العالم "يحاصر الإخوان".. من تجفيف المنابع إلى تفكيك الخطاب

10 hours ago 5

في ظل تصاعد القلق العالمي من تنامي تأثير تنظيم الإخوان في الساحات السياسية والاجتماعية والدينية، بدأت دول عربية وغربية تتحرك ضمن مسارات مختلفة لمواجهة ما يوصف بأنه "خطر أيديولوجي عابر للحدود".

وبينما صنفت بعض العواصم العربية التنظيم جماعة إرهابية، لا تزال غالبية الحكومات الغربية تتعامل مع الإخوان بوصفهم مكونا دعويا، مما يمنح التنظيم هامش مناورة واسعا.

غير أن المتغيرات الأمنية والإيديولوجية الأخيرة دفعت عواصم القرار إلى إعادة النظر في هذه المقاربة، مدفوعة بظهور أدلة على تغلغل التنظيم داخل المجتمعات الغربية، وتورطه المحتمل في التمهيد للانقضاض على النظم السياسية من الداخل.

جذور المواجهة

تتصدر الدول العربية مسار المواجهة مع الإخوان، حيث أعلنت كل من مصر والسعودية والإمارات تصنيف التنظيم جماعة إرهابية، وشرعت في ملاحقة شبكاته المالية والتنظيمية.

وبرز مؤخرا الأردن كمحطة جديدة لهذه المواجهة، مع بدء الحكومة إجراءات تستهدف شركات وجمعيات يشتبه بأنها واجهات مالية للتنظيم.

وفي تونس، تسارعت الأحداث مع صدور أحكام قضائية بالسجن على قيادات إخوانية بتهم تتعلق بالتآمر على أمن الدولة والتورط في قضايا إرهاب.

لكن الساحة الأوروبية لا تقل تعقيدا، ورغم غياب التصنيف القانوني للتنظيم منظمة إرهابية في غالبية دول أوروبا، فإن أصواتا سياسية وأمنية بدأت تدعو إلى مراجعة الموقف، في ظل ما يعتبره كثيرون تغلغلا خطيرا للإخوان داخل مؤسسات تعليمية ودينية واقتصادية.

استراتيجيات التلاعب والمراوغة

اعتبر الباحث في شؤون الجماعات الإرهابية مصطفى أمين، خلال حديثه الى غرفة الأخبار على "سكاي نيوز عربية"، أن التنظيم دخل مرحلة جديدة من المواجهة، خاصة بعد الإجراءات الفرنسية والألمانية الأخيرة.

وأكد أن الإخوان ليسوا في موقف دفاعي، بل يعتمدون استراتيجيات متقدمة تقوم على "التلاعب والتخفي والالتفاف على القوانين".

وأوضح أن فرنسا، رغم محاولات تقليص الدعم المالي المقدم للجمعيات التابعة للإخوان، لم تنجح حتى الآن في تجفيف منابع التمويل بشكل شامل، معتبرا أن التنظيم استغل الثغرات القانونية لتأسيس واجهات جديدة، ووزع الأموال بين جمعيات لا تحمل صبغة إسلامية واضحة، مستفيدا من غياب تشريعات حاسمة.

وأشار أمين إلى أن الاستراتيجية التي اعتمدها الإخوان منذ الستينيات تقوم على بناء "ملاذات آمنة" في أوروبا وأميركا، وتوظيف الأموال والشركات والمؤسسات الخيرية كأدوات للاختراق الناعم.

وقدر حجم الأموال التي تديرها الجماعة في أوروبا بما يفوق 150 مليون يورو، بينما قدرها في الولايات المتحدة بين 300 و500 مليون دولار.

وشدد على ضرورة وجود تنسيق بين الدول، محذرا من أن التنظيم ما يزال يتمتع بنَفَس طويل، وبيئة قانونية مواتية في أوروبا تتيح له التحرك، واعتبر أن غياب التنسيق بين فرنسا وألمانيا والنمسا وبريطانيا يسهل تمدد الإخوان عبر عناوين جمعوية وخيرية تبدو شرعية في ظاهرها.

التخفي والتناقضات الغربية

وخلال مداخلته، قدم الخبير التونسي في الشؤون الأمنية خليفة الشيباني رؤية شاملة لجذور الظاهرة، رابطا صعودها بتحالفات سياسية خاطئة في السبعينات والثمانينات، حين لجأت بعض الأنظمة إلى توظيف الإخوان لضرب التيارات اليسارية والقومية، قبل أن ينقلب التنظيم على من مكنه.

وبأسلوب لا يخلو من النقد الحاد، وصف الشيباني الإخوان بأنهم "جماعة سرية بطبيعتها"، تجيد "مبدأ التقية"، وتظهر بوجه مدني في حين تضمر أهدافا أيديولوجية عنيفة.

