دير سانت كاترين

صدر الصورة، AFP

  • Author, أميمة مجدي
  • Role, صحفيّة - بي بي سي القاهرة
  • 2 نوفمبر/ تشرين الثاني 2024

    آخر تحديث قبل 12 دقيقة

أكد وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، أنه خلافاً لما تردد إعلاميا بشكل خاطئ، فإن الحكم القضائي الصادر أواخر مايو أيار الخاص بملكية مصر لأراضي دير سانت كاترين والأراضي المحيطة به أقر باستمرار السماح لرهبان الدير بالانتفاع به وبالمناطق الدينية والأثرية بالمنطقة، ويحافظ على القيمة الروحية والمكانة الدينية الرفيعة للدير.

جاء ذلك خلال لقاء عبد العاطي بنظيره اليوناني جورج جيرابيتريتيس، في القاهرة، حيث أطلعه على تفاصيل الحكم القضائي الذي يؤكد بوضوح الحيازة الدينية والروحية والرهبانية للدير والأراضي المحيطة، ويمثل خطوة تاريخية مهمة تؤكد قدسية ومكانة الدير الدينية، ويُمكّن الدير من مواصلة أداء وظائفه الدينية والروحية دون أي تغيير في الوضع القائم، بحسب بيان للخارجية المصرية.

وشدد عبد العاطي على عدم المساس بدير سانت كاترين والأماكن الأثرية التابعة له وقيمته الروحية ومكانته الدينية، مسلطا الضوء على تأكيد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال زيارته الأخيرة إلى أثينا في 7 مايو أيار الماضي بالتزام مصر الكامل بالحفاظ على المكانة الدينية المقدسة للدير، وحمايته من أي شكل من أشكال التعدي، موضحاً أن ذلك يعكس احترام مصر الكامل والثابت للدير في إطار قيم التسامح والتعايش السلمي بين الأديان الراسخ في مصر على مدار التاريخ، حسبما جاء في البيان.

وبحسب الخارجية اليونانية، رافق وزير الخارجية اليوناني وفد من المسئولين من وزارات الخارجية، والتعليم، والشؤون الدينية والرياضة، والثقافة.

وأثار هذا الحكم القضائي المصري مخاوف رئيس أساقفة أثينا واليونان، إيرونيموس الثاني، حيث وصفه في بيان رسمي بأنه "قرار فاضح وانتهاك للحريات الدينية ويشكل تهديداً مباشراً لمكانة الدير، وأنه يفتح الباب أمام اختبار جاد لمصير الدير، ويستحضر مراحل تاريخية مظلمة".

بيان رئيس أساقفة أثينا واليونان، إيرونيموس الثاني

صدر الصورة، Google

في المقابل أصدرت الرئاسة المصرية بياناً رسمياً، أكدت فيه "التزام مصر الكامل بالحفاظ على لمكانة الدينية الفريدة والمقدسة لدير سانت كاترين، وعدم المساس بهذه المكانة"، وعلق البيان على الحكم بأنه يمثل "ترسيخاً قانونياً لهذه المكانة المتميزة".

بعد ساعات من بيان الرئاسة، تلقى الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، اتصالاً من رئيس وزراء اليونان، كيرياكوس ميتسوتاكيس، جدد فيه الالتزام بالحفاظ على مكانة دير سانت كاترين، والقيم التراثية والروحية والمكانة الدينية الفريدة له، وشدد على قوة العلاقات الأخوية ومتانتها بين البلدين، واحترام الرموز الدينية والتاريخية المرتبطة بالديانة المسيحية الأرثوذوكسية.

ورغم التطمينات المصرية، أصدرت بطريركية الروم الأرثوذكس الأورشليمية بيانا، قالت فيه إنها تتابع الوضع عن كثب وتنظر بدقة في قرار المحكمة المذكور، وإذا لزم الأمر فإن البطريركية ستدين وتتخذ إجراءات بشأن أي اعتداء على الدير.

