الشيخة بدور بنت سلطان القاسمي: المرأة الإماراتية صوت يحمل الضوء للأجيال

19 hours ago 5

#تحقيقات وحوارات

زهرة الخليج اليوم 09:00

في المشهد الثقافي العربي، قلما نجد من يتقن معادلة الجمع بين الفكر كهوية، والمستقبل كمشروع.. فكيف إذا كانت هذه الرؤية مرتبطة بتراث ثقافي عميق، يتقن مدَّ جسوره نحو العالم، وهو ما تتميز به الشيخة بدور بنت سلطان القاسمي، ابنة الشارقة، التي تربت في كنف بيت يتنفس الكتب، وحكايات التاريخ، وأحلام المستقبل، التي صارت اليوم عنوانًا لمشروع إماراتي ثقافي، يُقرأ على ضفاف العالم بلغة تمتزج فيها الحكمة بالبصيرة. 

حين تتحدث الشيخة بدور عن الثقافة، تصوغها كهوية تتجدد لا كماضٍ يُحنُّ إليه، وحين تخوض غمار الاستثمار، تدرك أن الاقتصاد لا يكتمل دون روح، ولا تنمية دون إنسان.. إنها امرأة استثنائية، لا تعرّفها المناصب بقدر ما تعرفها المشاريع التي أنشأتها، والأثر الذي تتركه حيثما ذهبت، فهي ابنة الثقافة بامتياز، لكنها أيضاً صانعة مؤسساتها؛ فهي رئيسة هيئة الشارقة للكتاب، ورئيسة الجامعة الأميركية في الشارقة، ورئيسة مجموعة كلمات، ورئيسة الاتحاد الدولي للناشرين سابقاً، وسفيرة ملف ترشيح موقع «الفاية» لقائمة التراث العالمي لدى «اليونسكو». ولكل لقب من هذه الألقاب قصة، ولكل مشروع رسالة عنوانها: «الإنسان أولاً».

«زهرة الخليج» تستضيف الشيخة بدور بنت سلطان القاسمي، في حوار خاص، وتفتخر بها مزينةً غلاف عدد شهر المرأة الإماراتية، بإبداعات «كارتييه»، دار المجوهرات الفرنسية العريقة، ليس بحثًا في سيرتها، بل محاولةٌ للإنصات إلى امرأة تكتب فصلها الشخصي في كتاب العالم، وتعرف أن قيمة ما نتركه لا تقاس بما شيدناه، بل بما استطعنا أن نُبقيه حيًا في الذاكرة الجمعية:

  • عقد Panthère de Cartier، من الذهب الأبيض، والعقيق، والزمرد، والألماس.. من Cartier Fine Jewelry خاتم Panthère de Cartier، من الذهب الأبيض، والعقيق، والزمرد، والألماس.. من Cartier Fine Jewelry   فستان من UNGARO/ وشاح من Maison Virginie Parisعقد Panthère de Cartier، من الذهب الأبيض، والعقيق، والزمرد، والألماس.. من Cartier Fine Jewelry خاتم Panthère de Cartier، من الذهب الأبيض، والعقيق، والزمرد، والألماس.. من Cartier Fine Jewelry فستان من UNGARO/ وشاح من Maison Virginie Paris

طفولة في «بيت الثقافة»

نشأتِ في بيت مثقف ومُلهم، فقد تربيتِ في حضرة صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي.. كيف أثرت هذه البيئة في تكوين وعيكِ المبكر بالمسؤولية الثقافية، وهل تتذكرين لحظة فاصلة؛ شعرتِ خلالها بأنك امتداد لمشروع أكبر من الفرد؟

