سوزان كالان: أصمم المجوهرات كما يرسم الفنان لوحاته.. بالعاطفة والألوان

9 hours ago 4

#مجوهرات وساعات

كارمن العسيلي اليوم

منذ أكثر من 35 عاماً، اتخذت سوزان كالان قراراً مصيرياً، شكل إعلاناً عن ولادة صوت أنثوي حر وجريء في عالم تصميم المجوهرات، يسعى لتحدي القواعد وكسر التماثل وإعادة تعريف مفاهيم الفخامة والجمال. انطلقت من لوس أنجلوس بشغف عارم، وإرث عائلي متجذّر في الحرفة، لتصنع اسماً بات اليوم مرادفاً للأناقة غير التقليدية. لم تكن رحلة سهلة، لكنها كانت صادقة. سوزان، الأميركية ذات الأصول الأرمنية، استطاعت أن تحول الإلهام الشخصي والعاطفي إلى توقيع عالمي، فتميّزت علامتها بقطع تُروى من خلالها حكايات من الضوء والحركة، بألماس الباغيت الموزّع بجرأة، والألوان النابضة بالحياة، والتفاصيل التي تلامس الروح قبل العين.

في هذا اللقاء، تكشف كالان عن محطات مفصلية في مسيرتها: من لحظات الشك التي تحوّلت إلى دافع، إلى علاقتها العميقة بابنتها «باتيل»، التي أصبحت شريكة في الحلم. نتعرّف إلى الفلسفة التي تقف وراء تصميم كل قطعة، إلى جانب رؤيتها للسوق العالمي، وسوق الشرق الأوسط تحديداً، حيث بدأت شراكة جديدة مع «أحمد صديقي وأولاده»، أحد أبرز الأسماء في عالم الساعات والمجوهرات الفاخرة في المنطقة، لتتوسع علامتها وتصل إلى جمهور جديد يتوق للتعبير عن ذاته من خلال الفن والتميز.

  • سوزان كالان سوزان كالان

- كيف بدأت رحلتك في تصميم المجوهرات؟

بدأت رحلتي كمحاولة للبحث عن وسيلة للتعبير عن ذاتي من خلال الفن والتصميم. كنت قد أصبحت أماً للتو، وأردت شيئاً يسمح لي بالتعبير عن نفسي بشكل إبداعي مع البقاء قريبة من جذوري في مجال المجوهرات، إذ كان والدي صائغاً، وهذا يعني أنني نشأت وسط الأحجار الكريمة والذهب. ومع مرور الوقت، تحول الأمر من مهنة إلى شغف عميق. أردت أن أصنع قطعاً جريئة وعصرية وخالدة، وأصمم شيئاً لم يتم تصميمه من قبل.

- التعاون مع «أحمد صديقي وأولاده» خطوة محورية في التوسع بالشرق الأوسط.. كيف نشأت هذه الشراكة، وما الذي يثير حماسك فيها؟

لطالما اعتبرنا «أحمد صديقي وأولاده» مرجعاً راقياً في عالم الساعات والمجوهرات الفاخرة بالشرق الأوسط، وكنا دائماً معجبين بأبناء هذه العائلة، وبنزاهتهم، وذوقهم الرفيع، وقدرتهم على الحفاظ على إرث عريق مع تقديم شيء معاصر. عندما سنحت الفرصة للتعاون، كان الأمر بديهياً للغاية، شعرت كأننا نتحدث اللغة ذاتها، لغة التفاصيل، والتميز، والشغف بالحرفية. أكثر ما يثير حماسي في هذا التعاون هو القدرة على الوصول إلى جيل جديد من النساء في المنطقة، نساء يبحثن عن قطع تعكس هويتهن، وتعبر عن تفردهن، وفي الوقت نفسه تكون أنيقة وراقية.

- لو طلب منك تلخيص جوهر علامة «Suzanne Kalan»، في ثلاث كلمات، فما هي، ولماذا؟

ثلاث كلمات فقط؟.. هذا صعب، لكنني سأقول: «جريئة، وخالدة، وغير تقليدية». جريئة، لأننا لا نخشى أبداً المخاطرة بالتصميم، أو تقديم شيء غير متوقع، عبر التوزيع غير المتماثل للأحجار. خالدة، لأن الجمال الحقيقي لا يرتبط بموضة عابرة. فأريد لقطعنا أن تورث، وأن تظل ذات معنى بعد سنوات، وأن ترافق المناسبات الكبرى، وتحب في اللحظات اليومية. وغير تقليدية، لأنني لا أومن بأن الجمال يجب أن يلتزم بالمعايير التقليدية. هناك سحر خاص في التفاصيل غير المتوقعة، في التمرد المدروس، وإيجاد التوازن داخل الفوضى.

