والد ووالدة في غزة

صدر الصورة، Getty Images

    • Author, سوزانا قسوس
    • Role, بي بي سي نيوز عربي
  • قبل دقيقة واحدة

في غزة، تغيب الشمس على أصوات القصف وتصبح اللحظات الأخيرة كل ما تبقّى للعائلات من أحبّتهم الذين رحلوا.

نشرت الصحفية الفلسطينية وعد أبو زاهر سؤالاً عبر حسابها على فيسبوك: "ما الجملة الأخيرة التي قالها لك قبل أن يستشهد؟"، سؤال يحمل في طياته ثقل الفقد كله، وكانت الإجابات بمثابة سجل توثيقي لمن فقد أحبة أو أقارب أو أصدقاء في الحرب.

"تنسيش تكتبي عني دائماً"

الجمل الأخيرة لا تُنسى، وتظل حاضرة في القلب كما لو أنها قيلت الآن، يافا محمد كتبت آخر كلمات أخيها "تنسيش تكتبي عنّي دائماً. تنسينيش. بديش أكون رقم. تصدّقي عنّي. كلميني بالمحادثة حتى إذا ما رديت. انشري استغفار على روحي. جوعانة. بدي قهوة. بدي أحكيلك إشي مهم. اشتقت لكتبي. راجعين. يارب هدنة. تعبت. يا رب استشهد. تزعليش علي. ماما بتسلم عليك. تعيطيش علي ماشي؟ تعيطيش. اكتبي دائماً".

تُعلق يافا على آخر كلمات شقيقها: "الكثير، الكثير. كلماتُهم تنهش رأسي، وتُحدِث في عقلي ضجيجاً لا يهدأ، الله يرحمهم ويرضى عنهم".

في كلماته الأخيرة، حاول زوج راوند حسين أن يطمئن قلبها، بكلمات من الإيمان بالرجاء ووعد باللقاء. تكتب راوند: "تقلقيش محدش بيموت ناقص عمر. لما نلتقي بعوضك عن كل هاي الأيام، الي بيسبق فينا الثاني بستنى عند الزيتونة الي ورا وادي العسل. المهم عرفتي المكان؟ أنا رح أسبقك وأستناكي هناك".

إسراء سهمود تتذكر شقيقها وتقول: "حبيبي الله يتقبله، قال لإمي: "ليش خايفة أنا مش خايف أنا قارئ أذكار الصباح، أنتِ قرأتيهم، إقرأيهم"، وبعدها بساعات راح. الله يتقبله".

"وصية تختصر الحب والخوف والوداع"

آية أبو جامع تروي قصتها: "كانت كلماته الأخيرة لي بمثابة وصية تختصر الحب والخوف والوداع".

"زوجي أبو كنان قبل استشهاده بنصف ساعة: آية، انتبهي على حالك وع الأولاد، وكلي أمرك لربنا وكل واحد بياخذ نصيبه، حاولي تتجاهلي خوفك، ما حد بياخذ عمر غيره يا حبيبتي، والله ما حد بيرفع الموت عنّا، خلص استوعبي ما تضلك خايفة كل شوي هيك، وما تقلقي".

"أولادك معك و سندك. ضلك قوية، الدنيا ما بدها غير القوي".

"اعمل عني عمرة"

كانت هذه آخر محادثة لإبراهيم طبازة مع أخته تسنيم، توصيه فيها أن يؤدي العمرة عنها وعن زوجها بعد رحيلهما، وأن يتصدّق عن أرواحهما، وأن يقوم برعاية أطفالهما، خصوصاً ابنتهما ماسة، التي لا تنام الليل من القصف والخوف. وبعدها رحلت تسنيم ورحل خالد ورحلت ماسة.

لقطة من محادثة إبراهيم مع أخته تسنيم

صدر الصورة، لقطة من محادثة إبراهيم مع أخته تسنيم

التعليق على الصورة، لقطة من محادثة إبراهيم مع أخته تسنيم

"أحلى إشي في الجنة فش تعباية مية"

رسمة لطفل بين ركام منزل

صدر الصورة، Getty Images

قبل أن يودّعهم إلى الأبد، استمع علاء الحسنات إلى كلمات ستبقى محفورةً في ذاكرته ما دام حياً.

علاء يروي آخر لحظاته مع أشقائه: "أخي أبو الطاهر، سألته عن آخر الأخبار قلي "إنك ميت وإنهم ميتون".

أما أحمد، أعطانا محاضرة عن مرتبة الشهداء وصار يشرح شو إلهم بعد الموت. "سلسبيل اختي قالت يا سلام يعني حنقعد جمب بعض!"

أخي عز الدين قال: "أحلى إشي في الجنة فش تعباية مية"!

ترفق ليلى خالد الصورة أدناه لما يبدو أنه محادثة مع صديقتها سماح، وتُعلّق: "راحت الغالية".