 أولى الذكريات، التي أحملها من طفولتي تعود إلى اللحظات التي كان والدي يروي لنا فيها قصصًا من الكتب التي قرأها، ومن رحلاته الكثيرة حول العالم. فقد كانت قصصه ممتلئة بالحكمة، والمواقف، والخيال، وكانت تشعل فينا - أنا، وإخوتي - حبًا فطريًا للمعرفة. هذا الحسّ تعزز، أيضًا، من خلال البيئة التي نشأنا فيها؛ فالثقافة كانت حاضرة في تفاصيل حياتنا اليومية، كالنقاشات التي كانت تدور على مائدة الطعام، والكتب التي تملأ أرفف المنزل، واحترام والدَيَّ العميق لكل ما يمسّ الهوية، واللغة، والفكر!.. لا أعتقد أن هناك لحظةً واحدةً، شعرت - خلالها - بأنني امتداد لمشروع أكبر من الفرد، بل وُجِدَتْ مجموعة من اللحظات والمواقف، التي شكلت قناعتي العميقة بأن المسؤولية الثقافية ليست ترفًا، بل التزام طويل المدى. إن كل شيء - في البيت، الذي نشأنا فيه - كان يُهيئنا لما نحن عليه اليوم، ليس فقط من حيث التعليم أو المعرفة، بل من حيث الوعي بالمكان، والدَّوْر، والهدف!.. أن تكبر في بيت أساسه الثقافة يعني أن تتعلم - منذ وقت مبكر - أن لكل كلمة أثراً، ولكل فكرة مسؤوليةً. هذا الإحساس لم يغادرني أبدًا، بل صار دافعاً لكل خطوة أقوم بها، سواء في عملي بالمؤسسات الثقافية، أو في دعمي للكتاب، أو في المشاريع التي أومن بأنها تصنع فرقًا حقيقيًا في حياة الناس.

في محطاتك المتعددة، بين النشر والاستثمار والعمل المجتمعي، ما الثابت الذي لم يتغير بداخلك؟

في جميع محطاتي، من رئاستي للجامعة الأميركية في الشارقة، وتأسيسي «مجموعة كلمات»، إلى عملي في قطاعات ريادة الأعمال والاستثمار والعمل الثقافي، ظل هناك مبدأ واحد يرافقني، دائمًا: أن أبقى وفية لقيمي، وألا أسمح للمنصب أو الظرف بتغيير جوهر ما أومن به. إن القيمة التي أضعها في صميم كل مبادرة هي الإنسان، وهذه القناعة ليست خياراً شخصياً، بل امتداد لفكر ورؤية صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، الذي آمن، دائماً، بأن تنمية الإنسان تسبق تنمية الاقتصاد، وأن الاستثمار في المعرفة، والتعليم، والوعي هو الطريق الحقيقي لبناء مجتمعات مستقرة، ومتقدمة. لهذا السبب، سواء كنت أعمل في تطوير محتوى ثقافي للأطفال من خلال «مجموعة كلمات»، أو أطلق مبادرات لدعم الشباب عبر «شراع»، أو أضع استراتيجيات أكاديمية في الجامعة الأميركية، فإن السؤال الذي يُوجّه قراراتي، دائماً، هو: كيف نخدم الإنسان، وكيف نوفر بيئة تساعده في أن يحقق أهدافه وطموحاته، ويعيش بكرامة ومعنى؟!

  •  المرأة الإماراتية صوت يحمل الضوء للأجيالخاتم Panthère de Cartier، مرصع بالعقيق والزمرد.. من Cartier Fine Jewelry / أساور Panthère de Cartier، من الذهب الأصفر، مرصّعة بالعقيق، والزمرد.. من Cartier Fine Jewelry / سوار Panthère de Cartier، من الذهب الوردي، والعقيق، والزمرد والألماس.. من Cartier Fine Jewelry / خاتم Panthère de Cartier، من الذهب الوردي، والعقيق، والزمرد والألماس.. من Cartier Fine Jewelry / ساعة Panthère de Cartier، من الذهب الوردي.. من Cartier Watch / جاكيت و«توب».. من UNGARO

ثقافة.. وهوية

حدثينا عن فلسفتك الشخصية في القيادة!

