يعاني مجتمع الأعمال في الكويت منذ أشهر، فراغاً تشريعياً بيناً، بعد حكم المحكمة الدستورية في فبراير الماضي بعدم دستورية بنود مواد في قانون حماية المنافسة بأكملها، لا سيما البند 1 من المادة 34، والذي يتضمّن فرض عقوبات مالية على الشركات تصل إلى 10 في المئة من إيراداتها المجمعة، وهنا كان «بيت الداء» حيث «الغلو والإفراط» في العقوبة لدرجة فقدت معها العدالة والضوابط الدستورية.
هذا الفراغ بعدم وجود مادة قانونية جديدة ألقى بظلاله على الشركات، حيث زاد المخاوف أكثر، بسبب ما شهده السوق المحلي من قرارات عقابية غير متجانسة مع المخالفات المسجلة على بعض الشركات والجمعيات التعاونية، بسبب الحدود الفضفاضة التي رسختها المادة الملغاة في العقاب، والتي عكس إقرارها غرامات هادمة، لا تقويمية، متجاوزة بذلك الهدف الأوسع من «حماية المنافسة»، والتي اعتبرها حكم المحكمة الدستورية أنها «تمثل اعتداء غير مبرر على عناصر الذمة المالية الخاصة».
وأمام هذا الفراغ يستحق السؤال عن الحاجة لملئه بمعالجات قانونية جديدة توازن بين حق جهاز حماية المنافسة في التسلح رقابياً بمواد عقابية تحمي دوره في تطبيق القانون، ومن جهة أخرى تصون الحقوق الدستورية للشركات مستقبلاً من الإفراط في استخدام هذه المادة، وحمايتها من التعرض إلى الضرر العقابي الواسع الذي قد يكشف بعضها على الإفلاس ما يؤثر سلباً على الحركة الاقتصادية في البلاد.
واتساقاً مع هذا المبدأ، وبعد حكم «الدستورية» وما ترتب عليه من فراغ تشريعي واسع، يدفع قانونيون واقتصاديون، بأهمية قيام الجهات المعنية بصياغة تعديلات قانون حماية المنافسة تراعي آراء الكيانات الاقتصادية والتجارية وجمعيات النفع العام والاتحادات ذات العلاقة للوصول إلى صيغة جديدة تضمن تقويم سلوك الكيانات الاقتصادية في البلاد وتحميها من المخالفة الجائرة، وتسمح بمنع الاحتكار وحماية حقوق المستهلكين وتشجع على الاستثمار.
وما يزيد مخاطر هذا الفراغ التشريعي أيضاً أنه يهضم حقوق الشركات من ممارسة حقوقها بأريحية، فليس خافياً أن أبرز نقاط توغل المادة الملغاة في قانون حماية المنافسة أنها كانت تفرض غرامة مالية من الإيرادات بما يخالف قواعد القانون البسيطة في أن تتوازن العقوبة مع حجم المخالفة.
وأكد القانونيون أهمية مراجعة الثغرات وتصويبها في التعديلات المرتقبة بالقانون بنظرة أكثر شمولية، لا سيما ما يرتبط بتفسير النصوص، وانعكاسها على التطبيق في الواقع العملي، تحقيقاً لمقتضيات التوازن بين تشجيع الاستثمار، ومنع الاحتكار وذلك ترسيخاً لدعائم الاقتصاد الحر وإقامة بيئة استثمارية متوازنة تكفل حرية التنافس وعدالته.
وشددوا على أهمية العمل تسريع سد الفراغ التشريعي في القانون وفرض تعديلات تبدأ بتعديل البند الأول من المادة 34 من القانون، على أن تكون الجزاءات متناسبة مع جسامة المخالفة والأثر الذي ترتب عليها والفائدة التي جناها المخالف وفق ضوابط متعددة، خصوصاً عدم ربط المخالفة بالإيرادات بل بالأرباح وفق نسب تستهدف التقويم لا الهدم للكيانات بتأثيراتها المختلفة.
وقالوا إنه من المؤسف ألّا تكون هناك مادة قانونية في اللوائح والنظم الأساسية لجهاز حماية المنافسة تعالج هذه المعضلة، خصوصاً بعد أن ثبت الضرر المادي والمعنوي من تطبيق هذه المادة ما يستوجب تسريع إقرار مادة عقابية جديدة تمكن جهاز حماية المنافسة من وتأدية رسالته على الوجه الأكمل، دون أن يكون ذلك على حساب مستقبل الشركات.
