يمرّ يوم القدس العالمي في ظل تحوّلات إقليميّة كبيرة، وتتّجه الأنظار إلى فعاليّات إحيائه في عدد من الدول التي هي أصلا ساحة معركة، أو تلك التي تعيش مواجهة وتوتراتٍ مرتبطة على نحو وثيق بالوضع الفلسطينيّ.
في ظل التصعيد غير المسبوق الذي تشهده غزة خاصة والشرق الأوسط عموما، يكتسب "يوم القدس العالمي" هذا العام أهمية استثنائية، ليشكل اختبارا حقيقيا التي طالما نادت بإحياء هذه المناسبة قبل غيرها.
مناسبة أسس لها الخميني عام 1979
وتستعد دول وجهات عديدة لإحياء هذا اليوم من خلال التظاهرات الشعبية والخطابات، في مناسبة سنوية بارزة تشهد مواقف عربية وإسلامية حول التطورات المرتبطة بالقضية الفلسطينية.
ويصادف يوم القدس العالمي آخر يوم جمعة من كلّ شهر رمضان، وقد تحولّ إلى مناسبة سنويّة بعد اقتراح قائد الثورة في إيران آية الله الخميني في عام 1979 أن يخصص هذا اليوم لأجل المدينة المقدسة. ومنذ ذلك الحين تشهد إيران ودول عربية وإسلامية وحتى غربية، فعاليات سياسية وشعبية تجّدد رفضها للسيطرة الإسرائيلية على القدس.
وفيما شكّل هذا اليوم مناسبة لطهران وحلفائها الإقليميين لتأكيد موقفهم من القضية واستعراض حجم التأييد الشعبي لخياراتهم السياسية، تطلُّ المناسبة هذا العام في ظلّ أوضاع سياسيّة وأمنيّة صعبة، ترزح تحتها معظم البلدان والجهات التي تحتفي بها.
يوم القدس في الأراضي الفلسطينية
وتشكّلُ عودة العمليات العسكريّة الإسرائيليّة في قطاع غزة، والوضع الإنسانيّ الذي يعاني منه سكان القطاع، أبرز ملامح يوم القدس هذا العام. وتمرُّ هذه المناسبة للمرّة الثانية خلال الحرب المستمرة منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023.
وعادة ما تشهد مدن الضفة الغربيّة مسيرات إحياء ليوم القدس، وتتحوّل إلى اشتباكات مع الجنود الإسرائيليين. ويرفع الفلسطينيون شعاراتهم المندّدة بالاحتلال والاستيطان.
وشدّدت السلطات الإسرائيلية إجراءاتها في الضفة الغربية منذ بداية شهر رمضان، ولا سيّما في ما يخص وصول المصلّين إلى المسجد الأقصى لأداء صلاة الجمعة.
وتسمح حكومة بنيامين نتنياهو بوصول أعداد محدودة من المصلين إلى المسجد ويسمح الاحتلال فقط للرجال ممن يتجاوز سنّهم 55 عاما، وللنساء ممن يتجاوز سنّهن 50 عامًا، والأطفال دون الـ12 عامًا، بدخول المسجد الأقصى بعد الحصول على إذن أمنيّ إسرائيلي مسبق، وبعد المرور على حواجز أمنية عند معابر تحددها قوات الأمن الإسرائيلية داخل القدس.
في إيران، أعلن مرشد الجمهورية علي خامنئي، أن "مسيرات يوم القدس العالمي لهذا العام ستكون ان شاء الله من بين أكثر المسيرات عظمةً وكرامةً في تاريخ هذه المناسبة العظيم،" وفق تعبيره.
وفي كلمة متلفزة مساء الخميس، نبّه من أنّ "بعض السياسات والحكومات المعارضة تقوم بالدعاية ضد الشعب الإيراني وتتظاهر بوجود خلاف وضعف في صفوفه".
