بقلم: Clara Nabaa & يورونيوز
نشرت في 19/06/2025 - 20:00 GMT+2
اعلان
مع وصول حاملة طائرات أمريكية إلى الشرق الأوسط، وتصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التي دعا فيها إلى "استسلام غير مشروط" للمرشد الأعلى الإيراني، يبدو أن المشهد يتجه نحو مزيد من التعقيد.
وقد أدانت قوى كبرى من حلفاء النظام في طهران مثل روسيا والصين الهجمات الإسرائيلية، لكن هل سيقتصر موقفهم على التصريحات والإدانات، أم هم فعلا على استعداد للدخول على خط النار بالنظر إلى المصالح التي تجمعهم بالجمهورية الإسلامية.
الصين
في المشهد الدولي، تبرز الصين كأهم داعم اقتصادي لإيران، لكنها تلتزم الحذر في مقاربتها لأي تصعيد عسكري. فبكين، التي تشتري نحو 90% من صادرات النفط الإيرانية، تعتمد بشكل متزايد على استقرار المنطقة لضمان تدفّق الطاقة.
وإن العلاقة بين الطرفين تتجاوز الاقتصاد أيضًا، فقد أجرت إيران والصين وروسيا مناورات عسكرية مشتركة في آذار/مارس الماضي عند مدخل مضيق هرمز، في رسالة رمزية تتعلق بحماية خطوط الملاحة الحيوية. كما اتهمت واشنطن شركات صينية بتزويد طهران بقطع غيار تدخل في صناعة الطائرات المسيّرة، ما يُظهر تقاطعًا في المصالح الأمنية والتكنولوجية.
في 17 حزيران/يونيو، أدان الرئيس الصيني شي جين بينغ الهجمات الإسرائيلية خلال اجتماع مع دول آسيا الوسطى، محذرًا من التصعيد في الشرق الأوسط، ومؤكدًا أن بلاده "تعارض أي إجراء يقوّض سيادة الدول الأخرى".
ورغم هذه الإدانة العلنية، لم تذهب بكين أبعد من ذلك في دعم إيران. فسياساتها التقليدية في الشرق الأوسط تستند إلى مبدأ "عدم التدخل"، ما يجعل تحرّكها محصورًا غالبًا في إطار الدبلوماسية.
باكستان
إضافة إلى جوارها الجغرافي مع إيران، تُعدّ باكستان من أبرز الدول الإسلامية المعارضة لإسرائيل. وفي الأسابيع الماضية، كثّف قادة البلدين رسائل التضامن، كما ترددت مزاعم عن تعهّد إسلام آباد بالرد النووي إذا تعرّضت طهران لهجوم نووي، وإن لم تُؤكد رسميًا.
ترى إسلام آباد أن تعزيز علاقاتها مع طهران قد يشكل بوابة لتعميق شراكتها مع الصين وروسيا، الشريكتين الاستراتيجيتين اللتين تسعيان إلى تقليص النفوذ الأمريكي في جنوب آسيا. وقد يدفع هذا التلاقي إلى إعادة إحياء مشاريع اقتصادية مجمّدة، مثل خط أنابيب الغاز الإيراني-الباكستاني، الذي عرقلته واشنطن لفترة طويلة.
لكن هذا القرب لا يخلو من التناقضات. فباكستان، المحاصرة بأزمات داخلية عميقة تشمل التضخم وتدهور الوضع الاقتصادي والاضطرابات السياسية، تجد نفسها مضطرة للموازنة الدقيقة بين ولائها التقليدي لقضايا المسلمين، وبين علاقاتها الاستراتيجية مع دول الخليج والولايات المتحدة.
لذلك، يبدو أن باكستان تحاول حتى الآن تفادي التورط المباشر. فقد صرّح وزير الدفاع خواجة آصف أن بلاده "لم تنخرط في أي تعاون عسكري جديد مع طهران" منذ بدء الهجمات الإسرائيلية، وأنه لم تُجرِ محادثات محددة مع الولايات المتحدة بشأن الأزمة.
