- غياب القواعد الواضحة لضبط نسبة السيطرة المؤدية لاكتساب الوضع المهيمن
- إحاطة القانون بنوع من الغموض وتنامي ظاهرة استغلال بعض المشروعات لوضعها المهيمن
- غلو تشريعي في فرض العقوبات على الجهات المخالفة
- فراغ تشريعي في منح المتضرر من المخالفة حق التصالح
- الهدف من العقوبة تقويم السلوك لا الانتقام والإقصاء
- يتوجب إضافة مادة جديدة تتضمن تصنيفاً موضوعياً للمخالفات
كشفت دراسة قانونية متكاملة حول القانون رقم (72) لسنة 2020 في شأن حماية المنافسة التحديات التشريعية في منظومة الاقتصاد الحديث، والمتمثلة في ضبط حرية المنافسة في ظل ما يشهده العالم من تحولات اقتصادية متسارعة.
ولفتت الدراسة التي أعدها الأستاذ الدكتور عبدالله الحيان والدكتور محمد رباح المطيري والدكتور أحمد الخضير، وحصلت «الراي» على نسخة منها، أن التطبيق العملي لقانون حماية المنافسة أفرز جملة إشكاليات قانونية، سواء من حيث ضبط مفهوم المنتجات والنطاق الجغرافي والسيطرة، أو من حيث النهج العقابي المتبع في فرض الغرامات المالية والتصالح مع المخالفين والتقادم في الجزاءات التأديبية.
وأشارت إلى غياب القواعد الواضحة لضبط نسبة السيطرة المؤدية لاكتساب الوضع المهيمن، وإحاطة القانون بنوع من الغموض، إلى جانب تنامي ظاهرة استغلال بعض المشروعات لوضعها المهيمن، ما أدى إلى آثار سلبية على السوق المعنية والمنافسين والمستهلكين.
وبينت، أن المشرع في الكويت وبعض الدول الخليجية لم يعرّف مفهوم المنتجات كأحد أعمدة السوق المعنية بشكل قانوني سليم، الأمر الذي يتطلب تدخلاً تشريعياً لتعريفها بشكل واضح ومحدد ودقيق، فيما دعت الدراسة إلى تعديل المفاهيم الواردة في المادة الأولى من قانون حماية المنافسة، ومنها النطاق الجغرافي والسيطرة، لتحقيق التجانب في ظروف المنافسة.
معيار المرونة
وأضافت الدراسة أن قانون حماية المنافسة لم يأخذ بمعيار مرونة الطلب في تحديد درجة التبادل بين المنتجات، إلا في المادة الخامسة والتي تتعلق بالاتفاقات أو الأعمال المرتبطة بعلاقات أفقية، فيما اتخذ نهجاً معينا بشأن تعريف الوضع المهيمن ليكون «الوضع الذي يمكن أي شخص بنفسه أو بالاشتراك مع غيره من الأشخاص الآخرين من التحكم أو التأثير على السوق المعنية والتصرف إلى حد كبير بشكل مستقل عن منافسيه، أو عملائه، أو عن المستهلكين»، ومع ذلك لم يخض القانون في فكرة أن تكون لمنافسيهم القدرة على الحد من ذلك.
وبشأن العقوبات الواردة في قانون حماية المنافسة، لاسيما المادة (34) التي قررت جزاءات مالية جسيمة تصل 10 % من الإيرادات السنوية، وامتدت لتشمل 1 % من المخالفات الإجرائية أو الشكلية، وأبطلتها المحكمة الدستورية في فبراير الماضي، أفادت الدراسة أنه رغم أهمية الردع، إلا أن هذا التوجه يثير غلواً تشريعياً وإشكالات قانونية ودستورية حول مدى تناسب العقوبة مع الفعل، ومدى مراعاة القانون لدرجات الخطورة، وتنوع الحالات، وتدرج الجزاءات، فضلاً عن غياب البدائل غير المالية.
ضرر ناتج
وتابعت أن المادة (34) من «حماية المنافسة»، لم تراعِ الأثر أو النية أو الضرر الناتج، وبالتالي خرج المشرع من دائرة الردع في العقوبة إلى دائرة الانتقام التشريعي، ما يُقوّض شرعية النص ذاته، ويستدعي ضرورة مراجعة المادة المذكورة وتعديلها، وفق رؤية المحكمة الدستورية -التي ألغت بدورها الفقرة (1) من المادة (34)، لتكون العقوبة هدفها تقويم السلوك لا الانتقام والإقصاء.