القيادة - بالنسبة لي - ليست هدفًا في حد ذاتها، بل مسؤولية تحمل في طيّاتها وضوح الرؤية، وقوة البصيرة، والقدرة على اتخاذ القرار وسط التعقيدات. لا أومن بالقيادة القائمة على السلطة، بل بتلك التي تزرع بيئة يزدهر فيها الإبداع، ويشعر فيها الناس بالتمكين، وتكون فيها البوصلة دائمًا هي هذه الغاية النبيلة. إنني أستند - في قيادتي - إلى ثلاث ركائز أساسية، هي: الرؤية، والمرونة، والأثر. الرؤية تتيح لنا النظر إلى ما وراء التفاصيل الآنية، واستشراف الاحتمالات البعيدة. والمرونة تمنحنا القدرة على الصمود في وجه التحديات، ومواصلة الطريق رغم العقبات، دون أن نفقد وضوح الهدف. أما الأثر، فهو الغاية الأسمى؛ لأن كل ما أشارك في قيادته (مشروع، أو مبادرة) يجب أن يكون له معنى، وأن يخدم الناس والمجتمع بطريقة ملموسة، ومستدامة؛ ليكون كل ما أقدمه، اليوم، لبنة في إرث نافع للأجيال القادمة. نحن لا نبني لحاضرنا فقط، بل لنكون أسلافًا صالحين لمن سيأتون بعدنا.. هذه هي فلسفتي في القيادة: «أن نعمل بحكمة، اليوم؛ لنترك أثرًا يستحق أن يُبنى عليه غدًا».

ما الذي يميز المشروع الثقافي في الإمارات عن غيرها من دول المنطقة، وكيف ربطت الدولة بين الثقافة، والتنمية، والانفتاح، دون أن تفقد هويتها؟

إن الحفاظ على توازن صحي بين الهوية الثقافية والانفتاح على الحداثة، هو جوهر المشروع الثقافي الإماراتي. إنه نهج يعكس رؤية مستقبلية واضحة، ويستجيب لواقع اجتماعي غني بتنوع الثقافات، واللغات، والخلفيات التي تتعايش داخل دولة الإمارات. الثقافة، هنا، تُعامل كعنصر أساسي في بناء مجتمع متماسك، ومتنوع، ومنفتح على العالم. هذا التوازن الدقيق لم يكن وليد الصدفة، بل نتيجة سياسات ثقافية مدروسة، ترى في الثقافة أداة؛ لتعزيز التفاهم، وبناء الجسور، وترسيخ القيم المشتركة. وإذا أخذنا الشارقة مثالاً على ذلك، فيمكننا أن نرى كيف تم التعامل مع الثقافة كعنصر تأسيسي في صياغة رؤية اقتصادية واجتماعية شاملة. فالمشهد الثقافي في الإمارة ليس مكملاً، بل محرك أساسي لخطط التنمية. ومن خلال الاستثمار في قطاعات: النشر، والتعليم، والتراث، والفنون، أصبحت الشارقة منصة عربية وعالمية للحوار الثقافي، ومركزاً لاستقطاب العقول والمواهب. ويعكس هذا التوجه الاستراتيجي إيماناً عميقاً بأن الثقافة ليست رفاهية، بل ضرورة لتحقيق تنمية مستدامة تقودها المعرفة، وتُبنى على الجذور.

قلتِ سابقاً: إن الثقافة ليست ترفاً بل ضرورة.. في زمننا هذا (زمن الأزمات، والتغيرات المتسارعة)، ما الدور الذي يمكن أن تلعبه الثقافة في ترميم المجتمعات، وبناء رؤى طويلة الأمد؟

الثقافة روح الإنسان، والنور الخفي الذي يجمع القلوب والنفوس؛ فهي «بلسم الروح» الذي يساعدها على تخطي الأزمات بثبات، ويغرس داخلها الأمل بمستقبل أفضل حتى مع التغيرات المتسارعة، وتشعب التحديات. في أزمنة القلق والتغيرات المتسارعة، تقدم الثقافة مساحة للتماسك، وتعيد تعريف الذات الجماعية، وتمنح المجتمعات أدوات لفهم واقعها، والتفاعل معه بإيجابية. إن الثقافة ليست فقط روافد إبداعية، أو إرثاً تاريخياً، بل هي إطار ناظم للقيم والهوية والتطلعات. في لحظات التحول، تلعب الثقافة دوراً كبيراً في بناء رؤى بعيدة المدى؛ لأنها تربط الماضي بالحاضر، وتضيء الطريق نحو المستقبل. وفي المجتمعات، التي أنهكتها الحروب أو الأزمات، تشكل الثقافة مساحةً للشفاء، والتعبير، وإعادة تخيّل الواقع بشكل أفضل. إنها تمنح الناس لغة يتواصلون بها مع ألمهم وأملهم، وتنشئ منصات يمكن - من خلالها - إعادة بناء النسيج الاجتماعي والوطني، بروح جديدة أكثر وعياً وإنسانيةً. وعندما تُصاغ السياسات الثقافية برؤية استراتيجية، كما هي الحال في دولة الإمارات، تصبح عاملاً رئيسياً في بناء الإنسان، وتعزز المرونة المجتمعية، وترسخ الثقة بالذات. كما تصنع مجتمعات أكثر توازناً ووعياً، وقدرةً على التعافي من الأزمات؛ لأنها تُذكّرنا بما يجمعنا، وتفتح أمامنا نوافذ لفهم الآخر، والانفتاح على العالم، دون أن نفقد هويتنا.

