يوبيل مدينة روما: طفرة أم كساد في سوق الإيجار والسياحة؟

4 hours ago 3

اعلان

اليوبيل.. كلمة تحمل نغمة فرح، لكنها أثارت قشعريرة على العمود الفقري لأي مواطن روماني أصبحت لديه مرادفًا لارتفاع الإيجارات غير المعقولة، والتضخم المستمر، وأعمال الطرق المتواصلة، وجحافل الزوار الذين يزيدون الطين بلة في مدينة تعاني أصلاً من تدفق سياحي لا يمكن السيطرة عليه.

ويُعد يوبيل الكنيسة الكاثوليكية، وهو احتفاء ديني يمتد على مدى عام كامل من أواخر 2024 إلى 2025 ويُقام كل خمسة وعشرين عامًا في العاصمة الإيطالية، محركًا لسلسلة طموحة من مشاريع التجديد الحضري، تقودها إدارة عمدة روما، روبرتو جوالتيري، الذي يتمتع بحضور لافت على منصات التواصل الاجتماعي.

ورافق هذا الحدث وعدٌ باستقبال أكثر من 30 مليون زائر. وقد علقت الشركات وأصحاب العقارات آمالاً كبيرة على هذه المناسبة، خاصة بعد الركود الذي أعقب الجائحة. إلا أن هذا الحدث لم يكن مرحبًا به من جانب المستأجرين والطلاب والمهنيين الشباب، الذين رأوا فيه تهديدًا بتفاقم أزمة غلاء المعيشة في مدينة – وبلد – يعانيان من ثبات الرواتب وقلة الفرص الوظيفية.

وفي منتصف الطريق نحو احتفالات اليوبيل، تبدو روما في أفضل حالاتها؛ فقد شهدت طرقها ومبانيها عمليات تجديد مكثفة، وتبدو أعداد الزوار لائقة حتى الآن.

لكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل حقق اليوبيل تلك الطفرة المنتظرة في إيجارات العطلات؟ أم أنه انقلب إلى ركود؟ تشير المؤشرات الإحصائية إلى صورة لا تخلو من خيبة الأمل.

اليوبيل: ما هذه الضجة؟

كل خمسة وعشرين عامًا — باستثناء المناسبات "الاستثنائية" التي قد تُعلن عنها الكنيسة أحيانًا — تحتفل الكنيسة الكاثوليكية بعام اليوبيل كفترة مخصصة للغفران والتكفير عن الخطايا.

يتوجه الحجاج إلى روما، مركز الكاثوليكية، في رحلة روحانية تهدف إلى نيل الغفران الكامل لذنوبهم. وفي هذه المناسبة، يعبرون الأبواب المقدسة الأربع في البازيليك البابوية الرئيسية بالمدينة، وهي أبواب لا تُفتح إلا خلال سنوات اليوبيل.

غالبًا ما اقترن اليوبيل بنهضة اقتصادية سياحية في العاصمة الإيطالية، وأعمال تجديد واسعة النطاق في البنية التحتية. ويعد اليوبيل الذي أقيم عام 2000 مثالاً بارزًا، حيث شهدت فيه روما ترميمًا واسع النطاق لعدد كبير من معالمها التي كانت مغطاة بالأتربة، فأعادتها إلى مجدها السابق.

ولم يكن يوبيل 2025 استثناءً من هذه القاعدة؛ فقد شملت أعمال التجديد عدداً من أبرز المعالم التاريخية في المدينة، من نافورة تريفي وساحة نافونا، إلى السلالم الإسبانية وجسر قلعة سانت أنجلو.

لكن اليوبيل الأخير واجه تحديًا غير مسبوق: هومنة تأجير العقارات عبر منصات مثل Airbnb والتأجير قصير الأمد، التي يُنظر إليها على نطاق واسع باعتبارها أحد الأسباب الرئيسية لاختناق سوق الإيجار وتعميق أزمة الإسكان.

وفي ظل تصاعد النقاشات حول السياحة المفرطة وأثرها الاجتماعي والاقتصادي ، خاصة في أوروبا، بعد الانتعاش الكبير الذي شهده قطاع السياحة إثر جائحة كورونا في عقد العشرينات، أعرب عدد كبير من سكان روما عن مخاوفهم بشأن التأثير المحتمل لليوبيل الجديد. وقد زادت هذه المخاوف مع تسارع وتيرة التضخم منذ عام 2023، نتيجة الضغوط المتزايدة على السوق.

