- حذف الأصفار يضبط السيولة ويسهل الفوترة والتسعير
- محاولة لاستعادة تداول 40 تريليون ليرة بالنظام المصرفي
- 5 آلاف ليرة بنصف دولار بينما كانت تعادل 100 دولار في 2011
تمضي سوريا في 8 ديسمبر المقبل، نحو خطوة نقدية غير مسبوقة منذ عقود، تتمثل في إصدار أوراق عملة جديدة، تتميز بإزالة صور الرئيس المخلوع بشار الأسد ووالده، مع محو صفرين من فئاتها الورقية، في محاولة لاستعادة الثقة بالعملة المحلية التي فقدت أكثر من 99 % من قيمتها منذ اندلاع الحرب عام 2011.
وتأتي خطوة حذف الأصفار، على غرار تجارب عاشتها دول بعد تحولات سياسية واقتصادية عميقة، وفيما لا يعني تغيير العملة تغيير القيمة الحقيقية لها، لكن من مستهدفاتها تسهيل الفوترة والتسعير والحد من الأخطاء المحاسبية، فضلاً عن مساهمتها في تقليص مخاطر غسل الأموال وضبط السيولة.
ومنذ أكثر من عقد، تعكس الليرة السورية انهيار الاقتصاد بكل وضوح. فالورقة الأعلى المتداولة اليوم هي فئة 5 آلاف ليرة، لكنها لا تساوي سوى نصف دولار أو أقل، بعدما كانت في 2011 تعادل أكثر من 100 دولار.
والأهم من ذلك، فإن المركزي السوري يتطلع إلى عودة السيولة المتداولة خارج النظام المصرفي، والتي تقدّر بنحو 40 تريليون ليرة وفقاً لمصرفيين (رويترز) إلى البنوك، ما قد يساعد «المركزي» على تتبع حركة النقد وتعزيز السيطرة النقدية وضبط السوق وتتبع الأموال غير المشروعة.
ونقدياً، يستند قرار حذف صفرين من الليرة إلى مبررات اقتصادية واجتماعية واضحة. حيث لفت حاكم مصرف سورية المركزي الدكتور عبد القادر الحصرية، في تصريح لوكالة الأنباء الرسمية (سانا)، إلى أن تغيير العملة الوطنية يُعد ركيزة أساسية للإصلاح، وخطوة محورية ستسهم في تحقيق الاستقرار النقدي، مستبعداً أي انعكاسات سلبية على قيمة العملة الوطنية.
وقال: «إصدار العملة النقدية الجديدة» لا يرتبط بزيادة الكتلة النقدية في السوق، وإنما يهدف بشكل أساسي إلى تحسين جودة الأوراق النقدية المتداولة، وضمان تلبية احتياجات السوق.
وتاريخياً، يمكن الإشارة إلى أن أكثر من 70 دولة اعتمدت هذه السياسة، منذ الستينات لمواجهة التضخم، لكن هذه التجارب فيها دروس متناقضة.
فتركيا مثلاً، عندما حذفت 6 أصفار عام 2005، شهدت تحسناً فورياً في المعاملات وسهولة في الحسابات، لكن التجربة أظهرت أن النجاح الشكلي لا يكفي إذا لم ترافقه إصلاحات اقتصادية جذرية.
واليوم، يتجاوز الدولار 41 ليرة تركية، بعد أن كانت لا يتعدى الليرتين. وعلى النقيض، تقدّم البرازيل مثالاً أكثر استدامة، ففي ثمانينات القرن الماضي، نجحت في إصلاح عملتها، بفضل خطة شاملة لمكافحة التضخم وإصلاحات اقتصادية متزامنة، ما عزّز الثقة بالعملة وربطها بإطار اقتصادي متماسك.
أما زيمبابوي، فقدمت النموذج الأسوأ: بين 2003 و2009 حذفت 25 صفراً من عملتها، لكن الانهيار كان شاملاً لدرجة التخلي نهائياً عن العملة الوطنية.
وعلى صعيد المخاوف، يبرز أنه إذا كان الوضع الحالي لليرة السورية مرهق وغير عملي، والتوقيت الرمزي قد يمنح القرار بعداً سياسياً وهوية جديدة. لكن هذا لا يلغي أن التحديات ضخمة، لاسيما أن هناك هشاشة بالسوق أمام أي تغيير في السيولة، كما أنها ستتسبب في الارتباك الاجتماعي المتوقع مع تبدّل الأرقام فجأة، إلى جانب غياب الأسس العلمية المعلنة التي تحدد القيمة الفعلية للعملة الجديدة، وعلى رأسها مؤشرات الاحتياطيات الأجنبية، معدلات التضخم، حجم الناتج المحلي.
وعموماً، أظهرت تجارب حذف الأصفار الدولية، من تركيا إلى البرازيل وزيمبابوي، أن النجاح ممكن، لكنه لا يتحقق بمجرد حذف الأصفار، بل عبر خطة شاملة للإصلاح الاقتصادي، تتكامل فيها السياسة النقدية مع سياسات مالية وإنتاجية واضحة.
وفي المحصلة، فإن خطوة حذف الأصفار قد تكون في الاتجاه الصحيح لكن مستقبلها مرتبط بقدرة الدولة على وقف التضخم وتحريك عجلة الإنتاج وبناء الثقة بين المواطن والمؤسسات المالية.