التبرع بالدم.. شريان حياة يحتاج إلى وعي ومبادرة

1 day ago 7

#صحة

كارمن العسيلي اليوم

كلَّ عام، وتحديداً يوم 14 يونيو، يحتفي العالم باليوم العالمي للتبرع بالدم، تقديراً للملايين الذين يبادرون بإنقاذ الأرواح عبر هذه اللفتة النبيلة، وللتأكيد على أهمية التبرع الطوعي والمستمر؛ لضمان توفر الدم الآمن في كل وقت. فالدم العنصر الحيوي الوحيد الذي لا يمكن تصنيعه في المختبرات، بل يهبه إنسان؛ لإنقاذ آخر. ومع وجود نقص دائم في مخزون الدم بالعديد من بنوك الدم حول العالم، يتصدر التبرع الطوعي قائمة الأولويات الصحية والإنسانية، إلا أن مفاهيم خاطئة لا تزال تسيطر على أذهان البعض، وتمنعهم من اتخاذ هذه الخطوة النبيلة. في هذا السياق، يحدثنا الدكتور محمد بار علي، اختصاصي أمراض الدم في مستشفى «ميديكلينك» بأبوظبي، عن أهمية التبرع بالدم، مصححاً المفاهيم المغلوطة، ومُفسراً آلية التبرع، وفئات المرضى الأكثر حاجة إليه.

  • التبرع بالدم.. شريان حياة يحتاج إلى وعي ومبادرة التبرع بالدم.. شريان حياة يحتاج إلى وعي ومبادرة

الدم لا يُصنع

يشير الدكتور بار علي إلى أن «الدم مادة لا يمكن تصنيعها؛ فرغم التقدم العلمي الهائل، لا يوجد بديل له؛ فالتبرع به هو الوسيلة الوحيدة لتأمينه للمرضى». ويؤكد اختصاصي أمراض الدم أن التبرع لا يرتبط فقط بحالات الطوارئ الناتجة عن الحوادث، بل يشمل أيضاً مرضى يعانون أمراضاً دموية مزمنة، مثل: الثلاسيميا، وفقر الدم الشديد الناتج عن العلاج الكيميائي، بالإضافة إلى الأطفال والبالغين ممن يعانون اضطرابات في إنتاج الدم؛ فهؤلاء المرضى، بحسب تعبيره، «يحتاجون إلى الدم؛ ليتمكنوا من الاستمرار في العلاج، والحياة».

التبرع ليس خطيراً 

من أبرز المفاهيم الخاطئة، التي يحرص اختصاصي أمراض الدم على تصحيحها، الخوف من التبرع، حيث يقول: «على العكس تماماً، فالتبرع بالدم يُحفّز نخاع العظم لإنتاج خلايا دم جديدة، ما يعيد النشاط والحيوية إلى جسم المتبرع؛ فكثيرون من المتبرعين يشعرون بنشاط بعد يومين فقط من التبرع». 

إجراء بسيط.. وآمن

وحول خطوات التبرع، يؤكد الدكتور محمد بار علي أن العملية سهلة، ولا تستغرق أكثر من عشر دقائق، حيث يبدأ المتبرع بملء استبيان صحي، ويخضع لفحص نسبة الخضاب في الدم. بعدها، يُسحب الدم من وريد اليد بواسطة إبرة، ويُجمع في كيس سعته 500 ملل، موضوع على ميزان هزاز؛ لضمان مزج الدم مع مادة مانعة للتخثر، ومنع تجمّعه أثناء السحب. ويؤكد أنه «نادراً ما تحدث مضاعفات»، مضيفًا أن بعض المتبرعين قد يشعرون بدوخة بسيطة، لذلك تُقدم إليهم وجبة خفيفة، وسوائل، بعد التبرع، ويُنصحون بالراحة لمدة ربع إلى نصف ساعة.

وتيرة التبرع

من الأسئلة الشائعة، التي يطرحها الكثيرون: «متى يمكنني التبرع مرة أخرى؟».. وهنا يوضح الدكتور محمد بار علي أن الجسم يحتاج إلى نحو شهر لتعويض الدم المتبرَّع به، إلا أن أنظمة التبرع المعتمدة تأخذ بعين الاعتبار الحفاظ على صحة المتبرِّع؛ لذلك يُسمح للرجال بالتبرع بالدم كل ثلاثة أشهر، وللنساء كل أربعة أشهر.

