حتى قبل أن تنشر المفوضية الأوروبية مقترحاتها بشأن الموازنة طويلة الأجل للاتحاد الأوروبي الأسبوع المقبل، بدأت المجموعات السياسية في البرلمان الأوروبي وبعض الدول الأعضاء في التصدي لها بالفعل.
وبدأت الانقسامات في الظهور حول كيفية تخصيص الأموال في "الإطار المالي المتعدد السنوات" في مجالات حيوية ذات أولوية، مثل مجالات الدفاع والعمل المناخي والسياسة الاجتماعية والتنمية الإقليمية.
وتصاعدت حدة الجدل السياسي في البرلمان الأوروبي إثر إشارة المفوضية إلى أنها تريد تبسيط الموازنة، مما يعني على سبيل المثال، خفض عدد من أدوات التمويل لإنشاء ما تسميه "موازنة حقيقية قائمة على السياسات."
وقال مفوض الموازنة ومكافحة الاحتيال في الاتحاد الأوروبي بيوتر سيرافين في خطاب ألقاه يوم الأربعاء الماضي: "أكثر ذكاء يعني بالتأكيد أكثر بساطة أيضا."
ما هو بالضبط الإطار المالي المتعدد السنوات ؟
الإطار المالي المتعدد السنوات هو خطة موازنة الاتحاد الأوروبي طويلة الأجل، والذي يحدد المبلغ الذي يستطيع التكتل إنفاقه، وأوجه الإنفاق على مدار سبع سنوات.
ويهدف الإطار المتعدد السنوات إلى توفير الاستقرار المالي وضمان توافق إنفاق الاتحاد الأوروبي مع أهدافه الأوسع نطاقا.
ويمتد الإطار التمويلي الحالي للسنوات للسنوات 2021-2027 ويخصص أكثر من تريليون يورو (1.17 تريليون دولار) للأولويات، مثل العمل المناخي والابتكار الرقمي والزراعة والبحث والتنمية الإقليمية.
ويمثل الإطار الحالي ما يربو قليلا على 1% من إجمالي الناتج المحلي للدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي (27 دولة).
وتسهم ألمانيا بنحو ربع هذه الأموال في الاتحاد الأوروبي، وتبرر برلين هذا الالتزام بأنها تستفيد أيضا من السوق الموحدة للاتحاد الأوروبي أكثر من أي اقتصاد أوروبي آخر.
وإلى جانب مساهمات الدول الأعضاء، يتم تمويل الموازنة من خلال الرسوم الجمركية على الواردات وجزء من ضريبة القيمة المضافة التي يتم تحصيلها داخل التكتل.وفي المستقبل، يمكن أن يأتي المزيد من الأموال من ضريبة الحدود الكربونية - التي يتم تطبيقها بشكل تدريجي - أو من خلال ضريبة خدمات رقمية محتملة.
واقترحت المفوضية الأوروبية الإطار المالي المتعدد السنوات، ووافقت عليه الدول الأعضاء، والبرلمان الأوروبي. ويمكن للبرلمان قبول أو رفض هذا الإطار المالي، دون تعديله.
ما الذي يمكن أن يتغير في الموازنة المقبلة؟
طرحت المفوضية الأوروبية فكرة أن تضع الدول الأعضاء في الإطار التمويلي المتعدد السنوات المقبل، الفترة من 2028 إلى 2034، خططها الوطنية الخاصة لإنفاق الأموال الأوروبية، والتي ستشمل سياسات التماسك والسياسات الزراعية، وهما مجالان يمثلان حوالي ثلثي الموازنة.
إن سياسة التماسك في الاتحاد الأوروبي هي إحدى السياسات الرئيسية التي تهدف إلى تقليل الفوارق الاقتصادية والاجتماعية بين المناطق المختلفة داخل الاتحاد، وتعزيز التنمية المتوازنة.
يتم تحقيق ذلك من خلال استثمارات كبيرة في المناطق الأقل نموًا، مما يساهم في تحقيق التوازن والنمو الشامل.
ويعكس ذلك النهج المستخدم لتوزيع أموال التعافي بعد جائحة فيروس كورونا: تلقت كل دولة الحزمة المالية الخاصة بها، مع صرف الأموال بمجرد تنفيذ الإصلاحات المقررة، والمعالم الرئيسية التي وافق عليها الاتحاد الأوروبي.
ومن شأن التغييرات المقترحة أن تسمح للمفوضية الأوروبية بتسليم أموال التماسك مباشرة إلى الحكومات الوطنية، مما يمنح المفوضية مزيدا من السيطرة على كيفية تقاسم الأموال بين مناطق التكتل.
