علا خضارو: القصيدة جسر بين الواقع الشعري والمعيش

6 hours ago 4

#ثقافة وفنون

نجاة الظاهري اليوم 16:41

محبة للطبيعة والشعر، وإذا اجتمع الاثنان؛ فلا بدَّ أن تكون القصيدة نابضة بالحياة. علا خضارو شاعرة لبنانية شاركت، مؤخراً، في برنامج «أمير الشعراء»، فألقت قصائدها على مسرح شاطئ الراحة في أبوظبي، باعثةً مشاعر الحب والإنسانية إلى العالم؛ فالقصيدة بالنسبة لها هي الحياة، وتتعامل معها كما تتعامل الأم مع وليدها. كما زرعت والدتها بداخلها حب الموسيقى، خاصة الكلاسيكية، التي رافقتها منذ الصغر. فجذبتها - بشكل خاص - المواضيع الإنسانية، التي تحرّك العاطفة، وتلامس هموم الناس وآمالهم.. في هذا الحوار مع «زهرة الخليج»، فتحت لنا خضارو أبواب رؤيتها الشعرية، وتحدثت عن علاقتها العميقة بالطبيعة، وبداياتها مع اللغة، وتكوينها الثقافي والفني:

  •  القصيدة جسر بين الواقع الشعري والمعيش علا خضارو: القصيدة جسر بين الواقع الشعري والمعيش

طريق القصيدة

ماذا تعني لك القصيدة، وكيف تصلين إليها، وتكتبينها؟

القصيدة بالنسبة لي هي الحياة؛ فأتعامل معها كما تتعامل الأم مع وليدها، وأحاول - قدر المستطاع - أن أغذّيها، وأحبّها، وأصغي إلى صوتها الداخلي، وكذلك أعيش معها فترة طويلة قبل أن تخرج إلى الوجود بأحلى صورة ممكنة. تأخذ مني القصيدة كل شيء، كي تولد بشكلٍ يصل إلى الناس، دون أي تكلّف. وتختلف طريقة كتابة القصيدة من نص إلى آخر؛ فلكل نصٍّ بذرته الخاصة، وظروفه، وأحاسيسه. وليست هناك وصفة ثابتة أو طريقة يمكن تحديدها، لكنها تبدأ عادةً بشرارة داخلية، تُشعل قلقاً دائماً، كأن هناك شيئاً يحتاج إلى وقت وغذاء؛ ليخرج إلى السطح، كالطفل تماماً، يجب أن يولد بصحة جيدة، ومبتسماً.

ما الظروف التي هيأت علا خضارو؛ لتصبح شاعرة؟

 من الصعب أن يحصر الإنسان كل العوامل التي ساهمت في تشكيل شخصيته، خاصة عندما تكون هذه الشخصية شاعرية. لكنني أستطيع القول بأن هناك محورين رئيسيين لذلك: الأول: علاقتي العميقة بالطبيعة، فمنذ طفولتي وأنا أعيش تماساً مباشراً مع تفاصيل الطبيعة (الأشجار، والزهور، والغيم، والماء، والعصافير)؛ فكل هذه التفاصيل اليومية كانت تشكّل لي عوالم كاملة، مليئة بالحياة، والكلام، والمشاعر. كنت أرى «الورد يتكلم»، وكنت أحاول إقناع الجميع بذلك. كما كنت أعتقد أن له روحاً تتألم، وأنه لا يجوز أن نتركه خارجاً في البرد، بل علينا إدخاله؛ ليشعر بالدفء. كذلك، كنت أفكّر في العصافير التي تبحث عن عش جديد، وأشعر بألم الشجرة؛ حينما ترحل عنها أوراقها، والعصافير، في الخريف. أظن أن هذه العلاقة العميقة مع الطبيعة أسهمت - بشكل كبير - في بناء شخصيتي الشاعرة. الثاني: محيطي العائلي، خاصة والديَّ، فوالدي - في طفولتي - كان يحفظّني الكثير من القصائد، بعد القرآن الكريم، والأحاديث النبوية، والسِّيَر، وكان يخبرني بأن المعاني الصعبة التي كنت أواجهها - وقتها - في المعلقات ستمنحني، لاحقاً، شغف البحث عنها حينما أكبر، وفعلاً، شكّل ذلك لديّ معجماً لغوياً ذاتياً، فما زلت أستخدم مصطلحاته حتى اليوم. 

