سلاح حزب الله بين الحسم الوطني والمقايضة الإقليمية

10 hours ago 3

في خضم مشهد إقليمي متغير، يطل ملف سلاح حزب الله من جديد، لا كأداة مقاومة فحسب، بل كورقة تفاوض معلقة بين الداخل اللبناني ومراكز القرار الدولي. جاءت زيارة الموفد الأميركي توم باراك إلى بيروت لتخلط الأوراق وتعيد رسم حدود الجدل الداخلي حول مستقبل هذا السلاح، وموقعه ضمن الاستراتيجية الدفاعية للدولة، أو كأداة نفوذ إيراني سوري في قلب المعادلة اللبنانية.

وبين من يرى أن باراك قد منح حزب الله "هدية سياسية" باعتبار أن سلاحه شأن داخلي، ومن يؤكد أن ذلك ليس إلا "تكتيكا أميركيا مؤقتا"، تتعزز مخاوف الانفجار القادم على وقع المواجهة المؤجلة بين إسرائيل وحزب الله.

لم يكن تصريح باراك بأن "سلاح حزب الله شأن لبناني داخلي" مجرد صيغة دبلوماسية، بل خطوة محسوبة بدقة، كما يرى الكاتب السياسي داوود رمال خلال حديثه إلى غرفة الأخبار على سكاي نيوز عربية.

وفق رمال، أعاد تسليط الضوء على مسؤولية لبنان عن تنظيم أو حل هذا الملف، بينما أشار في الوقت ذاته إلى تطورات إقليمية كبرى، منها تسارع المفاوضات السورية الإسرائيلية، التي يشرف عليها شخصيا على حد قوله.

وبينما بدا كلام باراك أقرب إلى عرض غير مباشر لتسهيل مفاوضات لبنانية إسرائيلية برعاية أميركية مقابل حزمة من "المكافآت السياسية"، بينها وقف الأعمال العدائية، وإطلاق الأسرى، وتثبيت الحدود، فإن التحلل الأميركي من اتفاق وقف الأعمال العدائية الذي رعته إدارة بايدن، يطرح علامات استفهام حول جدية الضمانات الدولية.

يقول رمال: "الكلمة المفتاح كانت: عليكم أن تبدأوا مجددا بمفاوضات مباشرة مع إسرائيل.. وأنا مستعد لإدارتها". فهل يكون هذا هو الثمن السياسي المطلوب لنزع سلاح حزب الله؟ أم مجرد مناورة أميركية لربط لبنان بطاولة المفاوضات الشرق أوسطية؟.

وإذا كانت تصريحات باراك أراحت حزب الله، كما يفترض البعض، فإن هذا يعني تحولا نوعيا بل عقائديا في خطاب الحزب، وفق تحليل داوود رمال. فالقبول الضمني بـ"إيجابية باراك" لا يعني فقط القبول بمبدأ الحوار، بل أيضا إعادة تموضع الحزب من فاعل مقاوم إلى طرف سياسي قابل للاندماج الكامل في مؤسسات الدولة، ولو تدريجيا.

ومع ذلك، يتساءل رمال بحدة: لماذا لم يترجم هذا الانفتاح منذ انسحاب عام 2000؟ ولماذا لم يسع الحزب إلى تثبيت لبنانية مزارع شبعا أمام الأمم المتحدة؟ ولماذا ارتبط الملف كله بمزاج دمشق وطهران، بدل أن يحل في إطار سيادي لبناني؟ إنها، بحسبه، لحظة الحقيقة التي يتهرب منها الحزب، إما لتثبيت سطوته على القرار اللبناني، أو لإبقاء السلاح ورقة إيرانية في وجه الغرب.

 الضمانات المشروطة

يقول باراك بوضوح إن لا ضمانات أميركية تقدم في الوقت الحالي. المطلوب حسب ما نقلته الشخصيات اللبنانية هو التفاوض المباشر. والمطلوب من حزب الله وفق داوود رمال أن يسلم خريطة منشآته وقيود مخازنه إلى الدولة اللبنانية، لتكون تحت إشراف الجيش، كبداية لحل تدريجي يمنع الدمار المتوقع.

هذا الطرح يلقى قبولا ضمنيا في أوساط سياسية لبنانية، لكنه يواجه رفضا مبدئيا من بيئة الحزب. وشدد مدير المؤسسة الوطنية للدراسات زكريا حمودان، على أن أي طرح للتفاوض المباشر مرفوض بالكامل ضمن الواقع الجيوسياسي الحالي، مذكرا بأن الجيش وحزب الله قاتلا سويا ضد الإرهاب على الحدود الشرقية، وأن السلاح يجب أن يستوعب ضمن استراتيجية دفاعية، لا أن ينتزع.

وفي هذا السياق، يشير حمودان إلى أن "الحديث عن السلام مع إسرائيل وهم"، لأن إسرائيل لا تبحث عن سلام بل عن تفكيك الحزب. ومن هذا المنطلق، فإن أي مقاربة واقعية يجب أن تنطلق من حماية السيادة لا خوض مغامرات سياسية.

من جهته، يضع رمال إصبعه على الجرح السوري الإيراني. فحزب الله، كما يقول، ربط مصير الجنوب اللبناني بنهج الممانعة السورية والإيرانية منذ عام 2000. واليوم، يبرز سؤال جوهري: هل سيتنازل الحزب لصالح الدولة اللبنانية كما تنازل مرارا لإيران وسوريا؟.

من يملك القرار.. الدولة أم الحزب؟

وفي ذروة الجدل، يبرز سؤال سيادي لم يعد قابلا للتأجيل: من يملك قرار السلم والحرب في لبنان؟ إذا كان حزب الله جزءا من الدولة، كما يكرر مسؤولوه، فلماذا لا يسلم مفاتيح القرار العسكري للدولة اللبنانية؟. حمودان يرفض الطروحات التي تدعو لإخراج سلاح الحزب من لبنان، ويرى أن "السلاح سيكون تحت إمرة الدولة اللبنانية"، لكنه لا يرى ضرورة لتسليمه كليا. بل إن رؤية حزب الله، وفق ما يظهر، تقوم على دمج السلاح ضمن هيكلية الدولة، ولكن بدون التفريط بورقة الردع، ما دام الخطر الإسرائيلي قائما.

نحو مفترق خطير

قد تكون زيارة توم باراك إلى بيروت لحظة كاشفة. فبين محاولة واشنطن إدخال حزب الله في معادلة الدولة اللبنانية عبر مفاوضات غير مباشرة، وبين رفض الحزب التخلي عن سلاحه خارج شروطه، يقف لبنان على حافة مواجهة جديدة، أو تسوية كبرى.

المعضلة لم تعد فقط في السلاح، بل في من يملك القرار: الدولة أم حزب الله؟ الداخل اللبناني أم الإقليم؟ المشهد بات أقرب إلى المواجهة المؤجلة، ولكن مع كل غارة إسرائيلية، وكل خطاب تصعيدي، تتقلص هوامش الوقت، وتكبر كلفة الانتظار.

اذهب للمصدر