ما التحديات التي تواجه النشر العربي اليوم، خاصة في مجال كتب الأطفال، وكيف تحولها «كلمات» إلى فرص؟

أشعر بفخر تجاه الجهود، التي يبذلها الناشرون العرب؛ لمواكبة قطاع النشر العالمي المتسارع، خاصة في مجال كتب الأطفال، الذي يمثل بوابة المستقبل لأي مجتمع. ورغم ذلك، يواجه القطاع تحديات، مثل: ارتفاع تكاليف الإنتاج والتوزيع، وتفاوت البنية التحتية، وضعف الحماية الفكرية، والحاجة إلى محتوى يعكس ثقافتنا بلغة عصرية، وجودة عالية. في «مجموعة كلمات»، رأينا في هذه التحديات فرصًا للنمو؛ فقد تبنينا - منذ البداية - رؤية تركز على تقديم محتوى أصيل، بلغة عربية راقية، تحترم خيال الطفل، وتفتح أمامه نوافذ على المعرفة والثقافات. كما ركزنا على جودة النص والتصميم والإنتاج، وتوسعنا بعلامات متخصصة كـ«كلمات كوارتو»، و«روايات»، و«كوميكس»؛ لتلبية احتياجات المراحل العمرية المختلفة، مع الاستثمار في الرقمنة، والكتب الصوتية، والطباعة عند الطلب. إن إيماننا بأن الكتاب العربي قادر على المنافسة عالميًا يدفعنا إلى صياغة مستقبل نشر يليق بلغتنا وهويتنا، ويضع القارئ العربي في قلب المشهد الثقافي العالمي.

  •  المرأة الإماراتية صوت يحمل الضوء للأجيالأقراط Panthère de Cartier، من الذهب الأبيض، والعقيق، والزمرد، والألماس.. من Cartier Fine Jewelry / أساور Panthère de Cartier، من الذهب الأصفر، والعقيق، والزمرد.. من Cartier Fine Jewelry / سوار Panthère de Cartier، من الذهب الوردي، والعقيق، والزمرد، والألماس.. من Cartier Fine Jewelry / خاتم Panthère de Cartier، من الذهب الوردي، والعقيق، والزمرد، والألماس.. من Cartier Fine Jewelry / خاتم Panthère de Cartier، من الذهب الأبيض، والعقيق، والزمرد، والألماس.. من Cartier Fine Jewelry / ساعة Panthère de Cartier، من الذهب الوردي.. من Cartier Watch / معطف من MAX MARA/ فستان من UNGARO

«الفاية» في الوعي العالمي

أثبت إدراج «الفاية» في قائمة «اليونسكو» للتراث العالمي أن استثمار الشارقة في الأبحاث الأثرية رؤية مستدامة؛ لصَوْن هوية الإنسان منذ فجر التاريخ.. كيف يمكن لهذا الإنجاز أن يعيد تشكيل علاقة الأجيال بتراثها كمعرفة حية، وما الخطوات التي تعززون بها هذا الدور في الوعي الأكاديمي، والمجتمعي؟

