ميثاء الرميثي: أقرأ الملامح وأوثق مشاعر الناس

11 hours ago 12

#منوعات

كارمن العسيلي اليوم 13:15

يقول المصور العالمي الشهير أنسل آدامز: «ليست الكاميرا ما تصنع الصورة، بل الشخص خلف العدسة».. وفي عالم، باتت خلاله الكاميرا في يد الجميع؛ ميّزت ميثاء الرميثي نفسها بنظرة. وقد استخدمت الرميثي الكاميرا؛ كما يستخدم الشاعر كلماته، وحين بدأت تشعر بثِقَل المعدّات، لم تتخلَّ عن شغفها، بل حملته معها إلى الهاتف المحمول، وأعادت تعريف التصوير في عصر السرعة. فهي اليوم لا تلتقط الصور فحسب، بل تصنع هوية بصرية تتجاوز المشهد، وتلامس الإحساس.. في حديثنا معها، نقترب من هذه الروح، التي تمسك بالكاميرا، كما تمسك بالحلم، لنكتشف أسرار رؤيتها، وقصص بداياتها، وتحدياتها، ولحظات فخرها، ولنتعرف أكثر إلى مصوّرة إماراتية، تنسج الضوء بلمسة أنثى تعرف تماماً ما تريد أن تقول.. بالصورة:

البداية من صورة.. ووالد محب

بدأت الحكاية منذ أن كانت ميثاء في الصف السادس، وحينها لم تكن تعرف الكثير عن الكاميرا، لكنها كانت مأخوذة بسحرها، وبشغف ابنة عمتها، التي كانت تلتقط صوراً لكل من حولها. تقول: «شاهدت صورها؛ فسحرتني. بعدها، بدأت أستكشف التصوير بنفسي، فاكتشفت حبي له». لكن الدعم الأكبر جاءها من والدها، الفنان المسرحي عبدالله صالح الرميثي، الذي كان يأخذها إلى «قرية التراث» في الشارقة، ويشجعها على التقاط الصور من زوايا غير تقليدية. «كان يقول لي: لا تصوّري مثل غيرك.. ابحثي عن زاويتك الخاصة»، تتذكر ميثاء، وتضيف أن كلام والدها شكّل الأساس لنظرتها الفنية المختلفة.

التراث رؤية.. والبورتريه شغف

انطلقت ميثاء من بوابة التراث، فوثقت بيوت الطين، والتجاعيد، والحِرف، والضوء الذي يمرّ عبر أبواب خشبية قديمة، بعين طفلة تحمل حساً فنياً أكبر من عمرها. كان همّها أن يرى جيلها التراث، كما تراه هي: حياً، ونابضاً، وأنيقاً. وبمرور الوقت، توسعت اهتماماتها؛ لتدخل إلى عالم البورتريه، الذي وجدت فيه صوتها الخاص.

  •  أقرأ الملامح وأوثق مشاعر الناس ميثاء الرميثي: أقرأ الملامح وأوثق مشاعر الناس

الدراسة.. بين إنتاج بصري وإلهام عائلي

درست ميثاء (الإنتاج والإخراج)، ونمت موهبتها الفنية في بيئة عائلية داعمة. والدها، الذي كان يصطحبها إلى كواليس تصوير المسلسلات والمسرحيات، غرس فيها فهماً عميقاً لصناعة الصورة والإخراج كأداة للسرد. هذه الخلفية الفنية الثرية صقلت نظرتها الإبداعية، التي تحولت لاحقًا إلى مشروع بصري متكامل، تُجسد من خلاله بعينيها ما يتجاوز الرؤية المادية.