بيان بطريركية الروم الأرثوذكس الأورشليمية

صدر الصورة، facebook

الجدل ليس الأول من نوعه

وبدأت الأزمة بشأن الدير قبل أشهر، ففي نوفمبر تشرين الثاني الماضي، نشر موقع "الصفحة الأولى" الإلكتروني تقريراً عن مقاضاة الحكومة المصرية لرئيس دير سانت كاترين أمام المحكمة بشأن طرد جميع من في الدير، وتسليمه وما عليه من مبانٍ للدولة المصرية، وذلك وفقاً للموقع، واعتبار هذه المباني تعويضاً عن استغلال المكان المدة الطويلة الماضية لأكثر من 15 قرناً من الزمان.

أهمل X مشاركة, 1

تحذير: بي بي سي غير مسؤولة عن محتوى المواقع الخارجية

نهاية X مشاركة, 1

لكن محافظة جنوب سيناء نفت تلك المزاعم؛ وأكد المحافظ خالد مبارك أن العلاقات بين الدير والمحافظة "قوية ومبنية على الاحترام والتعاون، والتنسيق المستمر بين الطرفين".

ورغم نفي المحافظة، بقي الشك يراود بعض رواد وسائل التواصل الاجتماعي، منهم الناشطة في مجال حماية الآثار مونيكا حنا.

بينما بنى آخرون شكوكهم في نفي محافظة جنوب سيناء أي نية لإخلاء الدير، على إعلان الحكومة المصرية عن مشروع "التجلي الأعظم" في سيناء عام 2022 والمقرر تنفيذه على مساحة مليوني متر مربع، في المنطقة الواقعة بين جبل سانت كاترين وجبل موسي، ويستهدف تطوير الدير والمنطقة المحيطة به وإنشاء مزار روحاني لوضع مدينة سانت كاترين على خريطة السياحة العالمية وجذب مليون سائح كل عام للمدينة الأثرية، بحسب تصريحات لمحافظ جنوب سيناء.

إذ يرى مراقبون أن المشروع قد يؤثر سلباً على النظام البيئي للمحمية الطبيعية المحيطة بالدير، فضلاً عن تهديد الطابع الروحي والتاريخي للدير.

لماذا سمي دير سانت كاترين بهذا الاسم؟

 دير سانت كاترين

التعليق على الصورة، دير سانت كاترين

بحسب موقعي وزارة السياحة والآثار المصرية، ومنظمة الأمم المتحدة للعلوم والفنون والثقافة (اليونسكو)، يقع دير القديسة كاترين في جنوب شبه جزيرة سيناء عند قدم جبل حورب المذكور في العهد القديم (سفح جبل سيناء)، حيث يُعتقد أن النبي موسى تلقى الوصايا العشر من الله، ويقدسه المسلمون أيضاً ويدعونه جبل موسى.

تأسس في القرن السادس الميلادي بأمر من الإمبراطور البيزنطي جستنيان الأول في الفترة ما بين 548 و565م وهو الدير المسيحي الأقدم الذي حافظ على وظيفته الأساسيّة.

يُعرف هذا الدير، الذي يضم مناطق ومعالم متنوعة، باسم دير القديسة كاترين، واسمه الفعلي هو "دير الله المقدس لجبل سيناء"، وبُني لإيواء الرهبان الذين كانوا يعيشون في شبه جزيرة سيناء منذ القرن الرابع الميلادي.

يتربع دير سانت كاترين على سفح جبل سيناء الذي يرتفع عن سطح البحر 2285 متراً، ويحمل اسم القديسة كاترين التي "استشهدت" في أوائل القرن الرابع الميلادي، واكتشف الرهبان جسدها بالقرب من الجبل في القرن التاسع الميلادي.

وتعد منطقة دير سانت كاترين منطقة مقدّسة للديانات السماويّة الثلاث، اليهوديّة والمسيحيّة والإسلام؛ فمنطقة الجبل الأعظم في دير سانت كاترين تعد أحد المناطق المقدسة التي جمعت بين الديانات السماوية الثلاثة، لذلك يُطلق عليها "ملتقى الديانات السماوية الثلاثة".

يقصدها مؤمنون بالرسالات السماوية الثلاث بسبب تجلي الله فيها للنبي موسى؛ وما يجذب السياح من جميع أنحاء العالم أن الموقع يجمع بين التاريخ والدين، ويُعَد من أهم معالم السياحة الدينية في مصر.

