صدر الصورة، Getty Images
- Author, ليلى بشار الكلوب
- Role, بي بي سي نيوز عربي
قبل 2 ساعة
يزداد اليوم المشهد السياسي الفلسطيني انقساماً، مع استمرار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، منذ نحو 18 شهراً حتى الآن. راح ضحية الحرب حتى اليوم، أكثر من 50 ألف فلسطيني، وأصيب أكثر من 113 ألف.
يبرز الخلاف بين أكبر فصيلين: حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، التي تحكم غزة منذ عام 2007، وحركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح)، التي تحكم الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية من خلال مؤسسات السلطة الفلسطينية.
ومع استمرار معاناة أهل القطاع، يستمر الفصيلان بتبادل اتهامات وتصريحات، في وقت ظهرت فيه أصوات تطالب حماس بالتنحي عن حكم غزة، كما اقترح البعض أن تحكم السلطة الفلسطينية عوضاً عنها.
تطرح هذه الأصوات أسئلة هامة: ما هي جذور وأسباب انقسام "البيت الفلسطيني" الذي يمنع وحدته، وما طبيعة العلاقة التاريخية بين هذين الفصيلين؟
ما الذي يمنع وحدة "البيت الفلسطيني"؟
الطرفان يُلقيان بالمسؤولية على بعضهما في الإجابة عن هذا السؤال، فيقول رئيس المكتب الاعلامي لحركة فتح، منير الجاغوب، في حديثه مع بي بي سي عربي، إنّ ما يمنع وحدة الفلسطينيين هو فكر حركة حماس الذي انطلقت به من الأساس "لمناكفة" منظمة التحرير منذ تأسيسها كجمعية إسلامية، واستمر حتى انطلقت الحركة رسمياً باسم حماس بحسب تعبيره، فهو قائم على "الاختلاف في كل البرامج".
ويضيف الجاغوب أنّ الاختلاف تعزّز بعد توقيع اتفاق إعلان المبادئ أوسلو عام 1993، لأنّ "باقي الفصائل الفلسطينية ذهبت باتجاه السلام مع إسرائيل باستثناء حماس".
في حين ترى حماس أن حركة فتح تستمر في "تجاهل صريح لآمال وتطلعات الشعب الفلسطيني"، وقال متحدث من حركة حماس لبي بي سي (دون ذكر الاسم لأسباب أمنية)، إنّ العديد من المشاورات واللقاءات حدثت بين حركتي فتح وحماس أثناء استمرار مفاوضات وقف إطلاق النار الأخيرة بين حماس وإسرائيل "لكن حتى هذه اللحظة لم يتم التوصل إلى قواسم مشتركة تفضي للإعلان عن اتفاق واضح، لكن تم التفاهم على الكثير من النقاط الخلافية (بين الحركتين الفلسطينيتين)".
وأشارت الحركة إلى أن هناك "تباينات وضغوطات خارجية، وخاصة أمريكية، على السلطة الفلسطينية"، وهو ما يعرقل التوصل لأي اتفاق.
يعلّق شرحبيل الغريب، رئيس منتدى العلاقات الدولية للحوار والسياسات، قائلاً إنّ اختلاف برامج الحركات الفلسطينية وإصرار كل منها على برنامجه، ورغبة كل طرف بفرض شروطه على الآخر، وغياب الإرادة السياسية، هو ما يمنع الوحدة الفلسطينية.
هل نحن أقرب اليوم، إلى الوحدة أم إلى الخلاف؟
يجيب منير الجاغوب، أنّ الفجوة مع حركة حماس "تكبر ولا تصغر"، مشيراً إلى أن "العالم كله" يطالب بعودة السلطة الفلسطينية إلى قطاع غزة، لكنّه يرى أن "حماس وإسرائيل ترفضان ذلك"، الأمر الذي يجعل "الفجوة واسعة" بين الحركتين، إذا "لم تدرك حماس الأهمية الوطنية لعودة السلطة إلى قطاع غزة".