  •  أصمم المجوهرات كما يرسم الفنان لوحاته.. بالعاطفة والألوان سوار وخاتم من مجموعة Fireworks

- حازت مجموعة «Fireworks» إشادة واسعة بفضل تصميمها غير التقليدي.. ما الذي ألهمك توزيعاً غير متماثل لألماس الباغيت، إلى جانب مزجك الجريء للأحجار الكريمة الملونة؟

لطالما فتنتني فكرة الجمال غير المثالي. أنا أومن بأن النقص، حينما يُقدَّم بإبداع، يحمل روحاً خاصة، ويمنح القطعة حياة. مجموعة «Fireworks» وُلدت من هذا المفهوم، أن تأخذ شيئاً صارماً وتقليدياً، مثل ألماس الباغيت، وتعيد تشكيله بطريقة تنبض بالحيوية والعفوية. عدم التماثل لم يكن عشوائياً؛ بل كان مقصوداً لمنح إحساسٍ بالحركة والانطلاق. أما بالنسبة للألوان، فاختيارها كان عاطفياً بحتاً. أتعامل مع الأحجار كما يتعامل الرسام مع الألوان، فكل لون يحمل طاقة، وكل تركيبة تروي قصة مختلفة.

- ذكرتِ، أكثر من مرة، أن التصميم بالنسبة لك تجربة عاطفية.. كيف تلعب المشاعر والتجارب الشخصية دوراً في تشكيل مجموعاتك؟

التصميم، بالنسبة لي، ترجمة مشاعري إلى مجوهرات. فكل مجموعة أصممها ترتبط بلحظة شخصية، أو شعور عشته بعمق. على سبيل المثال، إحدى المجموعات استلهمتها من سكون الصباح المبكر، حين يكون العالم لا يزال نائماً، وأخرى من مراقبتي لابنتي وهي تكبر، وتتحول إلى قوة إبداعية مدهشة. تلك المشاعر، تأملاً أو فرحاً أو حتى حنيناً، تدخل في قلب كل قطعة. أعتقد أن هذا الاتصال الصادق يجعل الناس يشعرون بأن المجوهرات تحاكي أرواحهم.

- تجمعين بين الحرفية التقليدية والتصاميم الجريئة والمعاصرة.. كيف تحافظين على هذا التوازن؟

أومن بضرورة احترام الجذور دون الانغلاق داخلها. نحن نستخدم أعلى معايير الحرفية الكلاسيكية، وجميع قطعنا تُصنع يدوياً بورشتنا في لوس أنجلوس. لكن، في الوقت ذاته، لا نخشى التجريب ودفع الحدود. وسواء كان ذلك في التوزيع العفوي لأحجار الباغيت، أو في المزج غير المتوقع بين الألوان، فإن الهدف دائماً هو ابتكار شيء عصري، وخالد. أريد أن تبدو مجوهراتي كأنها تنتمي لهذا الزمن، دون أن تصبح موضة عابرة.

  •  أصمم المجوهرات كما يرسم الفنان لوحاته.. بالعاطفة والألوان قلادة وخاتم

- كيف تنطلقين من الفكرة إلى تنفيذ القطعة النهائية في تصاميم «Suzanne Kalan»، وهل يمكنك شرح العملية الإبداعية؟

كل شيء يبدأ بشرارة.. من فكرة عابرة، أو حجر لفت انتباهي، أو حتى شعور غامض أريد التعبير عنه. بعد ذلك، أبدأ التخطيط والرسم، ثم أنتقل إلى توزيع الأحجار، وهذه المرحلة هي حيث يحدث السحر فعلاً. أقضي ساعات في تحريك أحجار الباغيت حتى أجد التوازن المثالي، الذي يبدو حياً وطبيعياً في آنٍ. وبعد إتمام التصميم، يبدأ فريقنا من الحرفيين المهرة في تنفيذ القطعة، وكل حجر يتم تثبيته يدوياً بعناية فائقة. وتنفذ كل خطوة في هذه العملية بروح من الالتزام والإتقان؛ لضمان أن تعكس القطعة رؤيتي بالكامل.