ويتيح الموقع للزوار فرصة تسلق جبل موسى، الذي يُعد مكاناً ذا أهمية روحية عالية، حيث يُمكنهم مشاهدة شروق الشمس من فوق الجبل، وهي تجربة روحانية وجمالية فريدة، تشهد إقبالاً في فصل الشتاء.

 دير سانت كاترين

ما سر الأهمية الكبرى لدير سانت كاترين؟

عام 2002 صنفت منظمة الأمم المتحدة للعلوم والثقافة والفنون (اليونسكو) دير سانت كاترين "الدير المسيحي الأقدم الذي حافظ على وظيفته الأساسيّة".

ويضم الدير أماكن متعددة، أهمها كنيسة تجلي السيد المسيح، والتي أنشئت بأمر من الإمبراطور البيزنطي جستنيان، وبها باب خشبي ضخم مكوَّن من مجموعة من النقوش والزخارف الدقيقة.

وتضم كنيسة التجلي في حد ذاتها تسع كنائس أصغر، إحداها الكنيسة المحترقة التي ورد أن الله تكلّم منها مع النبي موسى، كما يوجد في كنيسة التجلي تابوت خشبي يضم جثمان القديسة كاترين، ومنقوش عليه نقوش رائعة.

فسيفساء من كنيسة التجلي

صدر الصورة، social media

التعليق على الصورة، فسيفساء من كنيسة التجلي

يشتمل دير سانت كاترين أيضاً على عشر كنائس أخرى، وأماكن إقامة الرهبان، وقاعة طعام، ومكبس زيتون، وصناديق عظام الموتى.

كما يضم الدير المسجد الفاطمي في الجزء الشمالي الغربي داخل الدير ويواجه الكنيسة الرئيسية؛ حيث بني عام 500 هـ/ 1106م في عهد الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله كثمرة للعلاقة الطيبة بين المسلمين والمسيحيين، التي شهدت ذروتها في الخلافة الفاطمية، وكان هذا المسجد محطة للحجاج في طريقهم إلى الحج في مكة وتركوا كتابات تذكارية عديدة ما زالت على محرابه إلى الآن.

قبة المسجد الفاطمي إلى اليسار

صدر الصورة، موقع وزارة السياحة المصرية

التعليق على الصورة، قبة المسجد الفاطمي إلى اليسار

إلى جانب الأهمية الدينية يحتوي الدير على مكتبة تضم ثاني أكبر مجموعة من المخطوطات الدينية بعد الفاتيكان، تشمل نصوصاً من القرن الرابع الميلادي بلغات قديمة عديدة مثل اليونانية والسريانية والعربية، وتقترب عدد المخطوطات فيها من 6 آلاف مخطوطة حول مواضيع مختلفة، بما في ذلك الدين والتاريخ والجغرافيا والفلسفة، يرجع تاريخ أقدمها إلى القرن الرابع الميلادي، وبدأ مشروع لحفظ المكتبة، انتهى في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2017.

مكتبة دير سانت كاترين

صدر الصورة، Social Media

التعليق على الصورة، مكتبة دير سانت كاترين

كما يمتلك الدير مجموعة من الأيقونات المسيحية البيزنطية والفنية التي تُعتبر من أندر وأهم الأيقونات في العالم، وتعود إلى فترات مبكرة من العصور الوسطى.

ويتميز الدير بطراز معماري بيزنطي قديم، وقد حافظ على تصميمه الأصلي بقدر كبير من الدقة، ما يعكس التقدم المعماري والهندسي في العصور القديمة.

أهمل X مشاركة, 2

تحذير: بي بي سي غير مسؤولة عن محتوى المواقع الخارجية

نهاية X مشاركة, 2

جبل موسى

صدر الصورة، Social Media

التعليق على الصورة، جبل موسى

وطبقا لبيان محافظة جنوب سيناء فقد استقبل الدير الخميس، 200 من الزوار، بينهم 156 من جنسيات متنوعة تشمل فرنسا، روسيا، الهند، أستراليا، إندونيسيا، وغيرها، إلى جانب 24 زائراً مصرياً.