بقلم: يورونيوز
نشرت في 01/09/2025 - 20:15 GMT+2
اعلان
أطلق الرئيس الصيني شي جين بينغ والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، من على منبر قمة منظمة شنغهاي للتعاون في مدينة تيانجين، سلسلة من التصريحات الحادة تجاه السياسات الغربية، داعيين إلى بناء نظام عالمي جديد يقوم على "التعددية الحقيقية" ويرفض "الهيمنة والانقسام إلى كتل"، في أبرز تجمع جيوسياسي لدول الجنوب العالمي منذ بداية العام.
وخلال الجلسة الافتتاحية للقمة التي حضرها نحو 20 من قادة دول أوراسيا، أكد شي جين بينغ أن "الوضع الدولي بات أكثر فوضى وتعقيداً"، ودعا إلى "تعزيز منظور تاريخي دقيق للحرب العالمية الثانية، والتصدي لعقلية الحرب الباردة". وقال: "علينا أن نرفض سياسات الترهيب، ونعمل على بناء نظام عالمي أكثر عدالة، لا تهيمن عليه قوة واحدة".
وشدد شي على أن "التحديات الأمنية والتنموية التي تواجه الدول الأعضاء أصبحت أكثر تعقيداً"، مضيفاً: "في عالم يشهد اضطرابات وتحولات عميقة، يجب أن نمضي قدماً معاً لتأدية مهام منظمتنا بشكل أفضل".
مبادرة الحوكمة العالمية
وطرح شي جين بينغ، اليوم الاثنين، تفاصيل ما وصفه بـ"مبادرة الحوكمة العالمية"، داعياً إلى إعطاء الجنوب العالمي دوراً مركزياً في صياغة مستقبل النظام الدولي. وقال: "يجب أن نواصل اتخاذ موقف واضح ضد الهيمنة والسياسة القائمة على القوة، ونمارس تعددية حقيقية".
وأضاف: "وصلت الحوكمة العالمية إلى مفترق طرق جديد"، في إشارة واضحة إلى التوترات الناتجة عن سياسات الرسوم الجمركية التي يتبعها الغرب، خصوصاً الولايات المتحدة.
وأعلن شي عن إنشاء بنك تنموي جديد تابع لمنظمة شنغهاي للتعاون، في خطوة استراتيجية تهدف إلى دعم المشاريع التنموية دون الاعتماد على المؤسسات المالية الغربية. وأكد أن الصين ستُقدّم مساعدات مجانية بقيمة ملياري يوان (280 مليون دولار) للدول الأعضاء هذا العام، إضافة إلى قروض بقيمة 10 مليارات يوان لمجموعة المصارف الإقليمية التابعة للمنظمة.
كما كشف عن عزم الصين إنشاء مركز للتعاون في مجال الذكاء الاصطناعي للدول الأعضاء، وتوفير فرص مشاركة في محطتها القمرية للأبحاث.
بوتين: الأزمة أوكرانية نتاج انقلاب دعمه الغرب
في خطاب مباشر وحاسم، دافع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن العملية العسكرية في أوكرانيا، معتبراً أن "هذه الأزمة لم تكن ناجمة عن الهجوم الروسي على أوكرانيا، بل كانت نتيجة انقلاب في أوكرانيا دعمه وتسبّب به الغرب".
وأضاف: "السبب الثاني لهذه الأزمة هو المحاولات الدائمة للغرب لجرّ أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي".
وأشار بوتين إلى أن منظمة شنغهاي للتعاون تمثل "التعددية الحقيقية"، مع تزايد استخدام العملات الوطنية في التسويات بين الدول الأعضاء.
وقال: "وهذا بدوره يُرسي الأساس السياسي والاجتماعي-الاقتصادي لبناء نظام جديد للاستقرار والأمن في أوراسيا. وهذا النظام الأمني، على عكس النماذج الأوروبية أو الأطلسية، سيأخذ بجدية مصالح طيف واسع من الدول، وسيكون متوازنًا حقًا، ولن يسمح لأي دولة بضمان أمنها على حساب أمن الدول الأخرى".
وأكد بوتين أن روسيا تنسق بشكل وثيق مع الهند، ووصف العلاقة مع رئيس الوزراء ناريندرا مودي بـ"الصداقة المميزة". وخلال لقاء ثنائي، خاطب بوتين مودي باللغة الروسية قائلاً: "عزيزي السيد رئيس الوزراء، يا صديقي العزيز".
أوكرانيا تدعو الصين للتحرك من أجل السلام
وعقب مشاركة بوتين في القمة، حثّت كييف بكين على التحرك بشكل أكبر لإحلال السلام في أوكرانيا.
وجاء في بيان لوزارة الخارجية الأوكرانية: "نظراً للدور الجيوسياسي المهم لجمهورية الصين الشعبية، يسعدنا أن تؤدي بكين دوراً أكثر فعالية في إرساء السلام في أوكرانيا".