إدراج «الفاية» على قائمة «اليونسكو» للتراث العالمي ليس مهمًا للشارقة فقط، بل للإنسانية جمعاء؛ لأنه يعيد رسم الخطوط الأولى في قصة تطوّر الإنسان، ويمنح منطقتنا موقعها العادل في سرد تاريخ البشرية. إن ما قدمته الاكتشافات التي حدثت في «الفاية» لا يضيف فقط معلومات جديدة، بل يغيّر الطريقة التي ننظر بها إلى حركة الإنسان الأول. لأعوام طويلة، تم تقديم هذه القصة من زاوية واحدة فقط، تغافلت - لفترة طويلة - المسارات الغنية التي عبَرها الإنسان في هذه المنطقة، وما تحمله من دلالات إنسانية عميقة. هذا الاعتراف لا يكتفي بتأكيد أهمية الموقع، بل يفتح الباب أمام سرد تاريخ أكثر عدلاً، وتوازنًا، وشمولاً؛ فهو تاريخ يعكس الواقع كما هو، وليس كما أُريد لنا أن نراه. ونحن نؤمن بأن مثل هذه الإنجازات ليست فقط للمجتمع الأكاديمي، بل للأجيال القادمة أيضًا؛ لأنها تزرع فيها الفخر بجذورها، وتشجعها على النظر إلى تاريخها كقوة معرفية، لا كذكرى جامدة. نريد أن يحتفي أبناؤنا وبناتنا بإرثهم، وأن يروا فيه منطلقًا لفهم العالم، والمساهمة فيه. الآن، ما نطمح إليه هو أن نجعل من «الفاية» نقطة انطلاق لحوار عالمي أوسع حول أصول البشرية، وأهمية أن يُروى هذا التاريخ من جميع الزوايا، لا من زاوية واحدة فقط. كما نريد لهذا الإنجاز أن يُلهم الأجيال الجديدة، ليس الاحتفاء بالماضي فحسب، بل لإدراك أنها جزء فاعل في استكمال المعرفة الإنسانية، وإعادة كتابة التاريخ بطريقة تُنصف الجميع، وتُشرك الجميع.

كيف تصنع المرأة أثرها؟

اليوم تُصنَّف المرأة الإماراتية ضمن أكثر النساء تأثيراً في العالم العربي.. فهل يكفي أن تُمنح المرأة الأدوات، أم أن التمكين الحقيقي يبدأ من إعادة تشكيل علاقتها بذاتها أولاً؟

إن النمو الشخصي نتاج البيئة والمعتقدات الداخلية والثقة بالنفس، مع إيمان عميق بأن الإنسان يستحق النجاح، وتحقيق أحلامه. هذه القناعة ضرورية للمرأة، كما للرجل، لكنها للمرأة أكثر إلحاحاً بسبب التحديات التاريخية التي واجهتها. فحتى مع توفر الأدوات، تظل العلاقة الصحية مع الذات شرطًا أساسياً؛ للاستفادة من الفرص، والتعبير عن الهوية، والمساهمة في المجتمع. كما أن التمكين الحقيقي يبدأ حين تدرك المرأة أنها لا تحتاج إلى إذن لتحلم، أو إلى تقليص طموحها ليناسب التوقعات، وحين تتصالح مع ذاتها؛ تصبح البيئة الداعمة منصة انطلاق حقيقية. ونحن، في الإمارات، نرى هذا التحول يحدث، ونفتخر بوجود نساء واثقات، وواعيات، وصانعات للتغيير في كل مجال!

كيف تؤسس المرأة لحكاية التميز؛ ليصل اسمها وتأثيرها إلى مجتمعها أولاً.. والعالم ثانياً؟

تؤسس المرأة لحكاية التميز؛ عندما تنطلق من قناعة راسخة بقيمتها ودورها، وتعمل بإصرار وشغف ووعي. فالتميز لا يأتي من السعي وراء الأضواء، بل من الالتزام الحقيقي بإحداث فرق في محيطها، مهما كان صغيرًا في البداية. وعندما يكون الأثر نابعًا من الجذور، يصل صداه إلى العالم بطريقة طبيعية، وبتأثير عميق، ومستدام!

