- Author, إيمان عريقات
- Role, بي بي سي نيوز عربي، طولكرم
قبل 3 ساعة
"قرار المحكمة الإسرائيلية بتجميد الهدم لا يعني إيقافه... نحن نريد إلغاء القرار بالكامل، نريد أن نعود إلى منازلنا"، يقول زهدي جاموس، أحد سكان مخيم طولكرم للاجئين، الذي يواجه خطر فقدان منزله بعد أن أدرجه الجيش الإسرائيلي ضمن قائمة المنازل المقرر هدمها.
أصدرت المحكمة العليا الإسرائيلية أمراً احترازياً بتجميد أوامر الهدم العسكرية في مخيم طولكرم للاجئين شمالي الضفة الغربية، ومنحت السلطات مهلة حتى 2 سبتمبر/أيلول المقبل للرد على الالتماس المقدم من مركز "عدالة" القانوني لحقوق الأقلية العربية في إسرائيل.
ويأتي الالتماس، الذي قدّمه المركز نيابة عن 11 من سكان المخيم، اعتراضاً على أمرِ هدمٍ جماعيٍ أصدرته القيادة المركزية للجيش الإسرائيلي في 30 يونيو/حزيران، وكان من المقرر تنفيذه خلال 72 ساعة.
جاموس تلقّى نبأ الهدم قبل أيام، عبر رسالة وصلته من إحدى قنوات المخيم على تطبيق "تلغرام"، إلا أنه أدرك حجم الكارثة عندما اطّلع على الخريطة التي سلّمها الجيش للارتباط الفلسطيني، وكانت تُظهر منزله ضمن المخطط، لكنه تأكد عندما وصلت الأسماء للجنة الخدمات الشعبية التابعة للمخيم.
"بيتي جديد، سكنّا فيه قبل عام فقط... واليوم لا أعرف إن كنت سأتمكن من العودة إليه"، يقول بحسرة.
ورغم قرار المحكمة العليا بتجميد أوامر الهدم مؤقتاً، لا يُخفي جاموس قلقه: "كل المؤشرات تقول إن الجيش لن يلتزم... ونحن نعيش على أعصابنا".
يوم أمس، قدّم اسمه للجنة الخدمات في المخيم ضمن قائمة العائلات التي سُمح لها بالدخول مؤقتاً لإخراج بعض ممتلكاتها، لكنه رُفض لأسباب "أمنية"، فيما سُمح لأشقائه ووالده بالدخول بدلاً منه.
"رفضوا دخولي، لكنني لم أستسلم. بعد مشادة طويلة مع الجنود، تمكنتُ من التسلل والدخول إلى بيتي. كانت هذه المرة الثانية فقط منذ خمسة أشهر".
يصف ما رآه داخل المنزل: "الدمار في كل زاوية، الجدران مخترقة بالرصاص، الأثاث محطم، الملابس مبعثرة في الخارج. بالكاد تعرفتُ على المكان".
يحكي كيف حاول إخراج الثلاجة من الطابق الثالث حتى الباب، لكن الجنود منعوه من اصطحابها معه: "تركتها هناك عند الباب، ولم أستطع إخراجها معي".
جاموس يقول إنه لا يطالب بأكثر من حقه بمأوى لعائلته، وبالرغم من التهجير المستمر منذ أكثر من خمسة أشهر، هو وزوجته وأبناؤه الثلاثة، يقول: "أمَلي بالعودة إلى حياتنا القديمة التي توقفت منذ أشهر لم يمُت".
وفي تعليقها على القرار، قالت المديرة القانونية في "عدالة"، سهاد بشارة، إن التجميد المؤقت "يمثل اعترافاً نادراً بخطورة أوامر الهدم وضرورة منح العائلات فرصة حقيقية للدفاع عن حقها في السكن"، مضيفة أن المحكمة العليا وافقت في السابق على عمليات هدم جماعية تُعد انتهاكاً جسيماً للقانون الدولي، ومنحت الجيش صلاحيات واسعة دون ضمانات قانونية كافية.
وشددت بشارة على أن "الخطوة المطلوبة الآن ليست التجميد المؤقت، بل الإلغاء الكامل لهذه الأوامر غير القانونية".
مصير مجهول
قبيل تجميد القرار، سمح الجيش الإسرائيلي لـ 54 عائلة فلسطينية من أصل 104، نزحت من مخيم طولكرم للاجئين شمال الضفة الغربية، بالدخول إلى منازلهم لتفقُّدها خلال ساعات الصباح من يومَيْ الأربعاء والخميس فقط.
وكان النازحون سيشهدون هدم 104 مبانٍ سكنية ضمن مخطط هندسي جديد فرضته إسرائيل يهدف لشق 6 طرق جديدة داخل المخيم تتمركز على أطرافه الجنوبية في حارتَيْ المربعة وأبو الفول.