ودعت الدراسة إلى ضرورة التدرج في العقوبة والتناسب، اللذين يمثلان حجر الزاوية في أي منظومة عقابية ناجحة في قوانين حماية المنافسة، مبينة أن المشّرع الكويتي ربط العقوبة بالإيرادات الإجمالية على عكس المقرر في القوانين المشابهة في عدد من الدول العربية، إلى جانب ربطه أمر تصحيح المخالفة من قبل المخالف في المواد (5، 6، 7، 8) فقط من القانون مشترطاً أن تكون المخالفة مستمرة، متجاهلاً التصحيح عند مخالفة المادة (12) منه.
ملاحظات تشريعية
ونوهت الدراسة إلى أن المادة (34) اكتفت بذكر حالات المخالفة، دون أن تقدم أي تفسير أو توصيف قانوني دقيق لكل حالة من الحالات الست، ما يفتح باب التأويلات واسعاً، ويضعف اليقين القانوني، حول الفرق بين تقديم بيانات «مضللة» و«غير صحيحة».
ولفتت إلى أنه غاب عن المادة ذاتها التمهيد والغايات من النص، ومع ذلك فإن غياب هذا التمهيد يجعل المادة أداة قسرية محضة، لا أداة تنظيمية متوازنة، وبتركيبتها الحالية، لا تواكب تطور الفقه القانوني المقارن في مجال المنافسة، ولا تُحقق العدالة الإجرائية ولا الردع الفعّال.
وأشارت إلى أن النظام العقابي الحالي، يتسم بمظاهر عدة، تحمل قصوراً تشريعياً، أبرزها إغراق النصوص القانونية في نسب مئوية تُفرض كغرامات دون مراعاة مرونة التطبيق، ما يكشف غياب المعايير الموضوعية داخل النطاق المسموح به للسلطة التقديرية، كما يُلاحظ تغليب العقوبات المالية على غيرها من أدوات الردع الفعالة، فضلاً عن توحيد العقوبة دون تمييز بين طبيعة الأفعال المختلفة، ما يُضعف من عدالة النظام وفاعليته.
وكشفت الدراسة أن غياب المعايير الموضوعية، أدت إلى فراغ يفتح الباب أمام الاجتهاد غير المرتبط بمعايير موضوعية، ما قد يؤدي إلى تفاوت التطبيق بين حالات متشابهة، أو يُضعف الرقابة القضائية، ويُهدد مبدأ الأمن القانوني في التعامل مع السلطة العقابية، لاسيما وأن النص لم يضع ضوابط لتقدير موقع العقوبة.
وبينت الدراسة أن المادة (34) تكشف الإشكاليات الكامنة عن ضعف في بناء العقوبة من حيث المرونة والعدالة، وهذا الضعف يهدد فاعلية النص، وقد تُفضي إلى انعدام الثقة في نظام المنافسة برمّته، سواء من جانب المتعاملين المحليين أو المستثمرين الأجانب، ما يجعل إعادة صياغة هذه المادة ضرورة تشريعية، لا مجرد تحسين تنظيمي.
وقالت إن الغلو في المادة (34)، حوّلها من أداة لضبط السوق إلى عائق في وجه العدالة الاقتصادية، ما يُحتم على المشرّع التدخل لإعادة هندسة النص على أسس عادلة، مرنة، فعالة، وتُراعي الواقع الاقتصادي دون التفريط في الردع المطلوب.
مادة جديدة
ودعت الدراسة إلى، أنه بعد التجربة، يتعين إضافة مادة جديدة تتضمن تصنيفاً موضوعياً للمخالفات، يُحدد فيه الجهاز نوع كل مخالفة، وفق معايير واضحة، مثل الأثر السوقي، ومدة ارتكاب الفعل، ودرجة التعاون مع الجهاز، ومدى تعمد السلوك، وتكرار الفعل من عدمه، وهذا التصنيف يضمن تفريد العقوبة، ويُقيّد السلطة التقديرية للمجلس التأديبي، ويُحصّن قراراته أمام الرقابة القضائية.
