بعد أحكام المحكمة الدستورية الصادرة في النصف الأول من العام الحالي بعدم دستورية عدد من مواد قانون حماية المنافسة، اتسعت الفجوة القانونية في العقوبات الواردة فيه وكيفية تطبيقها بحق المخالفين، حتى تحوّل اتساع الفجوة ليكون معطلاً لدور الكثير من الشركات العاملة بالقطاع الخاص في التنمية.
وفي حكمها الأخير الصادر في 25 يونيو 2025، بعد طعن إحدى الشركات الطبية بعدم قانونية البند 5 من المادة 34 والذي يعاقب بنسبة لا تتجاوز 1 في المئة من إجمالي الإيرادات التي حققها الشخص المخالف خلال السنة المالية السابقة نظير امتناعه عن تنفيذ أي تكليف صدر له من الجهاز وذلك بعد مرور شهر من إخطاره رسمياً، أكدت المحكمة الدستورية أن «هذه الإيرادات لا علاقة لها بالفعل المرتكب ولا صلة لها به، وعن فترة زمنية سابقة لم يصدر منه خلالها أي إخلال».
ومع حكم المحكمة الدستورية، باتت المادة 34 وبنودها المختلفة، محل انتقاد واسع في الوسط التجاري وقطاع الشركات، في حين يواصل جهاز حماية المنافسة ضبطياته القضائية مستنداً على العقوبات الواردة في بنود المادة المذكورة، على الرغم من صدور الحكم.
وصدر الحكم لصالح مؤسسة محمد ناصر الساير وأولاده، في فبراير 2025 في شأن عدم دستورية المادة 34 من قانون حماية المنافسة، بعد الطعن الذي قدمه وكيلها المحامي الدكتور محمد منور المطيري، مستنداً على عدم دستورية الجزاء المالي المقرر في النص المطعون فيه، والذي يجيز توقيع غرامة تصل إلى 10 في المئة من الإيرادات السنوية للمنشأة المخالفة، وحصلت الدعوى على تأييد بعدم دستورية المادة 34.
وجاء تأييد الطعن المقدم من المطيري نظراً لأن العقوبة «كانت تحكمية غير محددة بشكل واضح، إذ إن فرض جزاء مالي على الشخص المخالف بنسبة لا تجاوز 10 في المئة من إجمالي الإيرادات التي حققها خلال السنة المالية السابقة على المخالفة، يمثل جزاءً مالياً تحكمياً وعقوبة تعسفية غير مبررة لا ترابط بينها وبين المخالفة، ولا تتناسب مع الآثار الناجمة عنها، ولا تتصل بالمنفعة التي عادت عليه منها».
كما حصلت «الجمعيات التعاونية» على حكم مماثل بعد الطعن الذي قدمته بعدم دستورية أحكام المادة 34 من قانون حماية المنافسة بعد مرافعة تقدم بها المحامي نادر العوضي.
نادر العوضي: المادة 34 خرجت عن المألوف في تطبيقها
- العقوبة باتت تشكل تعدياً على الملكية الخاصة
دعا المحامي نادر العوضي في تصريح لـ «الراي»، بصفته وكيلاً لاتحاد الجمعيات التعاونية، إلى ضرورة تعديل القانون، لاسيما المادة 34 التي وصلت إلى مرحلة المُصادرة الممنوعة في النصوص الدستورية.
وذكر العوضي أن العقوبة خرجت من حماية المنافسة وباتت تشكل تعدياً على الملكية الخاصة، مضيفاً أن المادة 34 خرجت عن المألوف في تطبيقها، وكأنها نزع للملكية دون مسبب لا سيما أن عقوبتها تصل إلى 10 في المئة من إجمالي دخل المُخالف عن السنة المالية السابقة للمخالفة، وبالتالي هو خرق مفضوح يصل للمصادرة غير الشرعية لممتلكات الأفراد أو الشركات.
وأشار إلى أن المحكمة الدستورية رسّخت مبدأ مشروعية التجريم بالقانون الجزائي، مبيناً أن الطعن انصب على الفقرة الأولى من المادة 34 نظراً لوجود تغوّل في نص التجريم الجزائي، ولا تتناسب مع المخالفة التي ارتكبت من قبل المخالف وملاحظة الإفراط في استخدامها بشكل لا يتناسب مع الفعل المؤدي للمخالفة وتعدياً على الشرعية الدستورية.
