#تكنولوجيا
ندى الرئيسي اليوم 10:00
منذ طفولته، كان يدرك تماماً ما يريد أن يكون عليه مستقبله. كان شغفه بالجراحة يظهر مبكراً في أبسط التفاصيل، حين كان يتفنن في خياطة قشور الفواكه بدقة لافتة. ذلك الشغف تحول إلى مسار مهني واضح، فتفوق دراسياً، وبُعث عام 1990 لدراسة الطب البشري في الكلية الملكية للجراحين بإيرلندا، ليتخرج عام 1997. وهناك، في السنوات الأخيرة من دراسته، كانت رؤيته لمستقبله قد تبلورت: «سأكون جراحاً». وقع اختياره على طب العيون، حيث الدقة والتنافس والابتكار، ليدخل إلى هذا التخصص الذي يشهد تطوراً تقنياً متسارعاً.
في هذا الحوار، يفتح لنا د. عبد الله نقي، استشاري أمراض وجراحة العيون، في مركز الشمال الأميركي لليزك وجراحة العيون في دبي، نافذة على أحدث تقنيات علاج وتصحيح النظر، ويسلط الضوء على «العدسة الذكية» التي تُعدّ اليوم إحدى أهم ابتكارات هذا المجال.
العين.. العضو المعجزة
يرى د. عبد الله نقي أن العين ليست مجرد عضو بصري، بل منظومة شديدة الحساسية ترتبط بشكل مباشر بالدماغ. وأي تطور في مجال تصحيح النظر يجب أن يراعي مدى تقبل الدماغ له. على مدى الـ25 عاماً الماضية، شهد طب العيون طفرة هائلة بفضل دخول تقنية الليزر، وتطور المجاهر والعدسات الجراحية والمعدات الدقيقة، مما غيّر مفهوم الجراحة من إجراء تقليدي إلى تدخل بالغ الدقة يعتمد على تقنيات الأبعاد الثلاثية والعدسات القادرة على تعديل البصر في المسافات المختلفة.
تاريخ متطور لزراعة العدسات
يعود تاريخ زراعة العدسات إلى الستينيات، لكن القفزة النوعية الحقيقية بدأت خلال العقدين الماضيين. ويوضح الدكتور نقي أن العدسات تطورت من الصلبة التي تتطلب شقاً كبيراً في العين، إلى العدسات اللينة المصنوعة من مواد قابلة للقياس والتعديل وفقاً لحالة كل عين.
وتعتمد العدسات على مفاهيم ضوئية دقيقة، حيث تعمل بعض الأنواع، مثل العدسات ثلاثية البعد البؤري (Trifocal)، على تقسيم الشعاع الضوئي الداخل إلى العين إلى ثلاثة أقسام. في المقابل، توفر العدسات الذكية، المعروفة باسم Extended Depth of Field (EDOF)، بُعداً بؤرياً ممتداً، ما يمنح المريض قدرة أفضل على الرؤية في مختلف المسافات.
وأوضح أن عمليات استبدال عدسات العين التي تكون موجودة خلف بؤبؤ العين تبدأ بعد سن الأربعين على حسب حالة العين، وتقوم هذه العدسات باسترداد القدرة على الرؤية للبعيد والقريب أي تقوم بتصحيح النظر.
العدسة الذكية.. مستقبل تصحيح النظر
يرى الدكتور نقي أن العدسة الذكية تمثل مستقبل تصحيح النظر للفئة العمرية فوق الخمسين عاماً، حيث تبدأ عادة مشكلات العدسة الطبيعية في العين، مثل الإصابة بالمياه البيضاء «الساد». أما لمن هم دون هذا العمر، فإن تقنيات الليزر، خصوصاً عملية «سمايل» (RELEX SMILE)، تظل الخيار الأمثل لتصحيح البصر، خاصة للفئة العمرية بين 20 إلى 40 عاماً، وهؤلاء لا ننصح ولا نفكر بإجراء عملية زراعة العدسة الذكية لهم.