وكان "جوليو"، طبيب يبلغ من العمر 32 عامًا، واحدًا من بين هؤلاء السكان الذين واجهوا صعوبات حقيقية في إيجاد سكن مناسب. فبعد أن غادر شقته في فبراير من العام الحالي، اضطر إلى الانتقال إلى حي بعيد بعض الشيء للعثور على مكان يمكنه تحمل تكلفته.

ويقول جوليو ليورونيوز ترافل: "لقد بحثت بجد عن منزل للإيجار لا يكون سعره مرتفعًا بشكل مبالغ فيه، لكنني وجدت أن المنطقة التي أعمل فيها – بالقرب من بازيليكا القديس بطرس – أصبحت عمليًا خارج متناول المستأجرين، إذ تم تحويل كل الوحدات تقريبًا إلى إيجارات قصيرة الأجل".

ويضيف: "إن وضع الإيجار في المدينة مأساوي حقًا."

اليوبيل لم يُثمر عن الطفرة المتوقعة

أشارت التقارير التي أُعدت قبل عام 2025 إلى أن نحو 30 إلى 35 مليون حاج سيتوافدون على روما في إطار احتفالات اليوبيل، ليضافوا إلى إجمالي يقدر بـ105 ملايين زائر خلال العام. كان هذا العدد ليشكل رقمًا قياسيًا للعاصمة الإيطالية، حتى إنه كان من المتوقع أن يتفوق على الأرقام التي سجلها يوبيل الألفية قبل 25 عامًا.

لكن المؤشرات المبكرة لهذا العام تشير إلى أن الواقع قد لا يعكس هذه التوقعات بشكل كافٍ، إذ أفادت التقارير بأن عدد الحجاج الذين وصلوا إلى المدينة منذ بداية العام لم يتعدَ بضعة ملايين فقط.

وربما أسهمت وفاة البابا فرانسيس والانتخاب السريع للبابا الجديد، ليو الرابع عشر، في أبريل ومايو الماضيين، في دفع زخم إضافي للزيارة الدينية، لكن المشهد على أرض الواقع لا يشير إلى ارتفاع ملحوظ في أعداد الزوار.

يكفي الحديث العابر مع تجار التجزئة وأصحاب المطاعم وسائقي سيارات الأجرة والعاملين في قطاع الضيافة عمومًا، لاستيعاب حجم خيبة الأمل التي رافقت نتائج اليوبيل حتى الآن.

من بين هؤلاء المستاءين، فيديريكو ندوج، الذي يدير صالون تصفيف شعر مشهورًا بالقرب من السلالم الإسبانية، ويتحدث الإنجليزية بطلاقة، ويستقبل مجموعةً من العملاء الدوليين البارزين، من بينهم الممثلة الأمريكية جين فوندا.

ويقول فيديريكو ليورونيوز ترافل: "موسم الذروة السياحية على الأبواب، وهناك بالفعل عدد كبير من الزوار"، مضيفًا: "لكن الأمور لا تختلف كثيرًا عن المعتاد".

ويختم قائلًا: "أعتقد أن هذا اليوبيل بأكمله تم تضخيمه بهدف تحقيق مكاسب مالية".

بداية مخيبة للآمال

تُعد Tecnocasa ، إحدى أكبر الوكالات العقارية في إيطاليا، واحدة من بين عدد متزايد من الجهات التي سجلت بداية مخيبة للآمال في عام 2025، مشيرة إلى انخفاض بلغت نسبته 8 إلى 10% في معدلات تأجير العطلات خلال الربع الأول من العام.

وصرّحت فابيانا ميجليولا ، في بيان رسمي نيابة عن الشركة: "إن الزيادة الملحوظة في المعروض من العقارات الموجهة للسياحة تعني أن ليس جميعها يجد من يستأجره، ما دفع بعض المالكين للتفكير جديًا في العودة إلى الإيجارات السكنية الطويلة الأجل أو حتى بيع عقاراتهم".

من جانبه، أكد رافاييلي دي باولا ، وهو رجل أعمال روماني يعمل في مجال العقارات ضمن فريق Tecnocasa، خيبة الآمال التي أعقبت بدايات اليوبيل، وأرجع السبب إلى عاملين رئيسيين: التفاؤل غير الواقعي من أصحاب العقارات وتفضيلات الإقامة لدى الحجاج أنفسهم .