إبراهيم الحمود: العقوبات خالفت مبادئ العقوبات
ومبادئ حساب الأرباح
أكد أستاذ القانون في جامعة الكويت الدكتور إبراهيم الحمود أن حكم المحكمة الدستورية كان واضحاً وصريحاً بعدم دستورية المادة 34 من قانون حماية المنافسة، لا سيما وأن تطبيق العقوبات المالية بالخصم من أرباح عام سابق من المخالفة، يُخالف مبادئ العقوبات ومبادئ حساب الأرباح وكيفية انتظامها وعلاقة المخالفة.
وأضاف الحمود: ان مسألة العقوبات يتعيّن علاجها بصورة سريعة للنظر في الواقع والتطبيق، وردع المخالفات بشكل متناسب.
ولفت إلى ضرورة تدارك الخطأ في العقوبات الواردة بقانون حماية المنافسة، بأن تكون العقوبة عن السنة المالية التي وقعت بها المخالفة وليس كما كان معمولاً به، وهو حسابها عن السنة السابقة، علاوة على أن يكون حجم المخالفة بحجم الفعل المؤثم.
وقال الحمود: يلاحظ أن بعض القوانين توضع دون مراجعة أهل الاختصاص، ونحن في كلية الحقوق لدينا إمكانيات وكفاءات تراجع القانون بشكل واضح دون وجود مثالب يمكن الطعن عليها لدى المحكمة الدستورية.
عمر السيد عمر: استمرار الجولات الرقابية
ربما يترتب عليه التعسف في استخدام السلطة
قال وكيل وزارة الصحة الأسبق لشؤون الأدوية والتجهيزات الطبية الدكتور عمر السيد عمر إن استمرار جهاز حماية المنافسة في جولاته الرقابية، ربما يترتب عليه التعسف في استخدام السلطة على بعض الشركات، في ظل عدم وجود عقوبات يستند عليها في الضبطيات القضائية التي يقوم بها لأغراض الدراسة في الوقت الحالي.
وحذر عمر من أن تساهم خطوات «حماية المنافسة» الحالية بإلحاق الضرر بالكيانات الاقتصادية المختلفة، لا سيما أن القانون الجديد للجهاز لم يعلن عنه بعد، ومازالت المواد القائمة حالياً بحاجة لمعالجات قانونية في ما يتعلق بحقه في التسلح رقابياً بمواد عقابية تحمي دوره في تطبيق القانون.
وذكر أن الاستمرار في ملاحقة الشركات الكبرى، صاحبة الوكالات والعلامات التجارية العالمية وفق قانون حماية المنافسة المخالف دستورياً بشكله الحالي، يساهم في القضاء على نشاطات وكيانات اقتصادية كبرى ويلحق الضرر بها ويؤثر سلباً على سمعة الاقتصاد المحلي.
ودعا لإيجاد معالجة قانونية عاجلة لقانون حماية المنافسة لتحقيق التوازن بين حق جهاز حماية المنافسة في التسلح رقابياً بمواد عقابية تحمي دوره في تطبيق القانون، ومن جهة أخرى تصون الحقوق الدستورية للشركات مستقبلاً من الإفراط في استخدام هذه المادة.
عادل التركيت: بقاء القانون دون تعديلات
يزيد من الغلوّ في التعامل مع الكيانات التجارية
في يونيو الماضي، حصلت إحدى الشركات الطبية على حكم بعدم دستورية البند الخامس من المادة 34 من قانون حماية المنافسة، بعد مرافعة تقدم بها وكيل الشركة المحامي عمر العمر، حيث كان حكم المحكمة الدستورية واضحاً بإلغاء الفرض الجزائي المذكور في المادة بنسبة لا تجاوز 1 في المئة من إجمالي الإيرادات التي حققها الشخص المخالف خلال السنة المالية السابقة، نظير امتناعه عن تنفيذ أي تكليف صدر له من الجهاز وذلك بعد مرور شهر من إخطاره رسمياً.
وصدر حكم الدستورية الأخير بعد مرافعة العمر بهدف حماية حرية المنافسة في السوق الكويتية، وتقويم السلوكيات والممارسات الضارة بالمنافسة الحرة التي تضر بالاقتصاد الوطني، ومنع الممارسات الاحتكارية بكافة أشكالها.
واستندت مرافعة العمر إلى أن الإيرادات التي سُجل الجزاء عليها من قبل «حماية المنافسة» لا علاقة لها بالفعل المرتكب ولا صلة لها به، وعن فترة زمنية سابقة لم يصدر منه خلالها أي إخلال، وبالتالي كان حكم المحكمة الأخير ناصراً للدعوى المقدمة ووضع حدوداً للتعسف في استخدام البنود القانونية غير الواقعية، ودعا لأن يكون تحديد الجزاء المالي الذي يوقع في حال المخالفة متناسباً مع الفعل المرتكب.
