خالد الرقوة: رجالنا جسّدوا في 2 أغسطس أروع معاني الشجاعة

3 days ago 3

- دافعنا ببسالة فلم نفكر بطعام أو نوم وكنا ننفذ الأوامر كما لو كنا نتنفس الانتماء
- أذكر بفخر كيف أن العسكريين لم يترددوا لحظة في أداء واجبهم بروح قتالية لا تُوصف

في شهادة توثيقية لأحداث الثاني من أغسطس عام 1990، يستذكر الفريق الركن متقاعد خالد عبدالعزيز الرقوة، أحداث ذلك اليوم، فيقول إنه تلقى في فجر الخميس اتصالاً من آمر كتيبته العقيد خالد مناور، يطلب فيه التوجه الفوري إلى معسكر الحرس الوطني، بعد أن أكد أن القوات العراقية قد احتلت المواقع الشمالية من البلاد. وكُلّف الرقوة بإبلاغ زملائه وقيادة القوات إلى المعسكر.

ويسرد الرقوة الأحداث، فيقول: ارتديت ملابسي العسكرية فوراً، وتوجهت إلى المعسكر، وهناك التقيت بالعقيد خالد مناور والمقدم فهد السعيد عند البوابة. وكانت قد صدرت التعليمات بتأمين القوات، وكُلّف الإداريون بالاتصال على المنتسبين وإبلاغهم بالحالة رقم (1)، فتم التواصل مع الإداريين لإبلاغ المنتسبين في المواقع الخارجية بالتوجه إلى مواقعهم، في حين طُلب من الموجودين داخل المعسكر البقاء فيه.

استعداد وانتشار

يضيف الرقوة: بدأت القيادة بتسيير دورية حول المعسكر، ولم يُرصد في البداية وجود للقوات العراقية. ثم تم تجميع القوات أمام الكتيبة، وأُبلغت المستودعات بتعبئة الآليات بالذخيرة ووضعها أمام مكتب قائد الكتيبة. كما تم تزويد جميع الأفراد بالأسلحة والذخيرة استعداداً لأي طارئ. ومع مرور الوقت، بدأنا نسمع دوي انفجارات بعيدة عن معسكر الصمود (الحالي)، ووردت تقارير من العسكريين القادمين من الجهراء تؤكد رؤية أعداد كبيرة من الآليات العراقية تتجه إلى الدائري الرابع، ما دل على أن القوات العراقية بدأت تتغلغل داخل المدينة.

ومع تقدم الآليات العراقية واقترابها من المعسكر، فتحت نيرانها على المعسكر، فبدأ الرد من قبل قوات الحرس الوطني، واندلعت أولى الاشتباكات المسلحة. وتم توزيع العناصر وتفقد المواقع، وبدأ الإسناد الناري، مع إبلاغ القيادة بالتطورات أولاً بأول، حيث قامت القيادة بتحريك قوات إضافية بعد ساعتين إلى ثلاث، كما تم توفير ساتر آمن للقوات لمواجهة القصف. ومع تزايد الاشتباكات، دخلت القوات الخاصة الكويتية المعركة بشكل مباشر، وتم رصد قصف عنيف بمدافع الهاون 60 على المعسكر.

مباغتة

ويتابع الرقوة: تزامناً مع القصف، بدأ قناصة عراقيون من فوق مبنى وزارة الكهرباء والمباني المجاورة في إطلاق النار على الجنود، ما أسفر عن إصابة رقيب كان يقف بجوارنا بطلقة نارية، فتم إسعافه ميدانياً داخل المعسكر قبل نقله لاحقاً إلى المستشفى. واستمرت الاشتباكات من الفجر حتى ما بعد الظهر، دون أن يفكر أحد من القوات في الطعام أو الراحة، فكل التركيز انصبّ على الدفاع عن المعسكر والوطن.