- وسط التوسع العالمي والنجاح المتزايد.. كيف تحافظين على شعلة الإلهام متقدة، وعلى رؤيتك الإبداعية الأصلية؟

الأمر كله يعود إلى الجذور. فأنا أتمسك دائماً بالعناصر الأساسية، التي شكلت هويتي كمصممة: (العاطفة، والحرفية، والتميز). إن عالم الموضة يتغير باستمرار، لكن عندما تصممين من مكان صادق، وبدافع داخلي، يصبح العمل حقيقياً ومؤثراً، مهما تبدلت الصيحات. الإلهام يأتي من البقاء متصلة بما يهمني فعلاً (السفر، والاستماع للعملاء، ومشاركة الإبداع اليومي مع ابنتي باتيل). هذه اللحظات تذكرني بالبداية، وتحفزني على المضي قدماً بنفس الشغف والصدق.

- هل هناك تجربة محددة كان لها تأثير دائم على أسلوبك وإبداعك؟

نعم، فقدان والدي كان لحظة مفصلية في حياتي؛ فقد زرع فيَّ الإيمان بأنني أستطيع النجاح، وأن التصميم ليس حلماً مستحيلاً. كان والدي نموذجاً للنزاهة والانضباط، ولا تزال أخلاقيات عمله تلهمني حتى اليوم. وعندما أواجه تحدياً صعباً، أفكر فيه، كأن صوته يرافقني. تلك القوة الهادئة، التي كان يتحلى بها، أصبحت جزءاً من أسلوبي في الحياة والعمل.

  •  أصمم المجوهرات كما يرسم الفنان لوحاته.. بالعاطفة والألوان سوزان كالان وابنتها باتيل

- تعملين اليوم بجانب ابنتك «باتيل».. كيف غيّرت هذه الشراكة نظرتك إلى مفهوم الإرث والتعاون العائلي في عالم الأعمال؟

إن «باتيل» شريكتي في الإبداع والرحلة. والعمل معها تجربة رائعة على كل المستويات. فهي تجلب معها رؤى جديدة، وتفكيراً شبابياً، وجرأة في التعبير، وأنا أتعلم منها بقدر ما تتعلم مني. لقد غيّرت هذه العلاقة فكرتي عن الإرث، فلم يعد الأمر مجرد تسليم شعلة من جيل إلى جيل، بل أصبح حواراً حياً نصنعه معاً، لحظةً بلحظة، وتصميماً بعد تصميم، ما يجعل عملنا أكثر عمقاً، وإنسانية.

- لو لم تكوني مصممة مجوهرات.. أين كنتِ سترين نفسك، وهل هناك مجال آخر كان يمكن أن يأسر شغفك؟

لطالما انجذبت إلى الفنون التي تمزج الجمال بالوظيفة. أعتقد أنني كنت سأدخل مجال الأزياء أو التصميم الداخلي. فأنا أحب تحويل المساحات والأشياء، وإضفاء لمسة سحرية على ما يبدو عادياً. فالتصميم، بالنسبة لي، لغة تعبّر عن الهوية والمزاج والذوق، من خلال خاتم أو غرفة معيشة. لكن، وبصراحة، أشعر بأن عالم المجوهرات اختارني كما اخترته؛ فقد وجدت نفسي فيه مبكراً. ومنذ ذلك الحين، لم أشعر، للحظة، بأنني في المكان الخطأ.

- عندما تنظرين في المرآة، وترين انعكاسك.. هل تقدمين لنفسك نصيحة، أم عتاباً، أم كلمة تشجيع؟

أول ما أفعله هو أن أتنفس. ثم أقول لنفسي: «كوني لطيفة، وخذي لحظة، وتذكري من أنتِ!». الحقيقة أنني، ككثيرات من النساء، يمكن أن أكون ناقدتي الأشد قسوة. لكن مع الوقت، تعلمت أن أكون أكثر تسامحاً، وتعلمت أن أحتفل بما وصلت إليه، بكل المحطات والتجارب التي شكلتني. لا أخفي أنني أرى العيوب أحياناً، لكنني صرت أراها بشكل مختلف، كأنها أجزاء من القصة، وندوب مشرّفة تُظهر عمق التجربة. فالجمال الحقيقي، في رأيي، لا يكمن في الكمال، بل في الصدق، في تلك الشقوق الصغيرة، التي تسمح للنور بأن يدخل.

