لعبت وزارة المالية خلال السنة الأولى من عمر الحكومة دوراً محورياً في مواجهة العجز المالي، وضبط الميزانية العامة وتحسين إيرادات المال العام وغيرها من الملفات الملحة التي تحتاج لمعالجات مزمنة، وسط التحديات الاقتصادية التي فرضتها التطورات الجيوسياسية المستمرة عالمياً وإقليمياً.
وبين الجهود والتحديات تظهر لافتات عدة تنبه إلى أن مشهد تباطؤ الإصلاح المالي المعتاد بات في الخلف، وأن المرحلة الحالية تشهد سباقاً في مختلف الاتجاهات لتحقيق رؤية الكويت 2035، مع تفادي التعقيدات الخارجية قدر المستطاع.
وفي هذا النطاق، أعادت «المالية» ضبط البوصلة نحو تحقيق رؤية الكويت 2035 وفقاً للإحداثيات الخليجية والعالمية، وذلك من خلال إحداث تحول ملموس في سياساتها المالية، يواكب مستهدفات التنمية، وتحديداً في ما يتعلق بالإصلاح المالي، والعمل على تطوير البنية التحتية القانونية، خصوصاً القوانين المستحقة اقتصادياً ومالياً، فضلاً على تسريع التحرك نحو تنويع مصادر الدخل العام، وضبط الهدر المحقق بالميزانية، وتقليص المصروفات، وبالطبع لا يمكن تجاهل إعادة النظر في هيكل الدعوم وضمان وصوله إلى مستحقيه وتأكيد التصنيف السيادي.
ومن باب الموضوعية يمكن القول إنه رغم استمرار تسجيل الموازنة العامة عجزاً متوقعاً للسنة المالية الحالية بأكثر من 5 مليارات دينار، إلا أن ذلك لا يعني تأخر بوادر الاصلاحات المالية المنجزة الأشهر الماضية، والتي كان مستبعداً دونها تفادي تضاعف فاتورة العجز المالي والتضخم، وسط قفزة مؤشرات الخوف العالمية، والتي أثرت على أسعار النفط عالمياً، ورفعت تكلفة الواردات عالمياً.
وتفصيلياً، أطلقت «المالية» الأشهر الماضية حزمة قوانين وإجراءات تشريعات تحسن المالية العامة للدولة، وترفع المستوى المعيشي للمواطن، كان من أبرزها:
«ضريبة الشركات»
وافق مجلس الوزراء على مشروع مرسوم بقانون بإصدار قانون الضريبة على مجموعة الكيانات متعددة الجنسيات، بفرض ضريبة بمعدل 15 % على الكيانات التي تزاول العمل في أكثر من دولة أو ولاية قضائية، وتم تطبيق القانون من بداية يناير 2025، ويهدف القانون إلى الحد من التهرب الضريبي ومنع تسرب الإيرادات الضريبية إلى دول أخرى.
ومن مكاسب هذا القانون أنه يواكب المتطلبات الدولية التي طرأت أخيراً، ومن جهة أخرى يحمي الوعاء الضريبي للكويت من التآكل لصالح أسواق خارجية، حيث يضمن استقطاب الأموال المستحقة ضريبياً على الشركات الكويتية متعددة الجنسيات إلى الخزينة العامة على قاعدة «دهننا في مكبتنا».
«التمويل والسيولة»
صدر في مارس الماضي مرسوم قانون «التمويل والسيولة» الذي يمهد الطريق، لإصدار ديون دولية للمرة الأولى منذ 8 سنوات بسقف 30 مليار دينار على فترات تصل 50 عاماً، وتهدف الحكومة من إقرار القانون إلى مواكبة الركب الخليجي والدولي في إقرار قوانين مماثلة تمنح الكويت مرونة مالية أكبر.