وأضافت: لتحقيق الردع والعدالة، يجب العمل لإضافة مادة (34) مكرر، يحمل مضمونها النص التالي «تكون الجزاءات المالية الواردة في المادة السابقة وفقاً لتدرج يتناسب مع جسامة المخالفة، وتُصنّف الأفعال المخالفة لأحكام هذا القانون إلى جسيمة، ومتوسطة، وبسيطة، وفق معايير موضوعية يحددها مجلس إدارة الجهاز بقرار تنظيمي، ويُراعى في تقدير العقوبة درجة تعمد المخالفة، وحجم الأثر الناتج عنها، ومدى تعاون المخالف أثناء التحقيق، وتكرار ارتكابه للمخالفة، وذلك باستثناء المخالفات المتعلقة بالمادة (5) من هذا القانون».
وعرجت الدراسة إلى المادة (35) من قانون حماية المنافسة، لافتة إلى أن الفقرة الأخيرة منها، جاءت بعبارة «دون المساس بحقوق المتضرر من المخالفة» مبهمة وغائمة، دون تحديد آلية واضحة لحماية المتضررين، أو تنظيم العلاقة بينهم وبين المجلس أو المخالفة، ما وضع علامات استفهام حول حق المتضرر في الاعتراض على التصالح وهل يمنح الحق في الاطلاع على مضمونه والمطالبة بالتعويض، استناداً إلى اعترافه في طلب التصالح، الأمر الذي يخلق فراغاً تشريعياً قد يؤدي إلى تعارض بين التصالح الإداري والمساءلة المدنية، ويُنتج بيئة قانونية غير مستقرة تعوق التصالح بدلًا من أن تُشجع عليها.
ولفتت إلى أن المادة (35) تعاني من خلل مزدوج، نظراً لأنها لا تنظم إجراءات التصالح، ولا تضع معايير موضوعية تقيد سلطة المجلس وتُحقق العدالة، وأوردت إلى أن غياب الإطار الإجرائي في المادة المذكورة يُفقد التصالح مشروعيته القانونية، ويُحول سلطة المجلس إلى سلطة تقديرية مطلقة، تُمارس دون رقابة أو توجيه، ما يُثير شكوكاً حول مبدأ المساواة والشفافية، خاصة إذا تقدّم أكثر من مخالف بطلبات تسوية مماثلة وتم التعامل معها بشكل مختلف دون مبرر.
واقترحت الدراسة تعديل نص المادة (35) ليكون نصها كالآتي «يجوز التصالح مع المخالف، بناءً على طلب يقدّمه للجهاز قبل الإحالة إلى المجلس التأديبي، متى قدّم ما يثبت تصحيح أوضاعه، أو إقراره بالمخالفة، أو تعاونه في الكشف عنها، ويصدر قرار التصالح من المجلس، ويحدد القرار أثره على سير الإجراءات، ويُنظَّم ذلك تفصيلاً في اللائحة التنفيذية»، إلى جانب إضافة مادة (35 مكرر أ) تقدر المبالغ التي تؤدى للجهاز مقابل التصالح.
أبرز إشكاليات المادة (34)
1 - غياب الحد الأدنى للعقوبة، يترك سلطة التقدير مطلقة دون ضوابط.
2 - التعامل مع المخالفة الاقتصادية من منظور محاسبي صرف، دون إدخال الاعتبارات السلوكية أو الأثر الاقتصادي.
3 - عدم مراعاة الفروق بين المنشآت الكبيرة والصغيرة.
4 - تجاهل الأثر السوقي مقابل التركيز على الإيراد السنوي وليس الإيرادات المتعلقة بالمخالفة.
5 - تغليب العقوبات المالية على غيرها من وسائل الردع.
نماذج خليجية
تميزت قوانين حماية المنافسة في دول مجلس التعاون بمجموعة عقوبات رادعة تتساوى مع الفعل وجسامته وحجم الأرباح وغيرها من القياسات، بينما في المادة (34) من قانون حماية المنافسة، أكدت الدراسة أنها «منغلقة على العقوبة المالية فقط، وتُغرق في النسب دون تدرج أو حد أدنى، وتُساوي بين المخالفات المتفاوتة دون معيار، وتغفل وسائل الردع البديلة، كالمصادرة، أو الإغلاق الموقت» ما يبرز الحاجة المُلحة إلى إعادة صياغة المادة وفق النماذج الخليجية المتكاملة، بحيث تجمع بين الفلسفة الحديثة للعقوبة الاقتصادية، والخصوصية التشريعية للدولة.