وكُلف النقيب محمد رافع الديحاني بقيادة مجموعة من القوات الخاصة، وتمركزوا شمالاً قرب وزارة الكهرباء، وتم التنسيق مع مساعد القائد لوقف القصف موقتاً، وهو ما تم لفترة، قبل أن يعود القصف مجدداً بعد تعليمات جديدة من القيادة العراقية. وخرجت دوريات لجمع الجرحى والمصابين، ورفعت الشرطة العسكرية العلم الأبيض على إحدى الآليات لتأمين إخلاء الجرحى. ثم انسحب بعض الأفراد بعد فقدان السيطرة على المعسكر، مع التأكد من إنقاذ أكبر عدد ممكن من المصابين.

موقف لا يُنسى

يروي الرقوة موقفاً لا ينسى، فيقول: الرقيب المصاب الذي أُسعف ميدانياً نُقل إلى مستشفى الصباح، وكان تحت سيطرة القوات العراقية، حيث تلقى العلاج لمدة 12 يوماً، ثم نصحه أحد الأطباء بالمغادرة سراً. وأذكر بفخر كيف أن كل العسكريين في المعسكر لم يترددوا لحظة في أداء واجبهم. فلم نفكر بالطعام أو النوم، وكنا ننفذ الأوامر كما لو كنا نتنفس الشجاعة والانتماء. لقد كانت روحاً قتالية لا تُوصف.

وكانت هناك سرية من كتيبة المشاة الأولى مكلفة بتأمين مجمع السفارات. وظلت القيادة على تواصل مستمر معهم. وكان يقود السرية الملازم فلاح خالد العازمي (رحمه الله)، الذي أبلغ عن بدء القوات العراقية في محاصرة المجمع، وخاصة السفارة الأردنية خارج الأسوار. وطلب أحد الضباط العراقيين من السفارة الأردنية تسليم الجنود الكويتيين، لكن السفارة رفضت بشجاعة، وأكدت أنهم «ضيوف لدينا، ونحن نوفر لهم كل ما يحتاجون».

بعد أيام، بدأ الملازم فلاح بالخروج برفقة أحد موظفي السفارة لشراء الاحتياجات. ثم عُرض عليه خروج آمن مقابل تسليم الجنود، لكنه رفض. لاحقاً، تم الاتفاق مع الملازم بدر السعيد على تقسيم السرية إلى مجموعات صغيرة، وبدأوا الخروج سراً حتى خرج آخر جندي بأمان.

ويؤكد الفريق الرقوة أن توثيق معركة معسكر الصمود هي من معارك الكرامة، جسّد فيها رجال الحرس الوطني أروع معاني الشجاعة والانتماء. هم رجال لم يفرّوا، ولم يترددوا، وظلوا على العهد حتى الرمق الأخير.

شهداء «الحرس» نموذج مشرف للبسالة والصمود

ما تعرضت له الكويت في الثاني من أغسطس عام 1990، كان امتحاناً صعباً في الوطنية والولاء والانتماء، وميداناً حقيقياً لإثبات الذات وتجسيد معاني التضحية والبسالة على أرض الواقع. وفي خضم هذه اللحظات الحالكة من تاريخ الوطن، برز رجال الحرس الوطني كنموذج فريد للثبات والإقدام، رغم كل الظروف القاسية وقلة الإمكانات.

وشكل حجم تضحياتهم وجهودهم البطولية خلال تلك الفترة ملحمة وطنية بالوقائع والمواقف المشهودة، وأثبتتوا أنهم عند حسن الظن بهم وأهلاً للثقة والمسؤولية. فقد شكلوا خط الدفاع الأول في العديد من المواقع، وتصدّوا بكل شجاعة للغزو المدجج بالسلاح والآليات. وقفوا في وجه العدو بسلاحهم، وبإيمانهم الراسخ بأن الذود عن تراب الوطن أمانة، وأن التراجع أو الاستسلام ليس خياراً في قاموس الشرف العسكري.

اذهب للمصدر