ويقول دي باولا: "لقد بدأنا عام 2025 بتوقعات متفائلة للغاية"، مضيفًا: "لكن بعد مرور ستة أشهر، لم تسِر الأمور كما هو متوقع".

ويستطرد قائلًا: "المشكلة تكمن في أن الكثير من أصحاب العقارات كانوا يتطلعون لتحقيق أرباح سريعة من خلال الإيجارات قصيرة الأجل. لكن مثل كل المجالات، فإن النجاح يتطلب التزامًا وجهدًا مستمرين. ولذلك، يتجه الآن العديد من هؤلاء المالكين، سواءً كانوا يستأجرين منازلهم أو استثمروا في شراء عقارات جديدة، نحو العودة إلى نماذج الإيجار الطويل الأجل".

يقول دي باولا: "الحجاج لم يتجهوا إلى أماكن الإقامة عبر Airbnb ، بل اختاروا الأديرة أو الفنادق الواقعة خارج نطاق المدينة. كما قرر العديد من السياح، بعد سماعهم عن اليوبيل، عدم المجيء أساسًا".

ومع ذلك، لا تبدو توقعاته سلبية بالكامل؛ إذ يرى أن المؤشرات الصيفية تُنبئ بنهاية إيجابية للعام.

ويضيف: "لقد بدأت إيجارات العطلات في التعافي خلال هذا الربع الثاني"، مشيرًا إلى أن "الأمر بدأ يتحسن بشكل ملحوظ منذ انتخاب البابا الجديد".

ومن مكتبه القريب من كاتدرائية القديس بطرس ، يؤكد دي باولا أنه يستطيع التنبؤ بقوة الموسم السياحي بمجرد مراقبة طوابير الزوار أمام متاحف الفاتيكان . وفي بعض الأيام، تكون الطوابير طويلة لدرجة أنها تمتد لما يزيد على 400 متر، لتصل حتى مبنى مكتبه.

ويختتم قائلًا: "الأمور تسير بشكل جيد الآن"، مضيفًا: "نحن في طريقنا لإنهاء عام قوي".

نهاية اتجاه الإيجار السياحي

ترسم روزانا دي بونيس ، رئيسة شركة SoloAffitti ، إحدى أكبر وكالات التأجير في إيطاليا، صورةً أقل تفاؤلاً عن وضع إيجارات العطلات، وتُشير إلى أن اليوبيل قد يكون بمثابة ضربة لسوق التأجير قصير الأجل.

وتقول ليورونيوز ترافل: "لقد كانت النتائج كارثية".

دي بونيس تصف مشهدًا يسيطر عليه الإحباط بين أصحاب العقارات، الذين يواجهون أعدادًا متزايدة من الإلغاءات، ويضطرون إلى خفض الأسعار اليومية، بل والعودة مرة أخرى إلى نموذج الإيجارات الطويلة الأجل.

وتضيف: "لقد باع اليوبيل آمالاً كاذبة". "اعتقد الناس أنهم سيحققون صفقة العمر، لكنهم علقوا آمالهم على حجاج لم يأتوا أبدًا. حتى أنني لدي عملاء في قلب المدينة اضطروا إلى تقليص أسعار الليالي الواحدة إلى 100 يورو فقط".

وتشير دي بونيس إلى أن الإيجارات الطويلة الأجل توفر نوعًا من الاستقرار الذي لا يمكن تحقيقه عبر سوق الإيجارات السياحية .

الأكثر أهمية، ترى دي بونيس أن هذه النتائج المخيبة قد تكون مؤشرًا على بداية نهاية الاتجاه المتزايد نحو تحويل الشقق إلى أماكن إقامة فندقية عبر منصات مثل Airbnb ، وهو اتجاه كان قد حوّل العديد من المدن إلى ما يشبه "الملاعب السياحية".

وتقول: "لقد وصل هذا الاتجاه إلى ذروته".

وتستطرد: "الرومان ليسوا من النوع الذي يتحمل الانتظار الطويل – فإما أن يروا نتائج فورية، أو لا شيء على الإطلاق". "ومع غياب هذه النتائج الآن، يفكر المزيد من مالكي العقارات في العودة إلى النموذج التقليدي للإيجار السكني".

اذهب للمصدر