محمد المرجاح: «حماية المنافسة» حقق الضرر في 13 جمعية تعاونية واتحادها
• غلو وإفراط امتداد الجزاءات إلى مجمل الإيرادات دون الوقوف على حدود المخالفة
• ربط المخالفة بنسبة عامة من الإيرادات أفقد القانون العدالة وهدد الحقوق الدستورية للملكية
قال المحامي محمد المرجاح إن شبهة عدم دستورية البنود من (2) حتى (6) من المادة 34 من قانون جهاز حماية المنافسة على غرار البند (1) لما شابها من غلو وإفراط يهدد حق الملكية الدستورية دون مراعاة جسامة الفعل والمخالفة المرتكبة وامتداد الجزاءات إلى مجمل الإيرادات دون الوقوف على حدود المخالفة المتعلقة بالنشاط المخالف.
وأضاف المرجاح الذي كان وكيلاً لبعض الجمعيات التعاونية المتضررة من قانون حماية المنافسة، أن قانون حماية المنافسة لا سيما البند الأول من المادة 34 حقق الضرر في 13 جمعية تعاونية واتحادها، مبيناً أنهم تقدموا في نوفمبر 2024 بطعن على عدم دستورية القانون.
ولفت إلى أن تجاوز حدود الجزاء إلى الإيرادات غير المخالفة يعتبر مخالفة دستورية، حيث اعتبرت المحكمة الدستورية أن صياغة المادة 34 في بندها الأول تنطوي على «غلو وإفراط» يهدد الحق الدستوري في الملكية الخاصة، إذ تفرض عقوبات تعسفية غير مرتبطة بجسامة المخالفة أو الكسب غير المشروع منها، بل تمتد إلى إيرادات لا صلة لها بالنشاط المخالف.
واستغرب المرجاح تعديل النص الأصلي للقانون الذي اقترح ربط الغرامة بقيمة المكاسب غير المشروعة، لكن التعديل النهائي استبدله بنسبة مئوية عامة من إجمالي الإيرادات، ما أفقده العدالة والضوابط الدستورية، مشيراً إلى أنه وبناءً على ذلك، يتحتم على المشرع تعديل المادة (34) لتصويب هذه العيوب، عبر ربط الغرامة بالإيرادات المرتبطة مباشرة بالمخالفة، أو العودة إلى صيغة المكاسب غير المشروعة، بما يحقق التوازن بين حماية المنافسة وصون الحقوق الدستورية.
وتابع: «نعتقد أنه كان يجب على المجلس التأديبي أن تكون قراراته الصادرة بمرتكب المخالفة معتمداً على جسامة المخالفة ومن الفائدة المحققة خلال فترة المخالفة ومقدار ما لحق بالسوق من ضرر يتعلق بالمنتجات والأنشطة محل المخالفة، دون امتداد مقدار الجزاء المالي على المخالف إلى جميع ما حققه من إيرادات إجمالية عن الأنشطة والمنتجات التي لا صلة له بها عن فترة زمنية لم تقم بها المخالفة».
عبدالله الملا: استمرار قانون المنافسة بصيغته الحالية هدر لحقوق الشركات والأنشطة التجارية
• بات ضرورياً الخروج بمجموعة تعديلات تشريعية بالتوافق مع القطاعات ذات الاختصاص
• يتعين العمل لترسيخ دعائم الاقتصاد وإقامة بيئة استثمارية متوازنة تكفل حرية التنافس والعدالة
قال رئيس اتحاد مجلس إدارة اتحاد الصيرفة عبدالله الملا إن استمرار قانون حماية المنافسة بصيغته الحالية يعتبر هدراً لحقوق الشركات والأنشطة التجارية التي تسعى إلى زيادة حجم الاستثمار والرفع من قيمة السوق الاقتصادي في البلاد.
وأضاف الملا أنه بعد حكم المحكمة الدستورية في فبراير الماضي بعدم دستورية البند 1 من المادة 34 في قانون حماية المنافسة، والذي يتضمّن فرض عقوبات مالية على الشركات، بات ضرورياً العمل على عجل للخروج بمجموعة تعديلات تشريعية بالتوافق مع القطاعات ذات الاختصاص سواء الحكومية أو في القطاع الخاص وجمعيات النفع العام وصولاً إلى صيغة توافقية توافر الحماية القانونية دون إلحاق الضرر بالكيانات التجارية.
وأشار الملا إلى أنه كان لاتحاد الصيرفة تجربة سلبية جداً في موضوع تطبيق المادة 34 من قانون حماية المنافسة، ورغم محاولة تقريب وجهات النظر مع المعنيين في الجهاز عن وجود خلل في تطبيق البنود فيجب تعديلها لتجنب إلحاق الضرر في الشركات، إلا أن الإجراءات التي تمت أضرت بشكل واسع في ممارسة الأنشطة وقيدت من حريتها في العمل التجاري.
