يمثّل سوق الأوراق المالية أحد المحركات الأساسية للاقتصاد الوطني، حيث يُتيح للمستثمرين فرصاً لتنمية رؤوس أموالهم، ويوفر للشركات المدرجة إمكانية الحصول على تمويل طويل الأجل من خلال تداول أسهمها. إلا أن الفترة الأخيرة شهدت تزايداً ملحوظاً في حالات شطب الشركات من البورصة، سواء بناءً على طلب مجالس إداراتها، أو نتيجة إخفاقها في الامتثال لقواعد الإفصاح والشفافية، أو ارتكاب مخالفات مالية وإدارية.
هذا الشطب، الذي يبدو في بعض الأحيان مجرد قرار إداري، تترتب عليه أضرار بالغة تصيب المساهمين، وتهدد استقرار السوق المالي، وتضع مجالس الإدارات أمام مسؤوليات قانونية جسيمة قد تصل إلى تعويضات مالية ضخمة.
أولاً: أسباب شطب الشركات من الإدراج في البورصة عدة، منها:
1 - طلب مجلس الإدارة طوعاً شطب الشركةمن البورصة:
• بعض الشركات تتخذ القرار لتجنب التكاليف المرتبطة بالإدراج، أو للهروب من رقابة هيئة أسواق المال.
• بعض الحالات يكون السبب إخفاء مشاكل مالية وإدارية خطيرة عن المستثمرين.
2 - التقصير في تقديم البيانات المالية والإفصاح عن المعلومات الجوهرية:
• وفقاً للمادة (3-5) من الكتاب العاشر من اللائحة التنفيذية لقانون هيئة أسواق المال، يجب على الشركات المدرجة الإفصاح عن بياناتها المالية في المواعيد المحددة.
• تأخر الشركات في تقديم بياناتها أو تقديمها بصورة غير دقيقة يعرضها للإيقاف، ثم الشطب النهائي من البورصة.
3 - مخالفات مالية وإدارية جسيمة:
• تورط بعض الشركات في قضايا فساد مالي، أو تلاعب في القوائم المالية، يؤدي إلى فقدان الثقة فيها، ما يدفع هيئة أسواق المال إلى اتخاذ قرار بشطبها.
• تجاهل الشركات لتنفيذ قرارات هيئة أسواق المال أو عدم الامتثال لمتطلبات الحوكمة يُسرّع من شطبها.
ثانياً: الأضرار الجسيمة التي تلحق بالمساهمين نتيجة شطب الشركات:
1 - خسارة القيمة السوقية للأسهم:
• عند شطب الشركة من البورصة يتوقف تداول أسهمها، ما يُفقد المساهمين القدرة على بيعها بالسعر السوقي العادل.
• بعض الشركات تعرض شراء الأسهم من المساهمين بأسعار أقل بكثير من قيمتها العادلة، ما يُكبّدهم خسائر فادحة.
2 - غياب الشفافية وصعوبة متابعة حقوق المساهمين:
• بمجرد خروج الشركة من البورصة، لا تكون ملزمة بالإفصاح عن بياناتها المالية بشكل دوري.
• يصبح من الصعب على المساهمين معرفة وضعهم المالي الحقيقي أو المطالبة بحقوقهم بسهولة.
3 - فقدان المستثمرين الثقة في السوق المالي:
• تكرار شطب الشركات يُضعف ثقة المستثمرين، ويدفعهم إلى الابتعاد عن الاستثمار في سوق الأسهم، ما يُؤثر سلباً على الاقتصاد الوطني.
• المستثمرون الجدد قد يترددون في دخول السوق خشية مواجهة نفس المصير.
4 - المسؤولية القانونية لمجالس الإدارات:
• إذا ثبت أن مجلس الإدارة تعمد إخفاء معلومات مالية جوهرية أو تأخر في تقديم البيانات المالية، فإنه يتحمل مسؤولية قانونية عن الأضرار التي لحقت بالمساهمين.