الجدير بالذكر أن قانون حماية المنافسة أجاز لمجلس التأديب فرض جزاءات مالية في حالة الامتناع عن تنفيذ التكليفات الصادرة من الجهاز، فيما جعل المشرّع الجزاء الذي يوقع في هذه الحالة يقدر بنسبة لا تجاوز 1 في المئة، من إجمالي الإيرادات التي حققها الشخص المعني خلال السنة المالية السابقة.
واعتبرت أحكام «الدستورية» أن تقدير الجزاء عن سنوات سابقة لا علاقة له بالمخالفة، ويعتبر تعسفاً وتجاوزاً للضرورة التي توجبها، ومنفصلاً عن الأغراض التي يسعى إلى تحقيقها، وبما يؤول معه توقيع ذلك الجزاء لأن يكون مصادرة غير مشروعة لأموال لا علاقة لها بالفعل المرتكب الذي يوقع من أجله، بالمخالفة للمواد 16 و18 و19 من الدستور، وهو ما يتعين معه القضاء بعدم دستورية النص المطعون فيه سالف البيان.
من جانبه، قال مالك شركة إسحق للتجهيزات الطبية الدكتور عادل التركيت لـ«الراي» إن بقاء القانون دون تعديل على العقوبات بعد إبطال المحكمة الدستورية لها وتأكيد عدم قانونيتها، يزيد من الغلو في التعامل مع بعض الملاحظات التي ترد للشركات أو المتعاملين مع الجهاز.
وأشار التركيت إلى أن الأحكام الصادرة عن المحكمة الدستورية لصالح عدد من الشركات، وآخرها لصالح إحدى الشركات الطبية، يشكل محطة بارزة في مسار الرقابة الدستورية في الكويت، لافتاً إلى أن حالة من الفراغ التشريعي قد تولدت بعد الأحكام ما يستوجب سرعة التدخل لمعالجة آثارها، لا سيما أن الجزاء انتفى وبات قانون مكافحة المنافسة بلا عقوبات.
واستغرب التركيت من تطبيق قانون «حماية المنافسة» بالشكل الحالي الذي يعتبر صورة عن قانون مطبق في الولايات المتحدة، مبيناً أن تطبيق مواد القانون بالشكل الحالي لا ينطبق على الكويت بل هو خاص بالدول التي لديها ضرائب ومثال ذلك تطبيقه في المملكة العربية السعودية بشكل ناجح.
وأضاف: أما في الكويت، فإن مفهوم التركز والاحتكار واسع ولا يمكن وصفه بالقانون بشكل مفهوم على الكيانات التجارية، لا سيما وأن كثيراً منها يتمتع وفق القانون التجاري في البلاد بالحصول على وكالات تجارية لمنتجات عالمية، ما يؤكد أن هذا الأمر ليس احتكاراً للسلع أو أنه نشاط مخالف بل وكالة لعلامة تجارية ومتابعة نشاط بيعها محلياً.
طارق دياب: ضرورة التوازن بين حماية السوق
وعدم الإفراط في توقيع الجزاءات المالية
قال المستشار القانوني في مكتب ميسان للمحاماة والاستشارات القانونية طارق دياب إن فرض عقوبات على الأشخاص الخاضعين لقانون حماية المنافسة يتطلب عدم مخالفة الدستور بأي صورة من الصور، وقد ثار جدل منذ صدور القانون حول عدم دستورية العقوبات الواردة في قانون حماية المنافسة.
وأشار دياب في تصريح لـ«الراي» إلى أن عدم دستورية العقوبات المالية في قوانين حماية المنافسة نقطة محورية في الجدل القانوني الدائر بين ضرورة تحقيق الردع الفعّال للممارسات الاحتكارية وبين ضمان عدم المساس بالمبادئ الدستورية الأساسية، لاسيما في ما يخص التناسب بين الجريمة والعقوبة وصيانة الحريات الاقتصادية والشخصية.
وذكر أن الركيزة الأساسية لهذا النقاش تكمن في مدى التوازن الذي يحققه المشرّع بين حماية السوق وضمان عدم إفراط السلطة في توقيع الجزاءات المالية، لتظل أداة لتحقيق العدالة وليس وسيلة للعقاب الجائر.
وتابع: حين تغيب المعايير الدقيقة أو تتسع سلطة التقدير دون ضوابط واضحة، تظهر الإشكالات الدستورية وتبرز الحاجة إلى مراجعة النصوص التنظيمية بشكل يعكس روح العدالة الدستورية ويصون حقوق الأفراد والجهات الاعتبارية.