الجيش الإيراني أعلن أن "الحلّ الوحيد للقضية الفلسطينية، وتغيير الوضع الراهن، يتطلبان استمرار المقاومة والتضامن العالمي لمكافحة الكيان الصهيوني".
حزب الله يحيي يوم القدس العالمي دون نصر الله
أمّا في لبنان، الذي يعدُّ من أبرز الدول التي تشهد احتفالًا بيوم القدس، فالصورة هذا العام ستكون مختلفة عن كل الأعوام السابقة. فحزب الله الذي دأب على إحياء هذه المناسبة بزخم كبير، يمرّ بظروف تكاد تكون الأصعب في تاريخه بعد الضربات القاسية التي تلقاها خلال الحرب الأخيرة مع إسرائيل.
ولن يشهد هذا العام كلمة للأمين العام السابق للحزب حسن نصر الله كما جرت العادة، بعد مقتله في 27 أيلول/سبتمبر الماضي في غارات إسرائيلية واسعة استهدفت مقرا للحزب بضاحية بيروت الجنوبية، وهو ما شكّل انتكاسة كبيرة لدى أنصاره في لبنان والمنطقة.
الحوثيون ويوم القدس
وبينما تتجّه الأنظار لمراقبة الحشود التي ستحيي يوم القدس في العراق، بما يرسله ذلك من إشارات سياسية ترتبط بالوضع الشعبي للفصائل التي شاركت في الحرب الأخيرة مع إسرائيل، تحيي حركة أنصار الله اليمنية (الحوثيون) يوم القدس، في ظلّ معركة قاسية مع القوات الأميركية في المنطقة، واستهدافات متواصلة لصنعاء وعدد من المحافظات منذ أسابيع. وفي المقابل، شهد القصف الصاروخي من اليمن باتجاه إسرائيل ارتفاعا ملحوظا، منذ منع الدولة العبرية المساعدات عن غزة، واستئناف عملياتها العسكرية في القطاع.
يوم القدس في سوريا ما بعد الأسد
سوريا التي كانت تشهد إحياء مراسم يوم القدس في دمشق، ولا سيما في مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين، لن تشهد هذا العام هذه المناسبة، وخصوصا بعد سقوط نظام بشار الأسد الذي كان يعدّ من أبرز حلفاء إيران في المنطقة. كذلك تراجع حضور الفصائل الفلسطينيّة بمختلف اطيافها في سوريا بعد تولّي الإدارة السوريّة الجديدة الحكم.
يوم القدس عبر العالم
وبعيدا عن الشرق الأوسط، من المتوقّع كما يجري سنويًّا، أن تشهد عدة عواصم أخرى تظاهرات بهذه المناسبة واحتجاجا على الحرب الدائرة في قطاع غزة، وسط دعوات لإعطاء الفلسطينيين حقوقهم.
هو مشهد يتكرّر سنويًا، لكنه يحمل هذا العام بصمة الحرب المستعرة، وتداعياتها الكبيرة التي ما زالت تتبلور في الشرق الأوسط والعالم. ففيما تسعى الدولة العبرية بشكل معلن إلى ترسيخ القدس "عاصمة أبديّةً"، وباستثناء دعمٍ الولايات المتحدّة وعدد قليل من الحكومات، لا تزال أغلبية الدول الأعضاء في الأمم ترفض السيادة الإسرائيلية على المدينة المقدسة لدى الديانات الثلاث. إذ لطالما كانت القدس هي الصخرة التي تكسرت عليها كل جهود السلام بين إسرائيل والفلسطينيين لما في هذه المسألة من حساسية. وهي أيضا خط أحمر حتى للدول العربية التي تربطها علاقات واتفاقات مع إسرائيل مثل الأردن، صاحب الوصاية الهاشمية على الأماكن المقدسة في المدينة والتي يعود تاريخها إلى عام 1924 أي قبل قيام دولة إسرائيل بنحو ربع قرن.