بقلم: يورونيوز
نشرت في 14/07/2025 - 16:00 GMT+2
اعلان
في مثل هذا اليوم قبل عشر سنوات، وقّعت القوى الكبرى مع إيران ما عُرف بـ"الاتفاق النووي"، أو خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA)، في العاصمة النمساوية فيينا. اتفاقٌ أُشيد به حينها كنجاح دبلوماسي نادر، وُضع ليقيّد البرنامج النووي الإيراني مقابل تخفيف العقوبات. لكن في الذكرى العاشرة، لا يتوقف المراقبون عند بنود الاتفاق أو أعوامه، بل عند حقيقة أن المنطقة دخلت منذ أشهر مرحلة ما بعد الاتفاق.. حرفياً، وبالنار.
ففي يونيو 2025، انفجرت مواجهة مفتوحة بين تل أبيب وطهران، شملت تبادل ضربات مباشرة داخل الأراضي الإيرانية والإسرائيلية، واستخدام أسلحة دقيقة ومسيّرات هجومية، وتهديدات نووية صريحة. أما الولايات المتحدة، فقد دخلت على خط النار، لأول مرة، عبر مشاركتها في ضربات جوية ضد منشآت إيرانية "استراتيجية"، فيما اعتُبر تحوّلاً نوعيًا في الموقف الأميركي من "التهديد الإيراني".
الاتفاق الذي صمد على الورق.. وسقط في الميدان
الاتفاق النووي الذي وُقّع عام 2015، ورُوّج له بوصفه آلية لضبط طموحات إيران النووية، لم يُلغَ رسميًا حتى اليوم، لكنه عمليًا تفكّك قطعةً قطعة. البداية كانت بانسحاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب منه في 2018، تبعتها خطوات تصعيدية من طهران التي رفعت مستوى تخصيب اليورانيوم إلى ما يقارب 60% وهي عتبة تطوير السلاح النووي، وفق تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
لكن الحدث الفاصل لم يكن انسحابًا دبلوماسيًا، بل انفجارًا عسكريًا: الهجمات الإسرائيلية الأخيرة استهدفت عمق الأراضي الإيرانية. وردّت طهران بضربات صاروخية مباشرة على قواعد إسرائيلية وأخرى أميركية في الخليج. واشنطن، بدورها، شنت ضربات استباقية على مواقع نووية إيرانية، في أخطر تدخل عسكري أميركي مباشر ضد للجمهورية الإسلامية منذ اغتيال الجنرال قاسم سليماني (قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني) في يناير 2020.
البرنامج النووي يعود إلى الواجهة.. ولكن تحت القصف
مع تصاعد الصراع الإقليمي، بات من الواضح أن البرنامج النووي الإيراني لم يعد ملفاً تقنياً تفاوضيًا، بل عنصرًا مركزياً في المعادلة العسكرية الكبرى. فواشنطن، التي كانت في السابق ترفض الانخراط المباشر، تبنّت سياسة هجومية.
إسرائيل: من "الظل" إلى الجبهات المفتوحة
أما إسرائيل، التي اعتمدت لسنوات على عمليات خفية واغتيالات موجهة ضد العلماء النوويين، غيّرت استراتيجيتها بالكامل. ففي خطاب استثنائي ألقاه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أمام الكنيست في حزيران/يونيو، أعلن أن بلاده "لن تنتظر حتى يُصبح التهديد النووي الإيراني فعليًا".
وبينما تتحدث تقارير صحافية عن تنسيق غير مسبوق بين الموساد وقيادة القيادة المركزية الأميركية (CENTCOM)، تشير تقديرات عسكرية إلى أن الضربات الإسرائيلية الأخيرة استهدفت عناصر البنية التحتية النووية، وأدخلت إيران في سباق ضد الزمن لاستعادة التوازن الردعي.
إيران: بين الخطاب السيادي والمعركة الوجودية
في الداخل الإيراني، تحوّل الخطاب حول الاتفاق النووي إلى قضية سيادية تمسّ "الكرامة الوطنية". ومع اشتداد المواجهة، يستخدم النظام الإيراني الملف النووي كأداة تعبئة داخلية.
وبينما تواجه طهران ضغوطًا اقتصادية خانقة، تُظهر القيادة الدينية والعسكرية تماسكًا في الموقف: لا تنازل في مسألة الردع.
أوروبا الغائبة... وشرق أوسط بلا مظلة
في هذا المشهد المعقد، تبدو أوروبا عاجزة ومُبعدة عن أي دور فعّال. باريس وبرلين ولندن تكتفي بالبيانات، فيما تغيب عن طاولة المفاوضات ومبادرة الفعل الحقيقي. وبدلاً من المباحثات، بدت خرائط الردع وكأنها تُرسم بالضربات الجوية، فيما يسود صمتٌ مطبق العواصم الخليجية.
في المقابل، دخلت موسكو وبكين على خط التهدئة، في محاولة لتقريب المواقف.
ما بعد الاتفاق ليس كما قبله
الذكرى العاشرة لتوقيع الاتفاق النووي لم تأتِ كاحتفال دبلوماسي أو استذكار لمسار تفاوضي ناجح، بل كمناسبة تشوبها حسرة على ما آل إليه فهي تطلّ على شرق أوسط أكثر انكشافًا، وأقل توازناً، وأكثر اقترابًا من حافة الهاوية.
لقد انتقل البرنامج النووي الإيراني من كونه ملفًا تفاوضيًا إلى عنوان لمواجهة إقليمية كبرى، تجري فصولها بالنار والبارود. وبينما يتساءل المراقبون عن فرص العودة إلى طاولة المفاوضات، يبدو أن القرار لم يعد بيد الدبلوماسيين.. بل أصبح رهنا بما يفرضه الميدان العسكري عبر لغة الصواريخ والمسيّرات والقنابل الخارقة.
ففي عصر ما بعد الاتفاق، لم يعد السؤال: "هل تملك إيران سلاحًا نوويًا؟" بل أصبح: "من سيرسم قواعد اللعبة إذا ما حصلت عليه؟".