- بيع الهيئة حصتها في «سيتي غروب» نقطة تحول في تاريخها حققت ربحاً بـ 1.1 مليار دولار
- التخارج من «AIA» بـ 3.4 مليار دولار مرحلةً جديدةً في إستراتيجية الهيئة
في عالم تتسارع فيه وتيرة التغيرات الاقتصادية والجيوسياسية، باتت إستراتيجيات صناديق الثروة السيادية محط أنظار المراقبين والمستثمرين على حد سواء. فهذه الكيانات الضخمة، التي تدير تريليونات الدولارات، لا تعكس فقط قوة اقتصادات بلدانها، بل تحدد أيضاً مسار تدفقات رأس المال العالمية نحو القطاعات والمناطق التي تحمل وعود النمو المستقبلية.
وشهدت السنوات الأخيرة تحولاً ملحوظاً في كيفية إدارة هذه الصناديق لأصولها، مدفوعةً برغبة في تحقيق عوائد مستدامة وتخفيف المخاطر في بيئة عالمية متقلبة. وفي هذا السياق، تبرز الهيئة العامة للاستثمار، أقدم صندوق ثروة سيادي في العالم، كنموذج رائد لهذا التحول الإستراتيجي.
وكشف تحليل حديث نشره موقع «إيه آي إنفست» عن ملامح هذا التحول الجوهري في إستراتيجية الهيئة العامة للاستثمار ومحفظتها الاستثمارية. يشير التحليل إلى أن «هيئة الاستثمار» أعادت بهدوء تشكيل محفظة أسهمها على مدار السنوات الأخيرة، في خطوة تعكس تحولاً إستراتيجياً أوسع نطاقاً بين صناديق الثروة السيادية الخليجية.
من خلال استعراض قراراتها الاستثمارية البارزة، بدءاً من خروجها المفاجئ من «سيتي غروب» في عام 2009، وصولاً إلى بيعها حصة كبيرة في مجموعة (AIA)، تتجلى بوضوح أولويات «الهيئة» المتزايدة في التركيز على السيولة، تخفيف المخاطر، وتحسين العائد. هذه الإجراءات، التي تحركها الفرص قصيرة الأجل والتنويع طويل الأجل، تقدم رؤى قيمة حول كيفية تعامل المستثمرين المؤسسيين مع المشهد المالي الحالي المعقد.
وبحسب التحليل، كان بيع «هيئة الاستثمار» لحصتها في سيتي غروب عام 2009، والذي حقق ربحاً قدره 1.1 مليار دولار، نقطة تحول في تاريخها. وقد مثّلت هذه الخطوة الإستراتيجية، التي شهدت تحويل «الهيئة» استثمارها الأولي البالغ 3 مليارات دولار في الأسهم الممتازة إلى أسهم عادية، محققةً عائداً سنوياً بنسبة 37 %، وتحولا تكتيكياً نادراً للاستفادة من تقلبات السوق، رغم إستراتيجيتها المعتادة للاحتفاظ بالأسهم على المدى الطويل. كما أبرزت عملية البيع مرونتها في إعطاء الأولوية للسيولة خلال الفترات المالية المضطربة.
وتزامن سداد «سيتي غروب» لـ 20 مليار دولار من أموال برنامج إغاثة الأصول المتعثرة، والذي عزز ميزانيتها العمومية وأشار إلى انخفاض مخاطر المستثمرين، مع خروج «هيئة الاستثمار» المفاجئ. وسمح هذا التوقيت للهيئة بتجاوز العقبات المحتملة، حيث عانى القطاع المصرفي من الرقابة التنظيمية المطولة وعوائد ضئيلة.
بيع حصة (AIA)
تُمثّل صفقة بيع الهيئة حصة بقيمة 3.4 مليار دولار من مجموعة «AIA»، وهي شركة تأمين آسيوية رائدة، مرحلةً جديدةً في إستراتيجيتها. وتُسلّط الصفقة، التي تُعدّ جزءاً من طرح عام أولي بقيمة 20 مليار دولار، والذي أُغلق بخصم 6 % عن سعر إغلاق «AIA» السابق، الضوء على موضوعين رئيسيين:
1 - تخفيف المخاطر: يشير بيع حصة 3.7 % (394.4 مليون سهم) بسعر 68 دولار هونغ كونغ للسهم، رغم الطلب القوي على الطرح العام الأولي، إلى أن الهيئة تُعطي الأولوية للحفاظ على رأس المال على حساب تعظيم القيمة. ويُبرز الانخفاض اللاحق بنسبة 4.4 % في سعر سهم «AIA» بعد البيع مخاطر التخارجات واسعة النطاق في الأسواق التي تفتقر إلى السيولة.