روسيا
تُعدّ روسيا حليفًا رئيسيًا لإيران، بشراكة سياسية وعسكرية تطورت في السنوات الأخيرة، خصوصًا في ظل التوتر المتصاعد مع الغرب. ومع ذلك، تبقى موسكو حذرة في ترجمة هذا التحالف إلى التزامات عسكرية مباشرة، وتحرص على الفصل بين الدعم السياسي والاصطفاف الميداني، لا سيما في ظل انشغالها بالحرب في أوكرانيا.
منذ بدء الضربات الإسرائيلية على المنشآت الإيرانية، عبّرت موسكو بوضوح عن موقفها، ووصفت الهجمات بأنها "غير قانونية" وتشكل "تهديدًا غير مقبول للأمن الدولي"، متهمةً القوى الغربية بمحاولة استغلال التصعيد لتصفية حسابات سياسية.
لكن هذا الدعم لم يتجاوز الإطار السياسي والإعلامي. فعلى الرغم من اتفاقية استراتيجية كبرى وُقّعت بين موسكو وطهران في وقت سابق من العام، فإنها لا تتضمن أي بند يُلزم الطرفين بالدفاع المشترك في حال نشوب حرب.
بدوره، حرص الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على ضبط التوقعات، حيث نفى بشكل قاطع وجود أي طلب من طهران بالحصول على دعم عسكري روسي، قائلاً: "أصدقاؤنا الإيرانيون لم يطلبوا منا أي مساعدة عسكرية".
وأضاف أن الضربات الإسرائيلية، بدلًا من إضعاف النظام في طهران، أدت إلى "تعزيز الدعم الشعبي للقيادة السياسية".
وفي موازاة ذلك، اقترحت موسكو أداء دور الوسيط لاحتواء التصعيد. فقد صرّح مساعد الكرملين يوري أوشاكوف أن الرئيس بوتين أبلغ نظيره الصيني شي جين بينغ باستعداد روسيا "للقيام بجهود وساطة محتملة في الشرق الأوسط إذا اقتضت الضرورة".
"محور المقاومة"
ضمن استراتيجيتها الإقليمية، تعتمد إيران على شبكة من الجماعات المسلحة المتحالفة معها، تُعرف باسم "محور المقاومة"، وهي تمتد من لبنان إلى العراق واليمن وغزة. هذا المحور شكّل عنصر ردع غير رسمي ساعد طهران في تفادي مواجهات مباشرة مع إسرائيل والولايات المتحدة، ووفّر لها هامش مناورة عسكري وسياسي واسع.
في لبنان، يُعدّ حزب الله أبرز أذرع إيران العسكرية، رغم تراجع جزء من قدراته بعد الحرب الإسرائيلية الأخيرة التي ألحقت أضرارًا بالبنية التحتية ودمّرت قسمًا من ترسانته، بحسب الرواية الإسرائيلية. أما في العراق، فتتمركز فصائل الحشد الشعبي، وعلى رأسها كتائب حزب الله، التي هدّد قائدها مؤخرًا باستهداف القوات الأمريكية في حال تطور التصعيد ضد طهران.
في اليمن، يبرز الحوثيون كأكثر المجموعات الموالية لإيران نشاطًا في المرحلة الراهنة، إذ واصلوا إطلاق الصواريخ والطائرات المسيّرة على إسرائيل تضامنًا مع غزة.
أما في غزة، فرغم تعرض حركتي حماس والجهاد الإسلامي لضغوط عسكرية شديدة، فإن العلاقة الوثيقة التي تربطهما بطهران لا تزال قائمة، وتُترجم دعمًا مستمرًا منذ سنوات.
ولكن حتى الآن، ليس من الواضح ما إذا كانت أي من هذه الجماعات ستنخرط في مواجهة مفتوحة وشاملة إلى جانب إيران.
أما القوى الكبرى، فحتى الآن لا يبدو واضحًا ما إذا كانت ستنخرط فعليًا في مواجهة عسكرية مباشرة إلى جانب إيران. فالصين تلتزم بسياسة عدم التدخل، وروسيا تتجنّب المجازفة بعلاقاتها مع الغرب.
ويبقى السؤال: هل تكفي هذه العلاقات المتشابكة لإنقاذ طهران من العزلة العسكرية؟ أم أن الحرب القادمة، إذا اندلعت، ستكون اختبارًا حقيقيًا لتلك التحالفات؟