  •  المرأة الإماراتية صوت يحمل الضوء للأجيالأقراط Panthère de Cartier، من الذهب الأبيض، والعقيق، والزمرد، والألماس.. من Cartier Fine Jewelry / عقد Panthère de Cartier، من الذهب الأبيض، والعقيق، والزمرد، والألماس.. من Cartier Fine Jewelry / خاتم Panthère de Cartier، من الذهب الأبيض، والعقيق، والزمرد، والألماس.. من Cartier Fine Jewelry / معطف من The Sagio

أغسطس شهر المرأة الإماراتية.. بهذه المناسبة، ماذا تقولين عن والدتك، وكيف انعكست أصوات المرأة على شخصيتك؟

 قرينة صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، سمو الشيخة جواهر بنت محمد القاسمي، هي الأم، والمعلمة، والصديقة الصدوقة، والقدوة التي أتبعها، وأسترشد بها في حياتي. فعلى يدَيْ سموها، تربيت على مبادئ راسخة من التواضع، والعطاء، والاحترام العميق للإنسان، أياً كانت خلفيته وظروفه. فسموها كانت - ولا تزال - نموذجاً للمرأة الإماراتية، التي تقود من القلب، وتبني بالأمل، وتدعم بقوة وهدوء في الوقت نفسه، ومع ذلك لا يتوقف تأثير المرأة في حياتي عند والدتي؛ فقد كنت محاطة، دائماً، بأصوات نسائية قوية، وصادقة، وملهمة. من النساء اللواتي سرن في صحارى مليحة، وأسهمن في بناء مجتمعهن بجهد وصبر، إلى جدتي، وكل امرأة ألتقيها في حياتي اليومية. إن كل واحدة منهن كانت بمثابة مرآة تعكس شكلاً من أشكال الإصرار، والحكمة، والقدرة على الصمود والمبادرة. هذه الأصوات نسجت وعيي، وشكلت رؤيتي. لقد تعلمت أن المرأة؛ حين تكون صادقة مع ذاتها، ومتصالحة مع قيمها، ومدفوعة بإرادة داخلية راسخة، تكون صوت المجتمع، لا مجرد فرد فيه. وكلما تقدمت في رحلتي، زاد يقيني بأن دور المرأة لا يُقاس فقط بما تحققه، بل بالأثر العميق الذي تتركه في من حولها، وبالضوء الذي تنقله إلى الأجيال التالية.

كيف توازنين بين دور الأم، وبين الطموحات التي ترسمينها لنفسكِ، وللمرأة الإماراتية؟

أشكرك على هذا السؤال المهم، الذي يشغل بال كثيرات من النساء الطموحات والموهوبات، ممن يتساءلن إن كان بالإمكان، فعلاً، التوفيق بين الأمومة، وتحقيق الذات.. مهنياً، وشخصياً. من خلال تجربتي، أستطيع القول بأن ذلك ممكن، لكنه ليس دائماً سهلاً. ونحن في دولة الإمارات محظوظات بوجود بيئة تشجّع النساء، وتقدّر مساهماتهن. وهناك العديد من المبادرات التي تدعم نمو المرأة في المراحل كافة، ولكن لا يزال أمامنا طريقٌ سنقطعه؛ لنصل إلى منظومة متكاملة تيسّر هذا التوازن، بشكل أوسع وأكثر شمولاً. بالنسبة لي، التوازن يبدأ من الوضوح؛ بأن تكوني واضحة مع نفسك، ومع من حولك بشأن احتياجاتك، وطموحاتك، وحدودك. وأن تضعي أولوياتك بمرونة تعكس واقعك المتغير كأم وكمهنية. ومن الضروري أن نسمح لأنفسنا بتعديل المسار عند الحاجة، وألا نقسو على أنفسنا؛ إذا لم يكن كل شيء مثالياً. فالنجاح لا يعني التوازن التام كل يوم، بل يعني الاستمرارية، والمحافظة على البوصلة الداخلية التي تذكركِ لماذا بدأتِ، وما الذي تريدين تحقيقه، سواء في بيتك أو في العالم من حولك.