-
د. عبد الله نقي، استشاري أمراض وجراحة العيون
شروط ومحاذير
الحالات التي تستدعي زراعة العدسة الذكية، عندما تكون عدسة العين الأصلية مصابة بالخلل، إما تكون فيها «السَّاد» ما يعرف دارجاً بالمياه البيضاء أو عتامة العدسة، وهذه الحالات تحدث عادة بعد سن 55 أو 60 عاماً فما فوق، فتكون الرؤية غير واضحة، فيقوم الجراح بسحب عدسة العين عن طريق تقنية متطورة جدا باستخدام الأشعة الفوق صوتية، ويتم استحلاب هذه العدسة، وزراعة العدسة الذكية محلها، ويتم قياس العدسة الذكية عبر أجهزة دقيقة مثل جهاز IOL MASTER، وهي أجهزة لقياس حجم العدسة التي تزرع في العين بحيث أنها تقوم بتصحيح عيوب البصر كلها.
ويشدد الدكتور نقي على أهمية اختيار الحالات المناسبة، مشيراً إلى أن العدسة الذكية قد لا تلائم من يعانون من ضعف بسيط في القراءة فقط، إذ تظل عدسة الإنسان الطبيعية أكثر كفاءة.
تدوم مدى الحياة.. ولكن!
يشير الدكتور نقي إلى أن العدسات الذكية مصممة لتدوم مدى الحياة، ونادراً ما يُلجأ لاستبدالها إلا في حالات استثنائية تتعلق بأمراض أخرى مثل السكري أو ضغط العين أو انحراف القرنية. ويؤكد أن وجود العدسة لا يمنع هذه الأمراض، لكنها لا تتسبب فيها أيضاً.
الإجراء الطبي
ويشرح الدكتور نقي الإجراء الطبي لزراعة العدسة الذكية، حيث يتم استئصال أو سحب العدسة الموجودة خلف بؤبؤ العين مع الحفاظ على حافظة العدسة، ثم يتم حقن العدسة الحديثة داخل هذه الحافظة، وتستغرق العملية حوالي من 10 إلى 15 دقيقة لكل عين.
وداعا للنظارات الطبية والعدسات اللاصقة
وعن النتائج المتوقعة بعد عملية زراعة العدسات يقول الدكتور نقي، إنه بعد اختيار حالة المريض المناسبة لهذه العملية، يتخلص معظم المرضى من استخدام النظارات الطبية أو العدسات اللاصقة، وفي حالات قليلة قد يحتاج نظارات طبية للقراءة كأن يكون النص في الكتاب صغير جداً أو الكتابة الموجودة على علب الأدوية مثلاً، ومعظم من يجرون هذه العملية يكونون سعداء بالنتائج، مع التأكيد على ضرورة اختيار الحالة المرضية المناسبة لإجراء هذه العملية.
تحسين جودة الحياة
ويذكر الدكتور نقي من واقع خبرته، أن جودة حياة المريض تتحسن بشكل كبير بعد عملية زراعة العدسة الذكية، خصوصاً بعد استغنائه عن النظارات الطبية، واستشهد هنا بموقف حصل مع مريضة قالت له: «كنت أشعر أنني في غيبوبة قبل إجراء العملية»، فبعض المرضى يشعرون بأن نظرهم تطور، فتحسنت الرؤية الليلية والنهارية لديهم، واستغنوا عن النظارات، وتحسنت جودة الرؤية والألوان.
تطورات تقنية وأبحاث واعدة
في ظل التطور السريع في صناعة العدسات، يتوقع الدكتور نقي أن تشهد السنوات القادمة ابتكار عدسات مخصصة لجميع الفئات العمرية، وقادرة على تصحيح عيوب بصرية كبيرة جداً تصل إلى -25 أو +15. كما ستزداد قابلية العدسات للزرع الذاتي، دون تدخل يدوي كبير، مما يعزز دقة وأمان العملية.
مفاهيم خاطئة
يختم الدكتور عبد الله نقي حديثه بالتأكيد على ضرورة رفع الوعي بتقنية العدسة الذكية، موضحاً أنها لا تعني بالضرورة استعادة النظر كما في سن الشباب، بل هي وسيلة لتحسين جودة الرؤية، ولا تغني في كل الأحوال عن النظارات. كما أنها ليست مجرد «عدسة إضافية»، بل تحل محل العدسة الطبيعية بالكامل، وهو ما لا يدركه كثير من الناس.