• يمكن للمساهمين رفع دعاوى قضائية للمطالبة بتعويضات عن الخسائر التي تكبدوها بسبب قرارات مجلس الإدارة غير المسؤولة.
ثالثاً: المسؤولية القانونية لمجالس الإدارات تجاه المساهمين:
وفقاً لقانون هيئة أسواق المال، مجلس الإدارة مسؤول عن حماية حقوق المساهمين، وأي إهمال أو تقصير يؤدي إلى شطب الشركة قد يُعرض أعضاء المجلس إلى دعاوى قانونية تطالب بتعويضات مالية كبيرة.
متى يحق للمساهمين رفع دعوى ضد مجلس الإدارة؟
يمكن للمساهمين رفع دعوى قضائية إذا كان الشطب ناتجاً عن:
1 - إخفاق مجلس الإدارة في تقديم البيانات المالية بالمواعيد القانونية.
2 - تضليل المساهمين بمعلومات غير صحيحة عن الوضع المالي للشركة.
3 - إخفاء مخالفات مالية أو إدارية أدت إلى قرار الشطب.
4 - استغلال قرار الشطب لمصلحة أعضاء مجلس الإدارة على حساب المساهمين.
ما التعويضات التي يمكن للمساهمين المطالبة بها؟
• تعويض مالي عن الخسائر التي تكبدوها بسبب الشطب.
• إجبار الشركة على إعادة شراء الأسهم بالقيمة العادلة.
• تحميل أعضاء مجلس الإدارة مسؤولية شخصية عن الضرر المالي الناتج عن الشطب.
وهذا ما أكده القضاء الكويتي في العديد من الأحكام التي صدرت عن محكمة التمييز ومحكمة أسواق المال، مثل قضاء محكمة التمييز الكويتية في الطعن رقم 709 لسنة 2016 تجاري ـ جلسة 14/ 5/ 2017، أن: «مجلس إدارة الشركة مسؤول عن اتخاذ القرارات التي تحفظ مصالح المساهمين، ويُسأل أعضاؤه بصفاتهم الشخصية عن الأضرار التي تلحق بالمساهمين متى ثبت وجود خطأ جسيم أو إخفاء معلومات جوهرية».
رابعاً: كيف يمكن للمساهمين حماية حقوقهم؟
إذا كنت أحد المساهمين المتضررين من شطب شركة من البورصة، يجب عليك:
1 - دراسة إمكانية رفع دعوى تعويض ضد مجلس الإدارة وعما إذا كان هو المتسبب في الشطب.
2 - الحصول على نسخ من التقارير المالية والافصاحات السابقة للشركة لإثبات وجود تقصير في الالتزام بقواعد الإفصاح.
3 - التعاون مع مساهمين آخرين لتقديم دعوى جماعية، ما يعزز فرص النجاح في القضية.
4 - تقديم شكوى رسمية إلى هيئة أسواق المال، لطلب التحقيق في ملابسات شطب الشركة واتخاذ الإجراءات القانونية المناسبة.
خاتمة: دعوة لاتخاذ الإجراءات القانونية لحماية أموال المستثمرين والقضاء على الفساد الإداري والمالي في الشركات
شطب الشركات من البورصة لا يؤثر فقط على المساهمين الحاليين، بل يهدد استقرار السوق المالي ويضعف الثقة في الاستثمار، لذلك، يجب على المساهمين المتضررين التحرك قانونياً ضد الشركات ومجالس إداراتها، للمطالبة بحقوقهم وحماية أموالهم.
إن كنت من المساهمين الذين تضرروا من شطب شركتك من البورصة، فإن اتخاذ إجراءات قانونية لمساءلة مجلس الإدارة هو حق لك وليس مجرد خيار، بل هو حقك في اللجوء إلى القضاء للمطالبة بحقوقك واستعادة أموالك.