وتتوالى عمليات الهدم لمبانٍ ومنازل منذ بدء العملية العسكرية الإسرائيلية واسعة النطاق في مدينة طولكرم ومخيمَيْها في يناير/كانون الثاني الماضي.
"هدم المباني لأغراض عسكرية بحتة"
ما إن وصلنا إلى أطراف مخيم طولكرم للاجئين، كان الجيش الإسرائيلي ينتشر بكثافة في المنطقة ومَنَعَنا من الاقتراب والدخول إليه.
كان الجيش الإسرائيلي قد أصدر نهاية الشهر الماضي قراراً عسكرياً يقضي بهدم 104 مبانٍ داخل مخيم طولكرم لأغراض عسكرية بحتة، ضمن عمليته العسكرية التي أطلق عليها اسم "السور الحديدي"، وهدفها - بحسب الجيش - القضاء على الفصائل والمجموعات المسلحة شمالي الضفة الغربية، لحماية أمن إسرائيل ومواطنيها.
صدر الصورة، الجيش الإسرائيلي
نشر القائد العسكري الإسرائيلي خريطة مرفقة بالقرار توضح المباني التي كان من المقرر هدمها بدءاً من الثاني من الشهر الجاري، مؤكداً حسب قوله تقليل الأضرار إلى الحد الأدنى لتحقيق الأهداف العسكرية.
وتم تسليم نسخة من القرار والخرائط لمديرية التنسيق والارتباط اللوائية الإسرائيلية وللارتباط الفلسطيني؛ يُسمح فيها لكل فلسطيني مشمول بقرار الإخلاء والهدم، بالتوجه بالاعتراض للسلطات الإسرائيلية خلال 72 ساعة من الإعلان العسكري، وفق التأكيد الرسمي الإسرائيلي.
صدر الصورة، الجيش الإسرائيلي
"منزلي يعني لي كل شيء"
كانت عشرات العائلات الفلسطينية النازحة في سباق مع الزمن. فقد أعطى الجيش الإسرائيلي أربع ساعات فقط للعائلات كي تأتي إلى منزلها وتأخذ ما يمكن أخذه من دون السماح لهم بإدخال أي مَركبات إلى المخيم للمساعدة في إخراج المفروشات ومقتنيات المنازل.
التقيتُ بالنازحة الفلسطينية حنان أبو عويضة وهي تهرول مسرعةً لمساعدة زوجها على أطراف المخيم، لإخراج ما تيسر لهم من مقتنيات منزلهم خارج المخيم، بعد أن سمح الجيش الإسرائيلي لعدد محدود من أفراد عائلتها بالدخول كما قالت لنا.
بدا الحزن والتعب واضحَيْن على وجه حنان وهي تصف لي معالم منزلها المكون من طابقين وفيه أربع غرف كبيرة تتسع لأفراد عائلتها المكونة من 6 أشخاص. ردّت على سؤالي حول ما حدث معها بالقول: "منذ بدء الاجتياح لم أدخل منزلي. اليوم سمحوا لزوجي وابني وبنتي فقط بالدخول للمنزل، أما أنا وزوجة ابني فلَمْ يسمحوا لنا بالدخول.. تم إطلاق النار باتجاهنا ونحن نحاول الدخول للمخيم - منزلي مليء بالمفروشات والمقتنيات.. سيُهدم ويعوّض الله علينا".
أضافت حنان بحسرة: "أنا ولدت في هذا المنزل وكل ذكرياتي فيه.عشت فيه طوال حياتي، منزلي يعني لي كل شيء. أنا الآن أعيش في غرفة بالإيجار وفيها مطبخ ولا تتسع للكثير من المفروشات، ولا أعلم أين سأذهب بهذه المفروشات التي أخرجناها من منزلي في المخيم. أطالب بأن يُؤَمّنوا مأوىً ملائماً لي ولعائلتي كي نعيش حياة كريمة، وفي مكان يتسع لنا ولمفروشاتنا".
ساعد بعض السكان في مدينة طولكرم أقاربهم النازحين من المخيم في إنجاز عمليات نقل المفروشات والمقتنيات إلى وجهتهم خارج المخيم، خاصة وأن هذه العملية تكررت مراراً منذ بداية العملية العسكرية الإسرائيلية في مخيمَيْ طولكرم ونور شمس للاجئين.
التقيتُ أيمن أبو عويضة، وهو نازح فلسطيني آخر من مخيم طولكرم، بينما كان يحاول ترتيب ما أخرجه من مقتنيات منزله داخل مركبته.