اقتصاد الثقافة.. والتنمية

تجمعين بين رئاسة هيئة الشارقة للاستثمار والتطوير، والعمل الثقافي.. كيف يتكامل هذان الدوران في صناعة اقتصاد ثقافي مستدام؟

الثقافة والاستثمار - بالنسبة لي - ليسا مسارين منفصلين، بل رؤيتان متكاملتان، تؤمنان بأن التنمية المستدامة تبدأ من الإنسان، ومن بيئته الثقافية. حين يقوم الاقتصاد على المعرفة والإبداع والهوية؛ يصبح الاستثمار امتداداً للثقافة، والثقافة محركاً للتنمية. في «شروق»، نطور مشاريع تنوع الاقتصاد مع الحفاظ على روح المكان وهويته، من إحياء المدن التراثية، إلى الوجهات السياحية ذات الطابع الثقافي؛ هذا التكامل يصنع نموذجاً مرناً وحيوياً، يعبّر عنّا، ويُلهم العالم.

ما العبرة الأهم، التي خرجتِ بها من الجمع بين الأعمال الربحية (الاستثمار)، وغير الربحية (العمل الثقافي، والمجتمعي)؟

خلاصة تجربتي أن العائد المالي لا يكون مجزياً بحق؛ إلا إذا ترافق مع أثر إنساني أو فكري أعمق. في العمل الاستثماري، نتحدث كثيراً عن الأرباح والعوائد، وفي العمل الثقافي نغوص في المعنى والرسالة. لكن حين يجتمع الاثنان في مشروع واحد، يتحول الاستثمار إلى رسالة، والرسالة إلى حافز للاستدامة والتوسع. وأنا أومن بأن القيمة لا تُقاس فقط بالأرقام، بل أيضاً بما تتركه من أثر في النفوس، والمجتمعات. فالمشاريع التي تجمع بين المنفعة والعطاء، وبين الابتكار والهوية، وحدها تستحق أن تُبنى، وتُصان.

أحلام.. وأثر

ما حلمك الذي لم يتحقق بَعْدُ، وما المشروع الذي قد نراه يحمل اسمك مستقبلاً؟

كل ما أنجزته، حتى اليوم، بداية لما أطمح إلى تحقيقه في خدمة الشارقة والإمارات، وثقافتنا وهويتنا العربية. ليس للعطاء خط نهاية، فهو مسار مستمر يتجدد مع كل تجربة، وكل مسؤولية أتقلدها. أحلم، دومًا، باليوم الذي تصبح فيه المعرفة والثقافة حقًا فعليًا ومتاحًا لكل طفل في العالم العربي. كما أحلم بمشهد ثقافي عربي نابض، تُحترم فيه كل لغة ولهجة، وتُروى فيه القصص التي لم يُتح لها أن تُروى بَعْدُ، ويُعاد فيه الاعتبار إلى الكتاب كجسر للحرية والفكر والنمو. وكذلك، أطمح إلى مشروع يكون محوره الطفل العربي، مشروع يتقاطع فيه النشر، والتعليم، والتكنولوجيا؛ ليمنح الأجيال القادمة الأدوات التي تحتاجها لبناء المستقبل، من دون التخلي عن جذورها. قد يحمل هذا المشروع اسمًا جديدًا، وربما يتفرع من «كلمات»، أو من أي مبادرة ثقافية أخرى، لكنه - في جوهره - سيكون امتدادًا لفلسفتي في العمل: «أن نترك أثرًا نافعًا، وأن نكون خير أسلاف للذين يأتون بعدنا».

  • بروش Panthère de Cartier، من الذهب الأبيض، والعقيق، والزمرد، والألماس.. من Cartier Fine Jewelry / خاتم Panthère de Cartier، من الذهب الأبيض، والعقيق، والزمرد، والألماس.. من Cartier Fine Jewelry  جاكيت وفستان.. من UNGAROبروش Panthère de Cartier، من الذهب الأبيض، والعقيق، والزمرد، والألماس.. من Cartier Fine Jewelry / خاتم Panthère de Cartier، من الذهب الأبيض، والعقيق، والزمرد، والألماس.. من Cartier Fine Jewelry جاكيت وفستان.. من UNGARO

ماذا تريد الشيخة بدور القاسمي أن تترك من أثر.. إن لم يكن في الإنجازات، فربما في القيم التي مرّت عبرك؟