التكنولوجيا تُحدث فرقًا

في السابق، كانت أكياس الدم تُنقل كاملة إلى المريض، بغض النظر عن حاجته، ومع تطور العلم والأجهزة الطبية، أصبح بالإمكان التبرع بأجزاء محددة من مكونات الدم، مثل: الصفائح الدموية، والبلازما، من خلال جهاز خاص يُعرف باسم «أفريسيز» (Apheresis). ويشرح اختصاصي أمراض الدم أن هذا الجهاز يعمل على فصل مكونات الدم داخل الجهاز نفسه، حيث يقوم بأخذ ما يحتاجه فقط (كالكريات الحمراء، أو البلازما، أو الصفائح)، ويُعيد بقية مكونات الدم إلى جسم المتبرع. ويضيف: هذا يعني أن وحدة دم واحدة يمكن أن تنقذ حياة ثلاثة مرضى، كلٍّ بحسب حاجته، وفق ما يؤكد الدكتور محمد بار علي. ويكمل: إن التبرع الموجه يُتيح إمكانية التبرع بوتيرة أسرع، أي كل أسبوعين تقريباً، دون التأثير سلباً في الوضع الصحي للمتبرع.

زمر الدم

يشرح الدكتور بار علي أن الدم ليس نوعاً واحداً، بل يتوزع على أربع زمر رئيسية: (A ،B ،AB، وO)، ويُضاف إليها العامل الريزوسي (Rh)، الذي يكون إما إيجابياً أو سلبياً، ما يرفع عددها إلى ثماني مجموعات دموية. ويوضح أن الزمرة الأهم والأكثر طلباً هي (O سالب)، ويُطلق على حاملها لقب «المتبرع العام»؛ لأن دَمه يُمكن أن يُعطى لأي مريض من أي زمرة دموية، خاصة في الحالات الطارئة أو الحرجة، التي لا يتوفر فيها وقت لإجراء فحوص توافق الزمر. 

  • التبرع بالدم.. شريان حياة يحتاج إلى وعي ومبادرة التبرع بالدم.. شريان حياة يحتاج إلى وعي ومبادرة

سلامة الدم أولاً

من الأسئلة الجوهرية، التي يطرحها كل مريض: هل الدم آمن؟.. يجيب اختصاصي أمراض الدم، بثقة: «نعم، فالدم الذي يُنقل من خلال بنوك الدم يتم فحصه بدقة، ووفقاً لمعايير منظمة الصحة العالمية. ويخضع كيس الدم لسلسلة من التحاليل المخبرية، التي تهدف إلى الكشف عن الأمراض المعدية، مثل: فيروس نقص المناعة (HIV)، والتهابَي الكبد الوبائي (B، وC)، وأمراض أخرى تُحدد بحسب كل دولة، مثل الملاريا في الدول التي تنتشر بها هذه العدوى». لكن الفحص لا يتوقف عند هذا الحد، فقبل نقل الدم إلى المريض، تجرى اختبارات توافق الزمر (Crossmatching)؛ للتأكد من التطابق الكامل، وتفادي أي رد فعل مناعي خطير. 

مدة التخزين

يوضح الدكتور محمد بار علي أن هناك أنظمة صارمة؛ لتنظيم عملية حفظ الدم، تختلف بحسب نوع المكون الدموي المخزن، فمثلاً كريات الدم الحمراء، المكون الرئيسي الذي يُنقل في حالات فقر الدم أو النزيف، يمكن تخزينها لمدة أقصاها 42 يوماً (6 أسابيع) في برادات خاصة تراوح حرارتها بين 4 و6 درجات مئوية. أما الصفائح الدموية، فهي أكثر حساسية، ولا تُخزن لأكثر من 7 أيام فقط. ويتم حفظها على رجّاجات خاصة داخل بنك الدم في درجة حرارة الغرفة، لمنع تخثرها أو فقدان فاعليتها. في المقابل، تتمتع البلازما بعمر أطول، إذ تُجمد في درجات منخفضة جداً، ما يسمح بتخزينها لمدد طويلة دون تاريخ صلاحية محدد.