ويحذر منتقدون من أن هذا قد يؤدي إلى توسيع أوجه عدم المساواة القائمة داخل الدول، وإضعاف الدور الأوسع، حاليا، للسلطات المحلية في تحديد كيفية إنفاق الأموال.
وعارضت 14دولة عضو، بينها بلغاريا وكرواتيا وسلوفينيا وجمهورية التشيك، مقترح المفوضية.
وقالت النائبة الأوروبية السلوفاكية- من حزب الشعب الأوروبي المحافظ- إنه يتعين على البرلمان الأوروبي أن يحافظ على هيكل التمويل كما هو قائم حاليا: نموذج لا مركزي من الصناديق المنفصلة، مع إشراك المناطق قدر الإمكان في إدارتها.أكثر أم أقل؟ ويعد إجمالي حجم الموازنة أيضا نقطة شائكة رئيسية.
وعلى سبيل المثال، كانت السويد واحدة من أكثر الدول المقتصدة في مفاوضات الموازنة لسنوات عديدة، ويبدو أنها ستواصل هذا المسار.
وتطالب الحكومة السويدية، والكثيرون في صفوف المعارضة، بإعادة تخصيص الأموال بدلا من إضافة المزيد.
وقالت وزيرة المالية السويدية إليزابيث سفانتيسُن: "دائما ما نشعر- نحن السويديين- بالقلق إلى حد ما عندما يتعلق الأمر بالإطار المالي المتعدد السنوات. سوف نكون بناءين، ولكن على الاتحاد الأوروبي أن يفعل ما كانت تفعله السويد: أي تحديد الأولويات ضمن النفقات من أجل نقل الأموال وتعزيز المجالات التي تحتاج إلى مزيد من الأموال."
وعلى سبيل المثال، تعتقد السويد أن من الممكن نقل الأموال من صناديق التماسك.
وأضافت سفانتيسُن أن "بعض الدول التي لديها صناديق تماسك كبيرة في بعض المناطق ليست فقيرة كما كان حالها قبل 10 أعوام أو 15 عاما. هناك أموال لم يتم استخدامها، وهو ما يعني أنه يمكننا تحديد الأولويات بطريقة مختلفة"، بحسب وكالة أسوشيتد برس.
أما في البرلمان الأوروبي، هناك آخرون يريدون التحرك في الاتجاه المعاكس.
وتطالب مجموعة "تجديد أوروبا" (تيار الوسط) بالبرلمان بموازنة أكبر، ذات مزيد من الموارد. وقد يشمل ذلك زيادة مساهمات الدول الأعضاء الـ 27 في الاتحاد الأوروبي.
ويعتقد البعض أن المبلغ الحالي الذي يبلغ حوالي 180 مليار يورو سنويا، أقل بكثير من أن يفي بالأولويات الرئيسية للاتحاد الأوروبي، خاصة حال زيادة الإنفاق على الدفاع والأمن.
وأقر البرلمان الأوروبي في مايو الماضي قرارا مفاده أنه "لا يمكن أن يأتي الإنفاق الدفاعي على حساب الاستثمار طويل الأجل، أو يؤدي إلى خفضه في مجالات التماسك الاقتصادي والاجتماعي والإقليمي للاتحاد الأوروبي."
وفي الوقت نفسه، يكافح الاشتراكيون والديمقراطيون من أجل ضمان بقاء "الصندوق الاجتماعي الأوروبي" - الذي يركز على سياسات التوظيف والسياسات الاجتماعية والتعليمية والمهارات - كجزء من الإطار المالي المتعدد السنوات.
وفي اتفاق تم التوصل إليه يوم الأربعاء الماضي، قالت كتلة "تجديد أوروبا" إنها نجحت في ذلك، وغردت على منصة إكس للتواصل الاجتماعي: "سوف يتم تضمين الصندوق الاجتماعي الأوروبي في الإطار المالي المتعدد السنوات المقبل."
وفي ظل الأولوية التي يتمتع بها الدفاع والأمن، أعربت جماعات حماية البيئة وساسة، عن قلقهم من أن بعض البرامج الخضراء قد تشهد تراجعا في تمويلها.
ويتضمن الإطار المالي المتعدد السنوات الحالي ما لا يقل عن 30% من إجمالي الإنفاق المخصص لسياسات مكافحة تغير المناخ.
وبالنظر للمصالح الوطنية، التي تأتي على رأس كل ذلك، يبدو أن المرحلة المقبلة من المفاوضات حول الإطار المالي المتعدد الأطراف ستكون مشحونة سياسيا أكثر من أي وقت مضى.