محادثة ليلى مع صديقتها سماح

صدر الصورة، محادثة ليلى مع صديقتها سماح

التعليق على الصورة، محادثة ليلى مع صديقتها سماح

"متقلقيش يا مرتي"

أسماء وليد تتذكر لحظات خروج زوجها من البيت.

"كنت بترجاه يخلي باله من نفسه عشاني وعشان ولاده. وكان رده: "متقلقيش يا مرتي"."

"والله بنسأل حالنا كل يوم، لسا الناس عارفين انه في تقريبا 160 شهيد يومياً؟ 1000 شهيد أسبوعياً؟"، كانت الرسالة الأخيرة من هيثم النباهين لصديقه خير الدين.

"طفلتي ياسمين ذات العامين والنصف، حكتلي ماما أنا خايفة كتير وطلبت مني ألبسها لبس أخوها واستشهدت فيه. حبيبتي. بتمنى الآن تكون لقت الأمان والراحة الي انحرمنا منها"، هكذا تصف زينب أبو سويرح آخر لحظاتها من ابنتها.

تحرير مهنّا كانت تنتظر أختها لتحضير كعك العيد معاً: "أختي عيوني فداء حكتلي مسافة نص ساعة يختي وبكون عندك أعملك كعك العيد. ولليوم ما أجت".

صفاء سليلة تلخّص عاماً من الانتظار والأمل المعلّق، بعبارة موجعة في بساطتها: "زوجي ورفيق دربي كان النا أكتر من سنة مش شايفينه. الحمد لله على كل حال".

محادثة صفاء مع زوجها

صدر الصورة، محادثة صفاء مع زوجها

التعليق على الصورة، محادثة صفاء مع زوجها

محمد فخري يستعيد آخر ما وصله من صديقه عاصم، حين كان يروي صديق آخر قصة اعتقال صديقهما، فبادره عاصم بالتأكيد على أهمية ذكر من اعتقله، وكيف اعتُقل، في وثيقة رسمية ربما كانت مُرسلة إلى الحكومة الإسرائيلية كاعتراض على حادثة الاعتقال.

تعليق على فيسبوك

صدر الصورة، تعليق على فيسبوك

التعليق على الصورة، تعليق على فيسبوك

يحيى أبو زكريا كتب: "أختي رانيا ربنا يتقبلهم بعتتلي مسج (رسالة نصية) بتقول: حاسة إنه في حدا منا رح يروح".

أجابها: "اذكري ربنا وروقي".

ردت عليه رانيا: "والله حاسة أنا الي رح أروح وأترككم".

ثاني يوم، قصف منزلها وراحت هي وأطفالها.

صورة نشرها يحيى أبو زكريا لأولاد أخته رانيا

صدر الصورة، صورة نشرها يحيى أبو زكريا لأولاد أخته رانيا

التعليق على الصورة، صورة نشرها يحيى أبو زكريا لأولاد أخته رانيا

"شو أول شغلة حتطلبها من ربنا أول ما تشوفه"، هذا ما قاله بلال لصديقه جود.

والبعضُ اكتفى بجملة واحدة: "شكلها قربت. دير بالك على حالك".

صورة تعبيرية

صدر الصورة، Getty Images

الابتسامة الأولى واللقاء الأخير

لا تزال كلمات زوج آلاء تتردد في ذهنها كأنها تُقال الآن. فهي أخبرته أن يداعب ابنتهم الرضيعة سارة.

قال لها: "سوسو بابا حبيبي".

سارة، ذات الخمسة أيام، ابتسمت للمرة الأولى، آنذاك.

كان بين ولادة طفلتهم الأولى ورحيل أبيها 5 أيام فقط. حتى لامسني شعور الغيرة لماذا ضحكت لأبيها ولم تضحك لي.

ثم قلت له: "خايفة الأخبار مرعبة والقصف جداً مرعب".

"قال لي بعبارة الواثق وابتسامة لم أرها من قبل وكأنّ الشهداء ابتسامهم أجمل مما نتصور: "حطوا ايديكم بمي باردة وما تخافي اللي كاتبه ربنا بصير".

أصررت عليه بأن ينتبه على نفسه قال: "ديري بالك على حالك وعلى البنت"، ونبقى على تواصل، وانقطع الاتصال.

"أحيا على أمل أن يعود الاتصال او على أمل رؤية تلك الضحكة الأخيرة، لقد كانت الأجمل على الإطلاق".

ثم يبقى سؤالي الأكثر حيرة في بالي: "ماذا كانت جملته الأخيرة قبيل قصف المنزل إذ كان هو وعمه وابن عمه؟ كل ليلة أساله لنفسي ثم تغفو عيني ودموعي تبلل وسادتي".

"هذا زوجي وحبيبي مصعب".