أخبرنا أحد الأصدقاء، مرةً، بأنه كلما طلب من والدته الدعاء بالنجاح والتوفيق؛ كانت تقول له: «أفعالك تدعو لك!». هذه المقولة، البسيطة في كلماتها، العميقة في معناها، تركت أثرًا كبيراً بداخلي، وشكّلت رؤيتي حول الأثر الحقيقي. أنا لا أسعى إلى الإرث، أو إلى أن يُذكر اسمي من باب الإنجازات فحسب؛ فما يشغلني، فعلًا، هو أن تكون لكل خطوة أقوم بها قيمة حقيقية، وأن تصنع فارقًا في حياة الناس، وأن أستخدم موقعي والموارد التي تحت إدارتي في بناء بيئة أفضل للناس بإمارة الشارقة، ودولة الإمارات. وأن أساهم في بناء جيل يعرف تمامًا من هو، ويفخر بهويته، ويتمسّك بقيمه، ويملك من الوعي والانفتاح ما يمكّنه من تطوير ثقافتنا، لا تجاوزها. جيل قادر على بناء مستقبل مشرق، نابع من جذورنا، ومفتوح على العالم دون أن يذوب فيه. وإن تركت هذا الأثر، فأعتقد أنني قد أدّيت دوري.. كما ينبغي!

كيف تنظرين إلى جيل الشباب في الإمارات؟

بكل فخر ومحبة، أرى في شباب الإمارات، اليوم، صورة حية لمستقبلنا الواعد. ففي كل مكان أعمل به، وفي كل ركن من هذا الوطن، ألتقي جيلاً طموحاً، واسع الأفق، يتمتع بذكاء فائق، ومعرفة عميقة. فهؤلاء الشباب منفتحون على العالم بأسره، وفي الوقت ذاته يعتزون بثقافتهم، وجذورهم الأصيلة. هذا المشهد يبعث الدفء في قلبي، ويؤكد لي أن مستقبل وطننا في أيادٍ أمينة، كما يُعمّق امتناني وتقديري لقيادتنا الرشيدة، التي أرست أسساً متينة لتنشئة جيل بهذا القدر من التميز والكفاءة. لست قلقة على هذا الجيل من الشباب، طالما ظلوا متجذرين في لغتهم الأم، ومتمسكين بهويتهم؛ فالجذور القوية تُمكنهم من مواجهة التغيرات والتحديات. كل ما نحتاج إليه هو أن نكون شركاء لهم في رحلة التغيير، وأن نمنحهم الثقة والمساحة؛ ليعبّروا عن أنفسهم، وليبنوا العالم الذي يحلمون به. هذا الجيل لا ينتظر من يقوده، بل من يؤمن به.. وأنا أومن به من كل قلبي!

إذا أردتِ ترك رسالة واحدة فقط لنساء الإمارات.. فماذا ستقولين؟

أقول: إن الوطن يحتاج إليكنَّ اليوم أكثر من أي وقت مضى.. تحتاج إليكنَّ دولة الإمارات بعقولكنَّ المبدعة، وقلوبكنَّ المخلصة، وأيديكنَّ التي تبني، وتربي، وتلهم. فأنتنَّ شريكات في صناعة المستقبل، وصانعات لجيل يؤمن بقيمه، ويعتز بهويته، ويملك أدوات المنافسة في عالم سريع التغير. إن التمكين لا يأتي فقط من السياسات والدعم المؤسسي، بل يبدأ من الداخل، من إيمانكن بأن لكنّ مكانًا في كل ميدان، ومسؤولية في كل إنجاز. فلا شيء يعادل أثر المرأة التي تعرف قيمتها، وتدرك دورها، وتزرع في أبنائها حب الوطن، واللغة، والثقافة، والانتماء. وأقول لكل امرأة إماراتية: أنتِ قادرة على الجمع بين كل أدوارك.. بين القيادة والعطاء، وبين الطموح والرعاية. وفي كل دور تؤدينه، هناك فرصة لترك أثر حقيقي يعكس هويتنا، ويُثري مجتمعنا. أيضاً، ثقي بأن مساهمتك، اليوم، استثمار في غدٍ أجمل لنا جميعًا!

اذهب للمصدر