- عندما يتعلق الأمر بالمجوهرات.. ما القطعة الأقرب إلى قلبك؟

أجد نفسي مفتونة بالأساور، خاصة أساور التنس. فأحب تكديسها بطرق غير متوقعة، ومزيجاً من الألماس الأبيض الكلاسيكي مع رشقة لون من الياقوت أو الزمرد. هناك سحر حقيقي في هذه الطبقات، فهي شيء أنيق وعملي في آنٍ. فهي مجوهرات تتحرك معك، وتنبض بالحياة على معصمك. وعندما أقرر ارتداء شيء أكثر أناقة، أضيف عقداً من التنس، أو اثنين، وأترك الأمر يتحدث عني دون صخب. فالجمال في هذه القطع أنها لا تحتاج إلى شرح، لكنها تقول الكثير. بالنسبة لي، يجب أن تعكس المجوهرات شخصية من ترتديها، لا أن تطغى عليها. كما أومن بأن المجوهرات ليست مجرد زينة، بل مرآة للمزاج، وللحالة العاطفية، ولنبض اليوم. في بعض الأحيان أكون كلاسيكية، وفي أخرى جريئة، وهذه القطع تعطيني الحرية لأكون كل ما أشعر به.

  •  أصمم المجوهرات كما يرسم الفنان لوحاته.. بالعاطفة والألوان من مجموعة Evil Eye

- كيف ترين تطور مشهد المجوهرات الفاخرة، خاصة في الشرق الأوسط، وما الدور الذي تلعبه علامتك في التعبير عن هذا التحوّل؟

ما يحدث في الشرق الأوسط مثير للإعجاب. فهناك جيل جديد من النساء يعيد تعريف العلاقة مع المجوهرات، إذ لم تعد محصورة في المناسبات الكبرى، أو الخزائن المغلقة. هؤلاء النساء يردن مجوهرات تعكس شخصياتهن، وتعبر عنهن بجرأة وصدق، ويمكن أن يُعِشن بها يومهن من دون تكلّف. في علامتي، نحاول أن نكون مرآة لهذه الروح الجديدة. نعم، تصميماتنا فاخرة، لكنها ليست رسمية. إنها قطع قابلة للارتداء، تُشعرك بالقوة والراحة في آنٍ.

- في عالم سريع الإيقاع، يمجّد الكمال أحياناً إلى حد الإنهاك.. كيف تحافظين على توازنك، وكيف تعرّفين النجاح من منظورك الشخصي؟

النجاح، بالنسبة لي، لم يعد يُقاس بالأرقام أو الأضواء. فالنجاح الحقيقي هو أن أنام ليلاً وقلبي مرتاح. وأن أعلم أنني لم أتخلَّ عن ذاتي، وأنني أصمّم من مكان صادق، وأنني ما زلت قريبة من جوهر الحرفة، التي بدأت بها. ما يُبقيني ثابتة هو عائلتي؛ فهي الدفء، والوجود، والطاقة. إنني أجد الإلهام في المحادثات البسيطة، ولحظات الصمت، و العمل مع ابنتي. وأذكّر نفسي، دائماً: لماذا بدأت، وما الذي جعلني أقع في حب المجوهرات منذ البداية؟.. هذا السؤال يعيدني، دائماً، إلى الأرض.

- ما النصيحة التي تقدمينها اليوم للمصممين الشباب، أو لأي مبدع لا يزال يبحث عن صوته الخاص؟

لا تحاول أن تُرضي الجميع؛ لأنك لن تفعل أبداً. ابحث عمّا يميزك، وتمسّك به، حتى لو شعرت بأنه غير مألوف أو غير سائد. نعم، سترتكب أخطاء، وستمرّ بلحظات شك. لكن تلك اللحظات ستصقل صوتك. فالأصالة لا تأتي بين ليلة وضحاها، بل تولد من الصبر والممارسة والتجربة. وعندما تتصالح مع فرديتك، ستصبح أعمالك أكثر عمقاً، وتأثيراً.

- أخيراً.. ما الرسالة التي تأملين أن تصل إلى النساء؛ عندما يرتدين قطعة من «Suzanne Kalan»؟

أريد لكل امرأة ترتدي إحدى قطعي أن تشعر بالقوة، وأن تشعر بأنها مرئية، وجديرة، ومحبوبة، دون أن تنطق بكلمة. أريدها أن تشعر بأنها على طبيعتها تماماً، لكنها في أفضل حالاتها؛ فالجمال الحقيقي لا يكمن في تقليد أحد، بل في التعبير الصادق عن الذات. وإذا استطاعت قطعة من مجوهراتي أن تساعد امرأة على رؤية نفسها بوضوح أكبر؛ فهذا، بالنسبة لي، أعظم إنجاز.

اذهب للمصدر