- انقطاع إمدادات النفط قد يدفع «أوبك» لإعادة الضخ بالسوق أسرع من المتوقع
- ارتفاع النفط يُقلل فرص «الفيدرالي» لخفض الفائدة الربع الثالث
- أسواق الائتمان تُظهر مرونة موقتة وقلقاً من الميزانيات العمومية
- ضعف ثقة المستهلك والشركات الأوروبية... ضربة جديدة للنمو الاقتصادي
- ارتفاع تكاليف الطاقة يُهدّد تراجع التضخم في اليورو ويزيد صعوبات «الأوروبي»
ذكرت مجموعة «ING» الهولندية في تقرير صدر عنها حديثاً أن تصاعد مستوى عدم اليقين الجيوسياسي في منطقة الشرق الأوسط خصوصاً بعد التصعيد العسكري الأخير يدفع أسواق الطاقة إلى التسعير وفق علاوة مخاطر كبيرة نظراً إلى إمكانية تعطل الإمدادات.
وشهدت أسعار النفط ارتفاعاً في البداية بنسبة 13 % بعد هجمات إسرائيل على إيران، رغم أن الأسواق تخلت عن بعض هذه المكاسب. وفي غياب أي انقطاعات فعلية في إمدادات النفط الإيراني، توقعت المجموعة أن يكون استمرار هذا الارتفاع في التلاشي. موضحة أنه مع ذلك، سيحتاج السوق إلى احتساب علاوة مخاطرة أكبر مما كان عليه قبل الهجمات، على الأقل على المدى القصير، ما يترك سعر خام برنت يتداول في نطاق 65-70 دولاراً أميركياً.
وحسب التقرير فإن أي تصعيد يؤدي إلى انقطاع في تدفقات النفط الإيراني سيرفع الأسعار، مشيراً إلى أن إيران تنتج حوالي 3.3 مليون برميل يومياً من النفط الخام، وتصدر حوالي 1.7 مليون برميل يومياً. وسيؤدي فقدان هذه الإمدادات إلى القضاء على الفائض المتوقع الربع الأخير2025، ودفع الأسعار نحو 80 دولاراً للبرميل. ومع ذلك، تعتقد «ING» أن الأسعار ستستقر في النهاية في نطاق 75-80 دولاراً للبرميل، مضيفة أن لدى منظمة أوبك طاقة إنتاجية فائضة تبلغ 5 ملايين برميل يومياً، وبالتالي فإن أي انقطاع في الإمدادات قد يدفع المنظمة إلى إعادة هذه الإمدادات إلى السوق بشكل أسرع من المتوقع.
تعطل الشحن
أما السيناريو الأكثر خطورة فهو أن يؤدي التصعيد إلى تعطل الشحن عبر مضيق هرمز. وقد يؤثر ذلك على تدفقات النفط من الخليج العربي، إذ يمر ما يقارب ثلث تجارة النفط العالمية المنقولة بحراً عبر هذا المضيق، وأي تعطل كبير في هذه التدفقات سيكون كافياً لرفع الأسعار إلى 120 دولاراً للبرميل. ولن تساعد الطاقة الاحتياطية لـ«أوبك» السوق في هذه الحالة، نظراً لوجود معظمها في الخليج العربي، موضحة أنه في ظل هذا السيناريو، ستكون العين على هذه الحكومات في كيفية استغلالها احتياطاتها النفطية الإستراتيجية، رغم أن هذا سيكون حلاً موقتاً فقط.
ولفتت «ING» إلى أن لهذا التصعيد أيضا تداعيات على سوق الغاز الأوروبية. ومع ذلك، لرؤية أسعار الغاز ترتفع بشكل ملحوظ، لابد من حصول أسوأ سيناريو، ألا وهو تعطل مضيق هرمز. مبينة أن قطر ثالث أكبر مصدّر للغاز الطبيعي المسال، حيث تُشكّل حوالي 20 % من التجارة العالمية. ويجب أن تمر كل هذه الإمدادات عبر المضيق. ومن شأن أي اضطرابات في سوق الغاز الطبيعي المسال العالمية أن تدفع هذه السوق إلى العجز وتزيد من المنافسة بين المشترين الآسيويين والأوروبيين.
البنوك المركزية
وبيّن التقرير أن ارتفاع أسعار النفط يهدّد بتعطيل السرد السائد حول التضخم الأميركي، والذي ثبت أنه أكثر اعتدالاً مما كان متوقعاً في ظل الرسوم الجمركية الأميركية. مشيراً إلى أنه حتى الآن، ظل تضخم السلع هادئاً بشكل ملحوظ، بينما بدأت ضغوط الأسعار في قطاع الخدمات، الذي يمثل 3 أرباع سلة مؤشر أسعار المستهلك الأساسي، في الانحسار.
واستبعدت «ING» استمرار هذا الوضع، حيث توقعت ارتفاعاً أكبر في أرقام التضخم الشهرية خلال فصل الصيف، وقالت إنه قبل 10 سنوات، اعتادت البنوك المركزية، مثل الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، على التفكير في خفض أسعار الفائدة رداً على ارتفاع أسعار النفط. وكان قلقها أكبر من تباطؤ النمو الاقتصادي أكثر من التضخم الموقت. إلا أن هذا التوجه تغيّر جذرياً منذ جائحة كوفيد. ففي 2022، شهدت أوروبا كيف أدى ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي والنفط إلى تضخم طويل الأجل، وخاصة في قطاع الخدمات. أما الآن، فتخشى البنوك المركزية، مثل «الفيدرالي» وبنك إنجلترا، من وضع مماثل. بل إن بنك التسويات الدولية حذرها من أنه لم يعد بإمكانها تجاهل أي انقطاعات في الإمدادات بسهولة.