كما يسهم في تعزيز التصنيف الائتماني السيادي للبلاد ما ينعكس إيجابياً على قدرة الدولة على الاقتراض بشروط تنافسية، ويحمي الاقتصاد الوطني من الصدمات المالية والمضاربات وفقاً لتقارير وكالات التصنيف العالمية، وتنفيذ الاقتراض السيادي بطريقة لا تؤدي إلى مشاكل مالية طويلة الأمد، بتنويع إصدارات الديون المحلية أو العالمية، وكذلك تخفيف الضغط على سيولة «الاحتياطي العام» ما يضمن الاستقرار المالي للدولة ويعزز قدرة الحكومة على الوفاء بالتزاماتها المالية في مختلف الظروف الاقتصادية، ويسهم في سد العجز المالي عند الحاجة، إلى جانب تطوير أسواق المال المحلية عبر خلق منحنى عائد مرجعي للحكومة وللقطاع الخاص، ما يعزز جاذبية الأسواق المالية المحلية، ويوفر معياراً مهماً لإصدارات القطاع المصرفي والشركات المحلية، كما يحسن هيكل التمويل وتقليل تكلفة الاقتراض، ويحفز الاقتصاد المحلي، ويجذب مزيداً من الاستثمارات الأجنبية بما يستقيم مع جهود تنويع مصادر الدخل.
«التمويل العقاري»
تستعد الكويت لإقرار مشروع قانون للتمويل العقاري، يعول عليه كثيراً في حلحلة أزمة الإسكان في الكويت والمتجذرة إلى حدود وجود نحو 100 ألف طلب إسكاني قائم، ومن المرتقب أن يسمح القانون في حال إقراره للمصارف بتقديم التمويلات العقارية، حيث يرجح أن يحقق القانون أهداف عدة، أبزرها فتح خطوط تمويلية غير مهددة بمخاطر النضوب لمعالجة الأزمة الإسكانية التي تلامس 99 ألف طلب، دون تحمل الخزينة العامة أعباء إضافية، فيما يعدّ تمويلاً مسانداً للقرض العقاري للرعاية السكنية، حيث يوفر السيولة ويزيد القرض الإسكاني.
«تنظيم أملاك الدولة»
رفعت «المالية» إلى إدارة الفتوى والتشريع مسودة قانون منظم للاستثمار على أملاك الدولة، بصياغة مختلفة كلياً عن القانون «105» لسنة 1980، تضمنت إضافة بنود تعاقدية رئيسية، أبرزها عدم أحقية مبادلة أملاك الدولة مع الغير، وأن يتم تأجيرها بالمزايدة العامة أو المحدودة حتى 30 عاماً، مع الجواز لوزير «المالية» تحديد العقد بـ50 عاماً وتجديده لمدد أخرى، وإخلاء العين بانتهاء العقد أو فسخه لمخالفة شروطه أو للمصلحة العامة.
وتهدف الصياغة الجديدة لقانون أملاك الدولة، لتحقيق عدد من الأهداف المهمة، أبرزها، حماية المال العام من الهدر المحقق مع الآلية الحالية، مع استقطاب رؤوس الأموال النوعية الجادة الموجهة من الشركات المحلية والأجنبية ذات الملاءة المالية الكبرى، والتي تتمتع بقدرة فائقة في تنفيذ مشاريع التنمية المستدامة، ما يضع الكويت على سكة الدول الحاضنة للمشاريع الإستراتيجية.
التصنيف السيادي
رغم الضغوط المالية ثبتت جميع الوكالات المعنية التصنيف السيادي للكويت، ما يعكس ثقتها بالخطوات المتخذة حكومياً نحو الإصلاح المالي، وفي هذا الخصوص:
- أكدت وكالة موديز في 16 مايو 2024 تصنيف الكويت عند «A1» مع نظرة مستقبلية مستقرة.
- في 7 يونيو 2024 ثبتت وكالة ستاندرد آند بورز تصنيف الكويت عند «A+» مع نظرة مستقبلية مستقرة.
