تسير دولة الكويت بخطى ثابتة نحو تحقيق رؤية اقتصادية شاملة ترتكز على مبادئ الاستدامة، التنويع، والابتكار، ساعيةً إلى بناء اقتصاد مرن قادر على مواجهة التحديات العالمية، وتقليل الاعتماد على الموارد النفطية كمصدر رئيسي للدخل.
وفي ظل التحولات الاقتصادية المتسارعة إقليمياً ودولياً، تعمل الكويت على تعزيز تنافسيتها من خلال إصلاحات هيكلية وتشريعية طموحة، وتوسيع آفاق الاستثمار في البنية التحتية، والتعليم، والخدمات اللوجستية، بما ينسجم مع رؤيتها المستقبلية لبناء اقتصاد معرفي متنوّع.
خطوة إستراتيجية محورية
ومن هذا المنطلق، تُعد عودة الكويت إلى الأسواق العالمية للاقتراض خطوة إستراتيجية محورية، تدعم أهداف التنمية وتضع الأسس المتينة لمرحلة جديدة من النمو المستدام.
ويأتي هذا القرار استكمالاً لنهج تاريخي، اعتمدته الكويت منذ عام 1987، في استخدام أدوات الدين العام لتحقيق الاستقرار الاقتصادي، ودفع عجلة النمو.
ويشكّل المرسوم بقانون في شأن التمويل والسيولة الصادر هذا العام، محطة تحول رئيسية، حيث أرست الدولة من خلاله أكبر إطار قانوني متكامل في تاريخها لإدارة الدين العام، متضمناً آجال استحقاق تمتد حتى 50 عاماً وسقف اقتراض يبلغ 30 مليار دينار.
وتعكس العودة إلى أسواق الدين العام جزءاً من رؤية استراتيجية أوسع تهدف إلى تعزيز المركز المالي للكويت وتمكينها من دخول الأسواق العالمية بثقة ورؤية اقتصادية واضحة المعالم.
رؤية بعيدة المدى
ستُدار هذه الخطة من قبل اللجنة الثلاثية المعنية بملف الدين العام، والتي تضم في عضويتها ممثلين رفيعي المستوى من وزارة المالية، بالإضافة الى بنك الكويت المركزي، والهيئة العامة للاستثمار؛ الجهتان اللتان تسلمتا تفويضاً رسمياً بتاريخ 25 مايو 2025 إيذاناً بتنفيذ عمليات الاقتراض بالنيابة عن الوزارة، حيث تضطلع اللجنة بمسؤولية رسم ملامح السياسة التمويلية للدولة، بما يضمن أن تكون قرارات الاقتراض مدروسة بعناية ومرتبطة بالرؤية الاقتصادية بعيدة المدى للكويت. ويتيح النهج الذي تتبعه اللجنة تعزيز قدرة الدولة على التكيّف مع المتغيرات الاقتصادية العالمية وتقلبات أسعار النفط، بما يضمن دخولاً مدروساً ومستداماً إلى الأسواق المالية.
تمويل المشاريع الكبرى
عودة الكويت إلى أسواق الدين العام ستتم في عملية طرح مدروسة تهدف إلى تعزيز الاستقرار المالي وجذب المستثمرين المحليين والعالميين. ويُعد بناء منحنى العائد السيادي جزءاً أساسياً من هذه الإستراتيجية، حيث سيعمل كمعيار لنمو القطاع الخاص من خلال توفير مؤشرات واضحة لتكلفة الاقتراض. هذه المبادرة من المتوقع أن تعزّز سوق الدين المحلي في الكويت، ما يمهد الطريق لإصدارات الشركات ويدعم التوسع الاقتصادي.
سيتم استخدام رؤوس الأموال المُجمعة من هذه الإصدارات، في تمويل مشاريع تنموية كبرى. وستتركّز هذه الاستثمارات بشكل خاص على تطوير البنية التحتية، بما يشمل تحديث شبكات الطرق والجسور، وإنشاء مستشفيات ومدارس حديثة، ما من شأنه تعزيز جودة الخدمات العامة والارتقاء بمستوى معيشة المواطنين والمقيمين على أرض الكويت.
كما تضع الكويت التنمية الاقتصادية في صلب أولوياتها، من خلال استثمارات ضخمة في قطاع الخدمات اللوجستية وتطوير البنية التحتية للموانئ، بهدف تعزيز حركة التجارة وترسيخ موقع الدولة كمركز لوجستي إقليمي بارز. وتُعد هذه المشاريع رافعة أساسية لتوفير فرص عمل نوعية للشباب الكويتي، ودعم الابتكار، وتسريع وتيرة التنويع الاقتصادي. ومن خلال هذا التوجه، تمضي الكويت نحو بناء اقتصاد أكثر صلابة وأقل اعتماداً على عائدات النفط، وأكثر انفتاحاً على الأسواق الإقليمية والعالمية.
زيادة الإيرادات غير النفطية
وفي هذا السياق، تواصل الحكومة تنفيذ حزمة من الإصلاحات الاقتصادية والمالية المتوازية، تهدف إلى رفع الكفاءة التشغيلية وزيادة الإيرادات غير النفطية. وتشمل هذه الجهود إعادة تسعير الخدمات الحكومية، وإصدار لائحة تسعير لأراضي وأملاك الدولة، بالإضافة إلى مراجعة وتقييم منظومة الدعومات. كما تعمل الحكومة على استكمال هذه الإصلاحات بإطار تشريعي داعم، يشمل إصدار مجموعة من القوانين الحيوية لتحفيز النمو المحلي، من ضمنها قانون الصكوك الحكومية، والتعديلات المرتقبة على قانون رقم 126 لسنة 2023 بشأن مكافحة احتكار الأراضي الفضاء وقانون رقم 105 لسنة 1980 في شأن نظام أملاك الدولة.
وتأتي هذه الإصلاحات كجزء لا يتجزأ من التوجه الاقتصادي الأشمل، بما يعزز جاهزية الدولة للعودة الإستراتيجية إلى أسواق الدين بخطى واثقة، للحفاظ على أصولها الوطنية والوصول إلى مصادر تمويل متنوعة، تُمكّنها من إدارة الدورات الاقتصادية بكفاءة واستباقية.
إن عودة الكويت إلى الأسواق العالمية تحمل رسالة واضحة: الدولة ملتزمة بالتنمية المستدامة، التنويع الاقتصادي، وضمان مستقبل آمن ومستقر لمواطنيها. من خلال هذا الإطار، تضع الكويت أسساً قوية للنمو المستدام، بنية تحتية متينة، وفرصاً متزايدة لأبنائها.
-------------
* وزيرة المالية وزيرة الدولة للشؤون الاقتصادية والاستثمار