مخاوف مبالغة
وذكر التقرير أن هذه المخاوف قد يكون مبالغاً فيها. فخلال كل من الجائحة وصدمة أسعار الطاقة في 2022، كانت البيئة الاقتصادية مهيأة لانطلاق التضخم. وفي كلتا الحالتين، قدّمت الحكومات دعماً مالياً كبيراً لتعويض الأثر، وهي مهمة أصبحت أكثر صعوبة اليوم بسبب ارتفاع أسعار الفائدة واضطراب الأسواق المالية. كما كان سوق العمل أقوى بكثير. ففي 2022، كانت هناك وظيفتان شاغرتان لكل عامل أميركي. أما الآن، فلا يوجد سوى وظيفة واحدة، وهي أقل من مستويات ما قبل الجائحة، وبالتالي، فإنّ احتمال انتعاش نمو الأجور أصبح أكثر محدودية.
ومن الواضح أن ارتفاع أسعار النفط يُقلل فرص خفض «الفيدرالي» لأسعار الفائدة في الربع الثالث. ولكن بحلول المراحل الأخيرة من العام، تعتقد المجموعة أن تأثير الرسوم الجمركية على التضخم سيبدأ في التلاشي، وأن تباطؤ التضخم في قطاع الخدمات سيتسارع. في الوقت نفسه، ستتضح الآثار الاقتصادية للحرب التجارية الأميركية بشكل أكبر في مجالات مثل البطالة. وتوقع التقرير أن يُجري «الفيدرالي» أول خفض لأسعار الفائدة الربع الرابع، والذي قد يبدأ بـ50 نقطة أساس في ديسمبر. وقد تؤدي سلسلة التخفيضات السريعة إلى خفض أسعار الفائدة إلى 3.25 % بحلول منتصف 2026.
كما تُصعّب هذه التطورات الأمور على البنك المركزي الأوروبي. فقد انخفض معدل التضخم في منطقة اليورو الأشهر الأخيرة بفضل انخفاض أسعار الطاقة. لكن هذا يُهدد بالتغير الآن، ويُشكّل ارتفاع التكاليف مصدر قلق آخر لقطاع الصناعات التحويلية.
وأوضحت «ING» أن هذا يُشكّل ضربة أخرى للثقة، التي تُعاني أصلاً من ضعف بسبب حالة عدم اليقين الجيوسياسي والاقتصادي. فالمستهلكون يدخرون أكثر، والشركات تُؤجل الاستثمار، وأي تصعيد إضافي في التوترات بالشرق الأوسط من شأنه أن يُفاقم هذه المشاعر السلبية ويُلقي بثقله على النمو.
أسواق الائتمان استوعبت
العوامل الخارجية المثيرة للقلق
بيّنت «ING» أن أسواق الائتمان استوعبت في الآونة الأخيرة جميع العوامل الخارجية المثيرة للقلق وتجاهلتها. ووفّرت السيولة النقدية بشكل كبير، ما مكّنها من التعامل بسهولة مع الكثير من الديون الجديدة، وانخفض فارق تكاليف الاقتراض (فروقات الأسعار) بشكل ملحوظ.
ولفتت إلى أن هذا يعني أنه في الوقت الحالي، يرجح أن تمنع هذه الظروف السوقية القوية فروق أسعار الائتمان من التغير بشكل كبير، حيث يواصل السوق تجاهل المخاوف الخارجية، موضحة أنه مع ذلك، لايزال عدم اليقين طويل الأجل بشأن الميزانية العمومية للشركات يهيمن، كما يؤثر ارتفاع أسعار السلع الأساسية والتضخم على هوامش الأرباح، وهو عامل سلبي آخر على الائتمان. وقد تفوقت القطاعات الدورية والقطاعات المرتبطة بالتصنيع في الأداء أخيراً، ولكن من المحتمل أن حدوث انعكاس في هذا الاتجاه مع تزايد إقبال المستثمرين على الاستثمارات الأكثر أماناً والأقل مخاطرةً.
الدولار انتعش على خلفية
تطورات إسرائيل وإيران
أفاد التقرير أن الدولار انتعش على خلفية تصاعد التطورات الجيوسياسية الأخيرة في إسرائيل وإيران، لكنه لايزال بعيداً عن تعويض خسائره التي تكبّدها في وقت سابق من هذا الأسبوع. وأن تأثير ذلك على الأسهم (انخفاض العقود الآجلة للأسهم الأميركية) يُعيق مكاسب الدولار، حيث غيّر الدولار حساسيته تجاه المخاطرة.
وأضافت «ING» أنه إذا تفاقمت التوترات وتحولت إلى صراع أوسع نطاقاً وارتفعت أسعار النفط أكثر، يتوقع أن يكون هناك مجال أكبر للارتفاع أمام الدولار، الذي يشهد بالفعل بيعاً مفرطاً وقيمة منخفضة بشكل حاد على المدى القريب. لكن الارتفاع المُحدود نسبيا للدولار قبل يومين دليل آخر على فقدانه بعضا من مكانته كملاذ آمن، ولايزال هناك منحى هبوطي هيكلي. ويعود ذلك بالكامل إلى عوامل محلية أميركية، لذلك من المستبعد أن يصلح أي حدث خارجي (مثل التوترات الجيوسياسية) الضرر الذي لحق بالدولار.