مودي ينشر لقطة مع بوتين: "المحادثات دائماً ما تكون مفيدة
وفي مشهد رمزي لاقى تداولاً واسعاً، ظهر شي وبوتين ومودي وهم يتحادثون قبل افتتاح القمة والتُقطت صور لهما وهما يتصافحان، في لفتة تُعزز الصورة الجماعية للتضامن بين القوى غير الغربية. وشارك مودي لاحقاً في سيارة بوتين المصفحة من طراز "أوروس" الروسية أثناء توجههما إلى اجتماع ثنائي بينهما.
وكتب مودي لاحقاً على منصة "إكس": "المحادثات معه دائماً ما تكون مفيدة".
وكان مودي قد وصل إلى تيانجين في أول زيارة رسمية له إلى الصين منذ عام 2018. وأكد خلال لقائه شي جين بينغ: "نحن ملتزمون بالمضي قدماً في علاقاتنا على أساس الثقة المتبادلة والكرامة".
واتفق الجانبان على اعتبار البلدين شريكين في التنمية، وليس منافسين، وناقشا سبل تحسين التبادل التجاري.
لقاءات مكثفة وتحركات رمزية
وصل بوتين صباح الأحد بعيداً عن الأضواء، رغم ترؤسه وفداً سياسياً واقتصادياً كبيراً، بحسب ما أفادت وسائل الإعلام الرسمية الروسية والصينية. وعقد شي سلسلة من الاجتماعات الثنائية المتتالية مع عدد من القادة، من بينهم الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشنكو، أحد حلفاء بوتين المقرّبين، ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي.
وشارك في القمة الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، والرئيس التركي رجب طيب إردوغان، ورئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف.
والتقى بوتين وإردوغان على هامش القمة، وأشاد بوتين بجهود أنقرة للتوسط بين روسيا وأوكرانيا، قائلاً: "أنا واثق بأن الدور الخاص الذي تؤديه تركيا في هذه المسائل سيظلّ مطلوباً".
الملف النووي الإيراني في صدارة المباحثات
وعقد بوتين اجتماعاً ثنائياً مع الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، الإثنين، ركّز على البرنامج النووي الإيراني. وكانت الرئاسة الروسية قد أعلنت مسبقاً أن هذا الاجتماع سيتناول خصوصاً دعم موسكو لطهران في الملف النووي.
وتُتهم الدول الغربية إيران بالسعي إلى امتلاك سلاح نووي، وقد قامت فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة مؤخراً بتفعيل آلية "سناباك" لإعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة على طهران، بعد تعليقها قبل عشرة أعوام.
وترفض طهران هذه الاتهامات، وتدافع عن حقها في تطوير برنامج نووي مدني. ودعت روسيا، الجمعة، الدول الغربية إلى "العودة للمنطق وإعادة النظر في قراراتها الخاطئة"، محذرة من "تداعيات لا يمكن إصلاحها" جراء سياساتها تجاه إيران.
كيم جونغ أون يُشارك في العرض العسكري
من المقرر أن يمكث بوتين وبزشكيان حتى الأربعاء لحضور عرض عسكري ضخم في العاصمة بكين، يُقام بمناسبة الذكرى الثمانين لنهاية الحرب العالمية الثانية والانتصار على اليابان.
وسيُشارك فيه الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون، في زيارة نادرة خارج بلاده، وتُعدّ من أبرز مشاركاته في فعالية دولية منذ سنوات.
وسيُعد هذا العرض جزءاً من سلسلة أحداث تسعى الصين من خلالها إلى إظهار نفوذها الدبلوماسي وقوتها العسكرية في وقت تُقدّم نفسها كقطب للاستقرار في عالم منقسم.
وقد أصبحت كوريا الشمالية أحد الحلفاء الرئيسيين لروسيا في حرب أوكرانيا، ويشتبه حلفاء أوكرانيا الغربيون في أن بيونغ يانغ تزود موسكو بصواريخ وذخائر ثقيلة.
منظمة شنغهاي: من تكتل أمني إلى قطب جيوسياسي
تضم منظمة شنغهاي للتعاون عشر دول أعضاء هي: الصين، روسيا، الهند، باكستان، إيران، كازاخستان، قرغيزستان، طاجيكستان، أوزبكستان، وبيلاروس. كما تضم 16 دولة بصفة مراقب أو شريك، وتمثل نحو نصف سكان العالم و23.5% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي.
وقد تطورت المنظمة من كيان أمني إقليمي إلى لاعب رئيسي في النظام الدولي، تُقدّم نفسها كقوة موازنة لحلف شمال الأطلسي، وتعمل على تعزيز التعاون الاقتصادي والأمني بين الدول غير الغربية.
تُعدّ هذه القمة الأكثر أهمية لمنظمة شنغهاي للتعاون منذ إنشائها عام 2001، وتعقد في ظل أزمات متعددة تطال أعضاءها بصورة مباشرة، من المواجهة التجارية بين الولايات المتحدة والصين والهند، إلى الحرب بين روسيا وأوكرانيا، وصولاً بالملف النووي الإيراني.