2 - قطاعات عالية النمو: من المرجح أن الهيئة استخدمت عائدات تخارجها من «AIA» للاستثمار في قطاعات عالية النمو، لاسيما البنية التحتية للذكاء الاصطناعي. ويتماشى هذا مع دخولها في شراكة بلاك روك للبنية التحتية للذكاء الاصطناعي (AIP) بقيمة 100 مليار دولار، وإستراتيجيتها الأوسع نطاقاً للتحول عن القطاعات التقليدية مثل الطاقة والتأمين.
الصناديق الخليجية
تعكس التعديلات الإستراتيجية للهيئة العامة للاستثمار توجهاً أوسع نطاقاً بين صناديق الثروة السيادية الخليجية، بما في ذلك جهاز قطر للاستثمار وجهاز أبوظبي للاستثمار. وتُفضّل هذه الصناديق بشكل متزايد الأصول السائلة على القطاعات المتقلبة، مدفوعةً بثلاثة عوامل رئيسية هي:
1) الحاجة إلى رأسمال متاح في ظلّ حالة عدم اليقين الجيوسياسي وتقلبات أسعار النفط.
2) والرغبة في تحقيق عوائد مُثلى في ظلّ تراجع عوائد استثمارات الطاقة التقليدية نتيجةً لانخفاض الكربون العالمي.
3) والتركيز المتزايد على الحدّ من المخاطر، النابع من الدروس المستفادة خلال الأزمة المالية لعام 2008 في ما يتعلق بالانكشاف المفرط على القطاعات الدورية كالقطاع المصرفي.
تداعيات
انسحاب الهيئة العامة للاستثمار، من بنوك غربية مثل: «سيتي غروب» و«باركليز»، غالباً له عواقب وخيمة طويلة الأجل على تقييمات القطاع المالي. وستظل البنوك التي يُنظر إليها على أنها مفرطة في الاستدانة أو معتمدة على المساعدات الحكومية (مثل متلقي برنامج إغاثة الأصول المتعثرة) مقومة بأقل من قيمتها الحقيقية ما لم تُقدم إستراتيجيات ملموسة لخفض الاستدانة.
في غضون ذلك، يشير بيع حصة في مجموعة (AIA) وعمليات التخارج المماثلة من شركات التأمين التقليدية إلى أن نمو الخدمات المالية سيعتمد بشكل متزايد على الابتكار، سواءً في الاكتتاب المعتمد على الذكاء الاصطناعي أو المنصات الرقمية.
بالنسبة للمستثمرين، يعني هذا تفضيل البنوك وشركات التأمين، التي تتمتع بما يلي:
1) نسب رأسمال قوية وسياسات إعادة شراء/توزيع أرباح واضحة.
2) الانكشاف على مناطق ذات نمو مرتفع (مثل أسواق التأمين في جنوب شرق آسيا).
3) الاستثمارات الإستراتيجية في التكنولوجيا المالية أو الأصول المقاومة لتغير المناخ.
عصر جديد
يُمثل التحول الإستراتيجي للهيئة العامة للاستثمار، من تركيزها على توفير السيولة في أوقات الأزمات إلى الاستثمار في البنية التحتية للذكاء الاصطناعي، نقلة نوعية في كيفية توظيف رأس المال الخليجي. وهذا يُشير للمستثمرين إلى أهمية الموازنة بين الأصول المستقرة والسائلة والاستثمارات في القطاعات عالية النمو.
في بيئة تتسم بعدم الاستقرار الجيوسياسي والمالي، يتطلب تحقيق عوائد مجزية محاكاة النهج المتطور، الذي يراعي المخاطر، ويركز على العائد، والذي تتبعه كبرى المؤسسات الاستثمارية عالمياً.
خلاصة القول، بحسب التحليل، تُظهر صناديق الثروة السيادية الخليجية ميلاً واضحاً نحو النمو والسيولة القائمين على التكنولوجيا، مبتعدةً عن الاستثمارات التقليدية. وسيحظى المستثمرون الذين يتبنون هذه الإستراتيجية بوضع مثالي في ظلّ تطوّر السوق العالمية.