قال لي: "أطلَقوا النيران علينا ونحن نحاول الدخول إلى منازلنا بالرغم من التنسيق المسبق. لم أتمكن من الدخول إلى منزلي منذ خمسة أشهر حتى اليوم. دخلتُ مسرعاً ولم أتمكن من إخراج كل شيء. وأساساً لا يوجد لديَّ مكان يتسع لأُخرج كل مقتنيات منزلي. حاولت إخراج أهم المقتنيات اللازمة لاستخدام أولادي وزوجتي، إلا أن الفوضى سيطرت على المشهد".
وعن مشاعره حول هدم منزله خلال الأيام المقبلة، أضاف أبو عويضة بالقول: "هذا المنزل ولِدتُ فيه وتربيتُ وعشتُ فيه، وكل ذكرياتي فيه، ولكن ماذا نفعل؟ الموتُ أَهْونُ عليَّ مِن هدْم منزلي".
"تغيير معالم المخيم لشطب قضية اللاجئين"
نددت محافظة طولكرم بعمليات الهدم الإسرائيلية المستمرة منذ أكثر من ستة أشهر في المدينة ومخيمَيْها. ووصف محافظ المدينة عبد الله كميل تلك العمليات "بالإجرام المتواصل بقرار سياسي إسرائيلي ولا علاقة له بالأمن". وطالب المجتمع الدولي بالتدخل العاجل لوقف سياسات الهدم الإسرائيلية المخالِفة للقانون الدولي - حسب وصفه.
بينما كان يشرف على مساعدة النازحين الفلسطينيين في إخراج مقتنياتهم من داخل منازلهم في المخيم، التقيتُ برئيس لجنة الخدمات الشعبية في مخيم طولكرم فيصل سلامة وشرح لبي بي سي ما يشهد عليه المخيم منذ أشهر..
"عملياً كل سكان المخيم نازحون الآن ولا يوجد أحد يسكن في المخيم حالياً. تم طردهم تحت تهديد السلاح منذ 27 يناير (كانون الثاني) الماضي. الاحتلال هدم مئات المباني السكنية. القرار الأول شمل هدم 17 بناية وفتح شوارع، ثم هدم 11 بناية وتم فتح شوارع، وبعدها قاموا بهدم 58 بناية وفتحوا شوارع عريضة وواسعة. واليوم صادقوا على هدم 104 بنايات جديدة. في كل بناية هناك ما لا يقل عن 4 إلى 5 شقق سكنية؛ يعني في حال تنفيذ قرار الهدم الأخير فإن ذلك يعني أن أَلْف عائلة فلسطينية ستُهَجَّر من جديد ويصبح مصيرها مجهولاً دون مأوى واستقرار ونزوح مستمر. لدينا حتى اليوم في مخيم طولكرم وحده حوالي 15 أَلْف نازح فلسطيني، فيما لدينا قرابة 25 ألف نازح من مخيمَيْ طولكرم ونور شمس. عمليات الهدم مستمرة والاحتلال يخطط لهدْم أكثر من 60 في المئة من المباني داخل المخيم، وفتْحِ طرقات واسعة وتغييرِ معالم المخيم وإقامة مربعات سكنية لتسهيل السيطرة الأمنية والعسكرية على المخيم، وتغيير المخطط الهيكلي الهندسي والديمغرافي للمخيم".
وأضاف سلامة أن "المخيم هو المحطة المؤقتة للاجئ حتى تحقيق حق العودة للديار وإقامة الدولة المستقلة. لكن الخطورة فيما يحدث اليوم هي التهجير من جديد وتغيير معالم المخيم لشطْب قضية اللاجئين وإنهاء المظلة القانونية للاجئ بالقضاء على وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الأونروا. هذه المؤامرة الواضحة بالقضاء على المخيم وهو الشاهد التاريخي على قضية اللاجئين.. ما يتم اليوم هو سعي الاحتلال لدمج المخيم في المدينة ليصبح حيّاً من أحيائها، وإنهاء صفته كمخيم. لكن نحن نقول إنَّ ذلك ولو غيَّر في الجغرافيا لكنه لن يغيّر التاريخ، لأن تاريخ الشعب الفلسطيني مغروس في عقولنا، وسنبقى نطالب بحقوقنا كافة".
ونحن نهُمّ بالمغادرة، تحدثتُ مع النازحة الفلسطينية منوة قوزح والتي لم يُسمح لها بالدخول لمنزلها في مخيم طولكرم وقالت لي: "تشتتنا ونعيش الآن في خيمة لا يوجد فيها حتى حمام. منزلي سيُهدَم في حارة الربايعة داخل المخيم، حاولتُ الدخول اليوم ومُنِعت. مصيري مجهول. وأعيش في خيمة مع زوجي وأولادي. وأريد من الجميع أن يُؤَمّنوا لي سكناً. هذا أبسط حق لأيّ إنسان".