الإمارات نموذج يُحتذى في التبرع بالدم

يشير الدكتور محمد بار علي إلى أن دولة الإمارات تبذل جهوداً كبيرة ومستدامة في تعزيز ثقافة التبرع بالدم، من خلال حملات ميدانية وتوعوية، تصل مباشرة إلى مختلف شرائح المجتمع.. يقول: «الإمارات لا تألو جهداً في نشر التوعية بأهمية التبرع، إذ تطلق حملات منتظمة، وتوفّر حافلات مجهزة بكامل المعدات الطبية، وطاقمٍ متخصص يُدير العملية، كما لو كنت في بنك دم حقيقي». هذه الحملات تصل إلى مقار المؤسسات والدوائر الحكومية والخاصة، حيث يتم التواصل مع الموظفين عبر البريد الإلكتروني؛ لتشجيعهم على التبرع، وغالباً يكون الإقبال كبيراً وفعّالاً».

رسالة من القلب

يختم الدكتور محمد بار علي، اختصاصي أمراض الدم، حديثه برسالة مؤثرة، موجهة إلى كل متردد: «كيس دم واحد قد ينقذ ثلاث أرواح. تخيّل أن جزءاً بسيطاً من جسدك يمكنه أن يُحدث هذا الفرق الهائل. التبرع بالدم ليس خدمة للمريض فحسب، بل خدمة للمجتمع بأسره، وفائدة صحية للمتبرع نفسه. وأنا كطبيب ومتبرع دائم، أقول للجميع: لا تخافوا. بل بادروا، وكونوا جزءًا من هذه الرسالة النبيلة».

  • التبرع بالدم.. شريان حياة يحتاج إلى وعي ومبادرة التبرع بالدم.. شريان حياة يحتاج إلى وعي ومبادرة

5 أسئلة.. وأجوبة

1 .  ما البلازما، ولماذا تعتبر ضرورية؟

يتكون الدم من جزء خلوي، وآخر سائل، وهذا السائل الأصفر الشفاف هو البلازما، ويشكل حوالي 55 % من مكونات الدم. والبلازما، تحمل بداخلها مئات البروتينات والإنزيمات، وتلعب دوراً مهماً في نقل المغذيات، والهرمونات، وعوامل التخثر.

2 .  مَنْ الذي بإمكانه التبرع بالدم، وما الشروط الصحية للتبرع؟

أي شخص بين 18، و65 عاماً، ويزن أكثر من 50 كغم، يمكنه التبرع بالدم، بشرط أن يكون بصحة جيدة، ولا يعاني أمراضاً معدية، أو التهابات نشطة. أما النساء الحوامل، فرغم أن تبرعهن ممكن طبياً، إلا أن المعايير المتبعة لا تسمح لهن بالتبرع، خلال فترة الحمل.

3 .  هل هناك أشخاص لا يُسمح لهم بالتبرع؟

 لا يُسمح بالتبرع للأشخاص الذين يعانون أمراضاً مزمنة، مثل: السكري غير المنضبط، وأمراض القلب، والأمراض المعدية مثل (HIV)، أو أولئك الذين لديهم تاريخ مرضي من «الملاريا»، أو «الزهري».

4 .  عالمياً.. ما الزمر الدموية الأكثر والأقل شيوعاً، وكم تبلغ نسب وجودها تقريباً؟

نحو 40 % من البشر لديهم زمرة (O)، وقرابة الـ35 % ينتمون إلى زمرة (A)، و10 % إلى زمرة (B)، بينما تُعد زمرة (AB) الأكثر ندرة، بنسبة لا تتجاوز الـ5%. هذه النسب تختلف من مجتمع إلى آخر، لكنها تشكل الأساس في معرفة الاحتياج الحقيقي لكل فئة.

5 .  هل يمكن للمتبرع أن يطلب معرفة فصيلة دمه بعد التبرع؟

نعم، يمكن للمتبرع طلب ذلك.

اذهب للمصدر