«إن لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى فلتصبر ولتحتسب».
فُجعت الأسرة الرياضية في دولة الكويت وكذلك في العديد من وسائل التواصل بوفاة نجم المنتخب الذهبي الكويتي الكابتن وليد محمد جاسم المبارك الذي اشتهر باختصار وليد الجاسم أو بلقب (المعلم) أثناء مزاولته لعب الكرة بناديه الكويت الرياضي وتمثيله لبلده الكويت في منتخب الكويت الوطني طيب الله ثراه وأكرم مثواه وتغمد الله روحه بواسع رحمته وأسكنه فسيح جناته.
وأتذكر -إن لم تخُنّي ذاكرتي- أنه لعب في بداية مشواره معنا في النادي وكانت تقريباً أول مباراة له شارك فيها مع ناديه الكويت وهي من أصعب المباريات في الدوري العام وأمام النادي العربي في آخر مباراة في موسم 1978-1979 وفوز النادي العربي في هذه المباراة يعني فوزه ببطولة الدوري، ونادي الكويت له فرصتان تعادل وفوز، ولعب (وليد الجاسم) رحمه الله تعالى بديلاً عن الكابتن القدير إبراهيم دريهم في مركز الظهير الأيسر الذي كان مصاباً وقتها ولعب بجانبي ووقتها لعبت في خط الدفاع واستطاع أن يقدم أداء ومستوى عالياً ورائعاً في هذه المباراة ومع أن المرحوم يلعب ويمرر ويرفع برجله اليمين وهذه موهبة فريدة لا تشاهدها في الملاعب إلا عند قليل من اللاعبين في العالم، ولكن المرحوم (وليد الجاسم) لعب وتألق وأجاد وكان أداؤه على مستوى عالٍ بفضل القدرات والإمكانات العالية وثقته بنفسه ولقد أجاد اللعب سواء في الواجبات الدفاعية أو عندما تحتاجه في الأسلوب الهجومي وصعب على لاعب الخصم الذي يلعب بجانبه أن ينجح في المرور منه، وأذكر في إحدى المباريات مع المنتخب الكوري الجنوبي بتصفيات كأس العالم 1982 وفزنا عليهم 2-0 ونجح المرحوم (وليد الجاسم) في شل خطورة أفضل لاعب عندهم وكان الجناح الأيمن لدرجة أن المدرب الكوري اضطر لتغيير هذا اللاعب في منتصف الشوط الأول مما أربك تكتيك المنتخب الكوري وأفسد خطورتهم لأنهم كانوا يعتمدون على هذا الجناح الذي يصنع هجمات المنتخب الكوري الجنوبي.
وأتذكر أيضاً في إحدى مباريات الدوري الكويتي أن الحكم الكويتي أحمد فرج، أعطاني إنذاراً «كرت أصفر» بسبب احتكاك جناح نادي النصر بالمرحوم (وليد الجاسم) وحاولت أن أنبه الحكم إلى هذا الاحتكاك بينهما وكان وقتها المرحوم صغيراً في السن، وكنت خائفاً عليه وقتها من لاعب النصر من استفزاز المرحوم وليد، لكي يرد عليه و«يشوفه» حكم المباراة ومن الممكن أن يعطيه الكرت الأحمر، وكنا وقتها نلعب مباريات الدوري العام وببداية نظام دوري الدمج الجديد عندنا وأي لاعب يأخذ كرتين باللون الأصفر في مباراتين متتاليتين مختلفتين يوقف المباراة التي بعد الكرت الأصفر الثاني وكل فريق يجب أن يلعب 26 مباراة في دوري الدمج وكانت مباراتنا مع نادي النصر هي الأولي في جدول الموسم واستطعت أن أكمل المباريات الخمسة والعشرين المتبقية من دون أن آخذ الكرت الأصفر الثاني واستمررت باللعب لنهاية الدوري من دون أن أوقف أي مباراة في الموسم.
ولقد كان الفقيد (وليد الجاسم) لاعباً من الطراز الفريد والمميز بأدائه وطريقة لعبه وحماسه في الملعب، وهو قوي في الالتحام واستخلاص الكرة من لاعب الخصم، وكان ملتزماً جداً بأداء وتنفيذ كل ما يطلب منه بكل إخلاص وتفانٍ، وهو لاعب معنوياته دائماً مرتفعة ولا يهاب من يكون هو أمامه من اللاعبين الخطرين، ويؤدي ما عليه بكل أمانة وإخلاص، ولقَّبه شيخ المعلقين خالد الحربان بلقب (المعلم) لأدائه الرجولي وطريقة تفكيره في اللعب.
عرفت فيه الروح الطيبة والشجاعة والثقة بالنفس والتعامل الحسن والحديث الطيب، ورجل تعتمد عليه في أصعب الأمور، مُثابر لا يرضى بالغلط، ولا يتخلى عن الحق.
رحل النجم الذي أعطى الكثير لبلده الكويت عبر منتخبها الذهبي وقدم لناديه الكويت الكثير ونعزي أنفسنا وقلوبنا برحيل المرحوم الكابتن (وليد الجاسم ) غفر الله له، وأسكنه جنات الخلد والنعيم، وعزاؤنا الحار إلى أهلك وأسرتك الكريمة ونحن الآن في أيام العشرة الأوائل من شهر ذي الحجة الحرام وهي الأيام التي فضلها الله على كل أيام السنة؛ لما فيها من مكانة كبيرة عند الله سبحانه وتعالى، ندعو أن يتغمده الله بواسع رحمته ويلهم أهله وذويه الصبر والسلوان، وإن العين لتدمع، وإن القلب ليحزن، وإنا على فراقك يا (بوحمد) لمحزونون.
و«إنا لله وإنا إليه راجعون».