القدرة على تحديد مكان استخدامها الفعلي.

وتوضح جلاد أن جانبًا أساسيًا من جهود الحد من تهريب الرقائق يعتمد على التعاون بين شركات تصنيع الرقائق ومزوّدي الخدمات السحابية، فشركات تصنيع الرقائق تتحقق من هوية العملاء عند البيع، لكن المشكلة الجوهرية هنا تكمن في أن هذه الرقابة مرتبطة فقط بالمرحلة الأولى بعد عملية البيع، حيث إنه بعد اجتياز الفحص الأولي، يمكن لمزوّدي الخدمات السحابية أن ينقلوا ملكية الخوادم لشركة أخرى دون أن يتم رصد هذه التحركات من قبل شركات تصنيع الرقائق، ما يجعل الكشف عن أي خرق بالغ الصعوبة في ظل غياب رقابة دائمة ومستمرة.

اذهب للمصدر