وبين أهمية العمل لترسيخ دعائم الاقتصاد الحر، وإقامة بيئة استثمارية متوازنة تكفل حرية التنافس والعدالة من خلال إعادة تقييم المنظومة القانونية لقواعد الهيمنة والاستحواذ لا سيما في ظل التطبيق العملي لقانون حماية المنافسة وما كشف عنه من ثغرات تستدعي التصويب والتطوير تحقيق المقتضيات التوازن بين تشجيع الاستثمار ومنع الاحتكار، لافتاً إلى ضرورة أن تكون هناك مواجهة لعمليات الاحتكار ومنعها، وتوسيع حجم التوعية من ممارستها وتوضيح الإجراءات والعقوبات المرتبطة بها وفق القانون.
وأشار الملا إلى أن على المشرع في المرحلة المقبلة العمل بخطته في تقدير العقوبة بحيث تكون واضحة المعالم تتناسب منطقياً وواقعياً بالممارسة المخالفة وآثارها.
منصور السويلم: العقوبة مخالفة للعقل والمنطق وتلبس لبوس المصادرة الخاصة لأموال الأفراد
• المحكمة الدستورية وجهت المشرع إلى ضرورة التناسب في العقوبة والجزاء المالي
• فرض جزاء مالي بنسبة محددة على إيرادات المخالف مصادرة للأموال بغير وجه حق
قال المحامي منصور السويلم، إن ما جاء في حكم المحكمة الدستورية كان واضحاً في شأن العقوبة، التي اعتبرتها مخالفة للعقل والمنطق وتؤدي إلى أن تلبس العقوبة لبوس المصادرة الخاصة لأموال الأفراد والمحظورة دستورياً، علاوة على عدم منطقية العقوبة كونها تفرض غرامة كحد اقصى 10 في المئة من مجموع ما حققه الشخص المخالف في السنة المالية السابقة على المخالفة، وفرضها دون بيان مدى جسامة المخالفة وأثرها أو دون بيان مقدار الفائدة أو الأرباح التي حققها المخالف للمحظورات الواردة بالقانون.
وعن الواجب تنفيذه في التعديلات على القانون لسد الفراغ التشريعي، ذكر السويلم أن المحكمة الدستورية وجهت المشرع إلى ضرورة أن تكون العقوبة، إما جزاء ماليا بين حدين أقصى وأدنى وإما نسبة تحدد على ضوء الإيرادات التي حققها المخالف أثناء فترة المخالفة، لافتاً إلى أن تطبيق هذا التوجيه يحقق مبدأ التناسب في العقوبة.
واعتبر السويلم أن فرض جزاء مالي بنسبة محددة على إجمالي إيرادات المخالف في السنة السابقة على ارتكاب المخالفة مصادرة للأموال بغير وجه حق و مساس بالملكية الخاصة، ومخالفة لمبدأ التناسب في العقوبة، ومخالفة للأهداف التي عناها المشرع في قانون حماية المنافسة لا سيما وأن هدفه منع الاحتكار وحماية المنافسة وليس مصادرة أموال الأفراد والمساس بالملكية الخاصة.
أريج حمادة: نحتاج عند تعديل القانون تحديد نقاط الفهم بحدود واضحة للكيانات التجارية
• استشراف آراء المختصين بالتعديلات يحقق التوازن بين حماية المنافسة وتدفق الاستثمارات
• قانون حماية المنافسة يتضمن نصوصاً فضفاضة تترك مساحة واسعة للرأي الشخصي
أكدت المحامية أريج حمادة كممثلة عن بعض المدارس الخاصة المتضررة من بنود في قانون حماية المنافسة والدليل الإرشادي الخاص بالزي المدرسي والقرطاسية والأدوات المدرسية، أن قانون حماية المنافسة في صيغته الحالية يتضمن نصوصا واسعة وفضفاضة، الأمر الذي يترك معه مساحة واسعة للقائمين على تنفيذه بأن يشخصوا ماهية المواصفات شديدة التمييز من عدمه وفقاً لفكرهم وفهمهم الخاص ما يؤدي إلى إخلال بالحقوق وتعريض الشركات أو المؤسسات التي تقع ضمن مظلة القانون لمزاجية وتحكيم الرأي الشخصي للقائمين على تنفيذ نصوصه.
وأضافت حمادة: «يجب على المشرع عند تعديل نصوص القانون أن يحدد نقاط فهمها وحدودها لتكون واضحة للكيانات التجارية، الأمر الذي يسهم في التحوط من الوقوع في المخالفات أو شباك الغرامات التي يمكن حسب مواد القانون الحالي إلى تعريض بعض الكيانات إلى الإفلاس والضرر الواسع ما يؤثر سلباً على الحركة الاقتصادية في البلاد».
وذكرت أن أي تعديلات على القانون من خلال استشراف آراء المختصين سيسهم في تحقيق التوازن بين حماية المنافسة وتشجيع تدفق الاستثمارات، وترسيخ اليقين عبر معايير واضحة وشفافة.