أما والدتي، فقد زرعت بداخلي حب الموسيقى، خاصة الكلاسيكية، التي رافقتني منذ الصغر. ثم جاءت الأنشطة اللاصفية، فكنت أذهب أسبوعياً إلى مسرح الأطفال الغنائي؛ ما عزّز ميولي الموسيقية والشعرية. بعد ذلك، انتقلت إلى الرسم، وكان لديَّ شغف كبير بالألوان، ثم نضجت هذه المتعة تدريجياً، وأخذت تتبلور في القراءة، ثم في الكتابة. ولا يمكنني أن أنسى تأثير جدّتي، التي كانت شاعرة بالفطرة؛ فقد كانت تستقبل الجميع بالزَّجل، بصوتها العذب، وتنتقي كلماتها البسيطة الراقية؛ فتشكّل لديّ حس شعري فطري.

  •  القصيدة جسر بين الواقع الشعري والمعيش علا خضارو: القصيدة جسر بين الواقع الشعري والمعيش

تفاصيل حياتية

ما المواضيع، التي تجذبك إلى الكتابة عنها أكثر من غيرها؟

كل تفصيلة في الحياة، مهما بدت صغيرة، يمكن أن تكون موضوعاً للقصيدة. هناك لحظات نشعر بها، ولا تعني شيئاً للكثيرين، لكنها تلامس شيئاً عميقاً بداخلنا، وتحفّزنا على الكتابة. أما المواضيع، التي تجذبني، بشكل خاص، فهي المواضيع الإنسانية، تلك التي تحرّك العاطفة، وتلامس هموم الناس وآلامهم. كشعراء نحاول، دائماً، أن نفكك أسرار هذه المواضيع، ونجد من خلالها حلولاً متعددة، ونبني جسراً بين الواقع الشعري، والواقع المعيش. ومن خلال القصيدة، نحاول أن نفرغ أحزاننا وآمالنا، ونكتب نصاً يمكنه أن يلمس أوجاع الآخرين وأحلامهم، وقد يجعل أعينهم تدمع أو تلمع فرحاً.. المواضيع كثيرة، لكن المسألة تكمن في القدرة على التقاط الإشارات، التي تمنحنا الدافع للكتابة.

هل ترين أن للقصيدة دوراً يجب أن تؤديه، أم أنها قضية جمالية فحسب؟

القصيدة - في جوهرها - قضية جمالية، ولكنها أيضاً تؤدي أدواراً عدة: إنسانية، واجتماعية، وأخلاقية. فالقصيدة تؤدي الدور، الذي يمنحها إياه الشاعر؛ فإذا كان يحمل قضية إنسانية، فستتجلى في قصائده بكل وضوح، والعكس صحيح؛ فبقدر ما يمتلك الشاعر من وعي، وبقدر ما يحب نصّه، تصل القصيدة إلى أهدافها، شخصية، أو مجتمعية، أو فكرية. كما أن القصيدة تلعب دوراً محورياً في تشكيل الذائقة الأدبية، خاصة عند الأجيال الجديدة. لذلك، نحن نحتاج إلى جيل يعرف أن الشعر هو هويتنا، ومن خلاله يمكننا أن ننتصر للحياة، وأن نعبّر عن المحبة بأصدق الطرق.

ما الذي تريدين له أن يبقى في ذهن القارئ؛ بعد قراءة قصائدك؟

أتمنى أن تترك قصائدي أثراً دافئاً في القلب، تماماً كأثر نسمة خفيفة، تمرّ في لحظة صمت. وأريد للكلمة أن تكون مرآة داخلية، تعكس ما لا نستطيع قوله أحياناً، وأن تُشعر القارئ بأنه ليس وحيداً، وأن هناك صوتاً يشبهه، ويحسّ مثله، ويكتب عنه حتى لو لم يلتقِه يوماً.

اذهب للمصدر