بقلم: يورونيوز
نشرت في 24/08/2025 - 18:00 GMT+2
اعلان
لم يكن أليك لوهن، الصحافي الأميركي المتخصص في شؤون المناخ والبالغ من العمر 38 عاماً، يتوقع أن تتحول رحلته في براري النرويج إلى كابوس طويل من الألم والجوع والعطش. ففي أواخر يوليو/تموز، انطلق لوهن في رحلة منفردة لعدة أيام في حديقة فولغيفونّا الوطنية جنوب غرب النرويج، والمعروفة بجبالها الشاهقة وأنهارها الجليدية المترامية.
بداية الحكاية
في اليوم الأول من الرحلة، واجه لوهن مشكلة بسيطة بدت قابلة للحل: تفكك نعل حذائه الأيسر. أصلح العطل بشريط لاصق رياضي وواصل مسيره، لكنه وصف لاحقاً هذا القرار بـ"الخطأ الأول". ومع حلول المساء، وصل إلى هدفه الأول: لسان بوَربرين الجليدي، أحد تفرعات ثالث أكبر نهر جليدي في البلاد. هناك، وبينما كان يسلك ممراً ضيقاً على سفح الجبل، وقعت الكارثة.
يقول لوهن لـ"CNN": "خطوة واحدة خاطئة، ثم بدأت أتدحرج. شعرت وكأنني كرة تتقاذفها الصخور، أرتطم هنا وهناك بلا توقف". وعندما انتهى السقوط العنيف، اكتشف أن عظمة فخذه اليسرى قد انكسرت وأن قدمه "كانت تتأرجح بلا سيطرة". كما تمزقت حقيبته وفقد هاتفه وزجاجة مياهه ومعظم مقتنياته.
أيام العزلة والجوع
كان لوهن يدرك أن زوجته، التي اعتاد إبلاغها بتفاصيل تحركاته، لن تتوقع سماع أي خبر منه قبل الاثنين التالي. ومع محدودية حركته وغياب أي وسيلة اتصال، بدأ يعدّ نفسه للبقاء أياماً وحيداً.
مرت الساعات الأولى قاسية تحت شمس حارقة. لم يكن لديه سوى القليل من المكسرات، لكن جفاف حلقه منع أي طعام من المرور. وفي اليوم الثاني، اتخذ قراراً صعباً: شرب بوله ليحافظ على رطوبة جسده قدر المستطاع، محاولاً بذلك أيضاً ابتلاع القليل من الطعام.
بحث محموم وطقس معقد
في لندن، لاحظت زوجته، فيرونيكا سيلتشينكو، أنه لم يستقل رحلة عودته إلى بريطانيا. سارعت إلى إبلاغ السلطات النرويجية، التي بدأت عمليات البحث، لكن سوء الأحوال الجوية عرقل جهود فرق الإنقاذ لأيام.
يقول لوهن: "كانت ليالٍ باردة جداً، وكل لحظة كنت أشعر أنني قد لا أخرج من هنا". ومع صباح السادس من أغسطس/آب، بدأت السماء تنقشع قليلاً، وظهرت طائرة هليكوبتر تابعة للصليب الأحمر النرويجي. لوهن، الذي بدأ يعاني من الهلوسات بفعل الإنهاك والجفاف، رفع يده عالياً ولوّح بجنون، لكنه لم يُرصد في المحاولة الأولى.
استجمع قواه، ثبّت عصا خيمته وربط عليها منديله ليصنع راية مرتفعة. وبعد نحو 45 دقيقة، عادت الطائرة. هذه المرة لمح الطاقم إشاراته. يروي لوهن: "حين رأيت باب الطائرة يُفتح وأحدهم يلوّح لي، أدركت أن الكابوس انتهى".
عودة إلى الحياة
نُقل لوهن إلى المستشفى لتلقي العلاج، حيث التقى زوجته أخيراً بعد ستة أيام من العزلة في الجبال. يقول بابتسامة متعبة: "قلت لها إني أحبها، فأجابت: سأوبخك لاحقاً، لكنني أحبك الآن".
ويعترف لوهن أن التجربة غيّرت نظرته للحياة: "كنت وحيداً تماماً هناك. أكثر ما كان يؤلمني هو فكرة أنني قد أموت قبل أن أرى عائلتي مجدداً".
رحلة النجاة تلك، التي بدأت كمغامرة ممتعة في قلب الطبيعة، انتهت بدروس قاسية عن حدود القدرة البشرية، وقيمة الأمل، وعن خيط رفيع يفصل بين المغامرة والكارثة.