- أكدت وكالة فيتش في 7 مارس 2025) تصنيف الكويت عند «AA-» مع نظرة مستقبلية مستقرة.
«هيكلة أسعار الخدمات»
في يناير الماضي صدر المرسوم رقم 1 لسنة 2025 في شأن الرسوم والتكاليف المالية مقابل الانتفاع بالمرافق والخدمات العامة، والذي يهدف إلى تسعير السلع والخدمات التي تقدمها للجمهور، وفق تكلفة الخدمة ومقابل الانتفاع، وذلك بقرار من السلطة المختصة بكل جهة، وفقاً للقانون المنظم لكل منها، وذلك بعد موافقة مجلس الوزراء.
ويسهم هذا الإجراء في تحقيق عدة أهداف أهمها: تنظيم الطلب على هذه الخدمات توخياً لمبدأ حسن إدارة المرافق العامة، وزيادة مرونة الوزارات والإدارات الحكومية في وضع الآليات الخاصة بها لتسعير الخدمات العامة والرسوم، مع مراعاة العدالة الاجتماعية، وعدم المساس بالحد الأدنى للمعيشة، كما يسهم في تعزيز كفاءة الإنفاق الحكومي، ويضمن توفير الخدمات بشكل مستدام.
«تنظيم المزايدات العامة»
تعمل «المالية» على تنظيم المزايدات العامة، عبر إعدادها لمشروع قانون ينظّم المزايدات العامة بالجهات العامة، والتي سيحق لها حسب المسودة تشكيل لجنة شراء تضيف إلى اختصاصاتها حسب القانون (49) لسنة 2016 في شأن المناقصات العامة، القيام باختصاصات المزايدات التي لا تزيد قيمتها التقديرية على مليون دينار، وفي حال إقرار المشروع المقترح سيكون أول قانون للمزايدات العامة يطبق بالكويت.
ومن أهم أهداف المشروع، تنظيم عمليات شراء الأصناف والمقاولات والخدمات، التي تتم لحساب الجهات العامة، وإزالة العوائق غير المبررة أمام فتح عمليات الشراء العامة للمنافسة، وتنظيم عمليات شراء الأصناف والمقاولات والخدمات بنزاهة وشفافية من قبل الجهات الحكومية، وكذلك تشجيع الاستثمار والمنافسة.
دمج الجهات لتطوير الأداء
قدمت «المالية» مقترحاتها حول الدمج بين الجهات والهيئات والمؤسسات المتشابهة، وذلك بهدف تطوير الأداء في الجهات الحكومية، ووضع معايير حول دمج القطاعات في بعض الجهات الحكومية بهدف رفع كفاءة الأجهزة وترشيد المصروفات وزيادة الانضباط الإداري وتسريع الدورة المستندية، ومنع تضارب الاختصاصات، فيما ينتظر التصورات التي أعدها المعنيون في هذا الخصوص.
وعملياً لم تقتصر جهود «المالية» على محاولة دمج أو إلغاء الجهات الحكومية غير مستحقة، بل تطور المر إلى محاولة ترشيق الهيكل الحكومي بأن يتم العمل حالياً لإقرار هيكل حكومي للوزارات يسمح بوجود وكيل وزارة ووكيلين مساعدين إضافة إلى مديرين، ما يعالج إلى حد كبير حالة الترهل التي وصل إليها الجهاز الحكومي السنوات الماضية، إلى جانب تحقيق مرونة أوسع في عمل الجهات الحكومية، والقضاء على ظاهرة التشابك الحكومي.
8 منجزات
1. إقرار الموازنة
2. إقرار الحساب الختامي
3. تأكيد التصنيفات الدولية
4. خفض المعاشات الاستثنائية
5. إعادة تسعير الخدمات العامة
6. إقرار قانون التمويل والسيولة
7. تشكيل مجلس إدارة «التأمينات»
8. تأكيد التصنيف السيادي رغم الضغوط