كما وصف الخبير التونسي هذه الجماعات بـ"الأخطبوط القادر على التمفصل داخل مؤسسات الدولة"، قائلا: "هم لا يدخلون الانتخابات لخدمة الدولة بل للسيطرة عليها. هم يستثمرون في كل شيء: المساجد والتعليم والجمعيات والإعلام، وحتى في لغة الديمقراطية ذاتها التي لا يؤمنون بها".

وتوقف عند التجربة التونسية، قائلا إن راشد الغنوشي ورفاقه حصلوا على عفو من الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، لكنهم انقلبوا عليه لاحقا واستولوا على مفاصل الدولة بعد الثورة.

وأشار الشيباني إلى أن الغرب ارتكب "خطأ قاتلا" حين قدم المأوى عناصر الإخوان تحت غطاء حقوق الإنسان والديمقراطية، فيما هم، حسب وصفه، يمثلون خطرا على الدولة المدنية، وهو ما اعتبره "سذاجة أمنية وبراغماتية مفرطة" في التعامل مع الإسلام السياسي.

وقال: "الغرب ربّى هذا التنين في جيبه والآن بدأ يلدغه. لكن حتى اليوم لا يوجد فهم حقيقي لعقيدة الإخوان، ولا لخطورتهم على النسيج الاجتماعي والديمقراطي في أوروبا وأميركا".

وأكد أن الوقت حان لإنهاء ما وصفه بـ"لعبة التوظيف السياسي" التي مارستها أجهزة غربية استخدمت الإخوان ضد خصومها، ليعودوا لاحقا ويشكلوا تهديدا داخليا في باريس ومانشستر.

اختراق فرنسا

حذر الخبير الفرنسي في الشؤون الاستراتيجية جان بيار ميلالي، من تسلل الإخوان إلى عمق المؤسسات الفرنسية، مستغلين شعارات العلمانية والحريات، وقال إن الجماعة تمكنت من تأسيس نفوذ في المدارس الخاصة والمجالس البلدية، بل وحتى في بعض المؤسسات الإعلامية.

وأكد ميلالي أن الوضع الفرنسي بات مقلقا، مما دفع الرئيس إيمانويل ماكرون إلى عقد مجلسي دفاع خلال أشهر معدودة، وتوجيه أوامر بإعداد قانون خاص لمواجهة ما سماه "الانعزالية الإسلامية"، في محاولة للسيطرة على الظاهرة قبل الانتخابات البلدية المقبلة.

وشدد الخبير على أن الإجراءات الفرنسية تبقى غير كافية، لسببين رئيسيين: أولا لأن تنظيم الإخوان ليس وحيدا بل يتقاطع مع التيارات الجهادية التي تمارس العنف المباشر، وثانيا لأن التنظيم وجد حلفاء في الداخل الفرنسي، خاصة في التيار اليساري، الذي تبنى خطابا دفاعيا عن الإخوان تحت شعارات مناهضة الإسلاموفوبيا.

وأشار إلى انقسامات داخل الحكومة الفرنسية نفسها، حيث رفض بعض الوزراء الاعتراف بخطورة ما يسمى بـ"الإسلاموية اليسارية"، رغم تحذيرات الأمن والاستخبارات.

أميركا.. تغلغل ناعم

في الأثناء سلط المستشار السابق للتحالف الدولي ضد تنظيم "داعش" كاظم الوائلي الضوء على الوضع في الولايات المتحدة، مؤكدا أن الإخوان نجحوا في اختراق النسيج الأميركي، خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر، مستفيدين من هامش واسع للتحرك تحت غطاء المنظمات الدعوية.

وقال الوائلي إن الجيل الجديد من الإخوان في أميركا بات يتحدث الإنجليزية بطلاقة وولد في الولايات المتحدة، وتغلغل في الجامعات الكبرى مثل هارفارد وكولومبيا، ويستخدم أساليب "الدعوة الناعمة" لكسب الدعم والتغلغل المؤسسي.

وأضاف أن التنظيم يمتلك دعما ماليا ضخما من رجال أعمال وشركات، وتلقى دعما ضمنيا من بعض الحكومات في مراحل سابقة، مؤكدا أن دعوات تصنيف الإخوان جماعة إرهابية من قبل نواب أميركيين، مثل السيناتور تيد كروز، لم تجد طريقها للتنفيذ بسبب هيمنة الديمقراطيين على الكونغرس.

ورأى الوائلي أن فترة حكم الرئيس الأسبق باراك أوباما كانت بيئة مواتية لنشاط الإخوان، بينما شهد عهد الرئيس دونالد ترامب نوعا من التجميد نتيجة سياساته الصارمة، لكنه حذر من أن التنظيم يعيد ترتيب صفوفه بانتظار أي تغيير في المشهد السياسي الأميركي.

اذهب للمصدر