من المعارض.. إلى «السوشيال ميديا»

بدأت ميثاء مسيرتها الفنية مبكراً، حيث باعت لوحتين في سن الخامسة عشرة. ومن خلال تطوعها في تصوير الفعاليات، بنت لنفسها سمعة قوية وعلاقات واسعة في الوسطين الإعلامي والفني. في عام 2013، احترفت التصوير وأنشأت حسابها الخاص على وسائل التواصل الاجتماعي، الذي فاجأها بتفاعله الكبير. تصف ميثاء هذه المنصات بأنها كانت نافذتها إلى العالم وبيتها، حيث عرضت أعمالها، وعبرت عن ذاتها، وتواصلت مع جمهورها بأسلوبها الخاص. كما قدمت ورش عمل للشباب حول أهمية النظرة الفريدة في التصوير.

من الكاميرا إلى الهاتف

عام 2019، خلال سفرها مع العائلة، أدركت ميثاء أن حمل حقيبة مليئة بالمعدات الثقيلة لم يعد عملياً؛ فقررت إعادة النظر في أدواتها، وأن تجرب التصوير بهاتفها. هذا القرار كان نقطة تحوّل مهنية، إذ وجدت في الهاتف تحدياً جديداً لرؤيتها، واكتشفت أن سرّ الصورة لا يكمن في الأداة، بل في العين التي تلتقطها.. توضح: «كنت في سفر، وحملت معداتي الثقيلة.. وبعد مشقة يوم كامل شعرت بآلام في ظهري، فقلت لنفسي: لقد حان الوقت لأجرب التصوير بالهاتف.. وأدركت أن التحدي الحقيقي ليس في الجهاز، بل في الرؤية. كما اكتشفت أن الهاتف - رغم محدوديته - يمكنه أن يحكي الكثير؛ إن كانت العين مستعدة». واليوم، تلتقط ميثاء معظم صورها بهاتفها المحمول، وتنشرها في حسابها، دون أن تفقد لمستها الخاصة؛ فالنظرة لا تزال هي البوصلة، التي تمنح الصورة فرادتها، وتوقيعها الصامت. وبين كل تلك اللحظات التي تسرقها من الزمن، يسطع عشقها للغروب، ذلك الضوء الأخير الذي تغلّفه بعينها، وتوثّقه كأنها تحفظه من الزوال.

الذكاء الاصطناعي.. ليس بديلاً عن الإنسان

واكبت ميثاء تحولات العصر، فاستخدمت الذكاء الاصطناعي كمكمّل لا كبديل؛ فصممت صوراً خيالية، كلوحة «هطول الثلج في دبي»، واعتمدت على التفاصيل التي تقود الأداة، لا العكس. فهي تدرك أن الذكاء الاصطناعي لا يلغي دور المصوّر، أو إحساسه الفني، بل يمنحه أدوات إضافية؛ لتجسيد أفكاره، وفتح آفاق جديدة أمامه، فتقول: «الذكاء الاصطناعي لا يلغينا، فهو كالفرشاة في يد الرسام، لكن إن لم تعرف كيف تقود الصورة، ستكون مجرد وهم.. البصمة الإنسانية تبقى الأساس».

الصورة التي لا تُعلق على الجدار 

لا تكتفي ميثاء بالتقاط الصور، بل تشارك معرفتها. وتقدم ورش عمل، وترد على من يطلب رأيها من زملاء ومتابعين؛ فهي لا تبخل بالمعلومة، بل ترى في مشاركة المعرفة رسالة إنسانية. وتفرح حين يقلّدها الآخرون، لا لأنها تُقلَّد، بل لأنها تُلهم.. تبين: «حين أرى أحداً يتبع أسلوبي، أبتسم؛ فهذا يعني أن لعدستي أثراً، وأنا لا أبخل؛ فأحب أن أساعد.. وأمنح.. وأشارك».

دعم العائلة

مِنْ أبرز ما يسعد ميثاء، ويمنحها القوة، دعم العائلة الدائم لها، وتحديدًا والدها، الذي لم يتوانَ لحظة في تشجيعها. أما من لا يجدون مثل هذا الدعم، فتقول لهم: «شجعوا أنتم أنفسكم، ولا تنتظروا التصفيق، وأطلقوا العنان لشغفكم.. فالله منح كل إنسان موهبة، وما عليكم إلا أن تكتشفوها».

اذهب للمصدر