برأي الجاغوب، وحتى رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، فإن هجوم السابع من أكتوبر/تشرين أول 2023 "دمّر كل الحالة الفلسطينية وانتقل الآن لتدمير الضفة الغربية". مشيراً إلى أنّ حركة حماس التي حاربت فتح لسنوات "عادت لتوقع اتفاقية في الدوحة - اتفاقية وقف إطلاق النار في يناير/ كانون ثاني 2025 - سقفها أقل من سقف اتفاق أوسلو، وأقل مما كانت تطرحه (حماس)".
أما حماس فقالت إنها "مع ترتيب البيت الفلسطيني، وإنها سعت وما زالت تسعى لذلك". وأكدت الحركة أنه "يجب على الجميع المشاركة في حكومة وحدة وطنية أو إدارة قطاع غزة في المستقبل القريب، ويجب على الجميع وضع الخلافات جانباً".
لكنّ شرحبيل الغريب يقول إنّ الوحدة الفلسطينية غير واردة اليوم، نظراً لاختلافات كثيرة أهمها ترتيبات "اليوم التالي" في غزة، والخلافات حول تشكيل حكومة وطنية.
هل كانت تفاصيل الصراع العربي- الإسرائيلي ستختلف بوحدة "البيت الفلسطيني"؟
يقول شرحبيل الغريب، إنّه بوجود استراتيجية فلسطينية موحدة لمواجهة تحديات الفلسطينيين باختلافهم، ستختلف المعادلة سياسياً وحقوقياً وميدانياً، فحينها "سيحسب المجتمع الدولي وإسرائيل ألف حساب للموقف الفلسطيني".
ويضيف أنّ الموقف الفلسطيني، والالتفاف العربي حول الفلسطينيين سيصبحان أكثر قوة. لذلك، يرى الغريب أنّ "أهمية العمل على هذا الأمر مهم ومُلّح ومطلوب في هذا الوقت الذي تواجه فيه القضية الفلسطينية محاولة تصفية".
"الموقف الفلسطيني يجب أن يكون موحداً لمعالجة وترميم آثار الحرب"، يقول الغريب.
كيف تشكلت الحركتان؟
في أواخر خمسينيات القرن الماضي، وبعد نحو عشر سنوات من الحرب العربية الإسرائيلية عام 1948 (التي تعرف عربياً بـ"النكبة" وإسرائيلياً بـ"حرب الاستقلال") عقد ستة أشخاص، أبرزهم ياسر عرفات، اللقاء التأسيسي الأول لحركة فتح، وصاغوا ما سُمّي آنذاك "هيكل البناء الثوري" و"بيان حركتنا".
وفي أواخر عام 1964، قررت فتح بدء "الكفاح المسلح"، ونفذت عدة عمليات ضد إسرائيل. وفي عام 1965 صدر البيان السياسي الأول للحركة، بهدف توضيح أن "المخططات السياسية والعسكرية للحركة لا تتعارض مع المخططات الرسمية الفلسطينية والعربية"، كما أكدت الحركة لاحقاً على ضرورة "التعبئة العسكرية".
وفي العام ذاته، أعلنت الحركة انطلاقتها "كيوم لتفجر الثورة الفلسطينية المعاصرة".
ومع تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية، عام 1965، دعت فتح في مجلتها "فلسطيننا"، ليكون كيان المنظمة "ذا مضمون ثوري، ومرتكزاً للثورة المسلحة، وليس بديلاً منها، وأن يكون التنظيم العسكري أساساً للكيان الفلسطيني".
وبعد حرب عام 1967 (التي تعرف عربيا بـ"النكسة" وإسرائيلياً بـ"حرب الأيام الستة")، تزايدت أعداد التنظيمات الفلسطينية المسلحة، وتزعمت حركة فتح المطالبة بتجديد منظمة التحرير، حتى أصبحت الحركة في تقدير الرئيس المصري آنذاك جمال عبد الناصر "أخلص الجماعات الفلسطينية، وأقدرها على تولّي قيادة منظمة التحرير"، بحسب وصف موقع المنظمة الرسمي.
وفي عام 1993، الذي كان فاصلاً في الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، وقّعت منظمة التحرير وإسرائيل اتفاقية أوسلو، وتأسست بعدها بعام السلطة الفلسطينية، برئاسة ياسر عرفات، لتكون إدارة حكم ذاتي في الضفة الغربية وقطاع غزة.
أما حركة حماس، فتأسست رسمياً، بالتزامن مع اندلاع الاحتجاجات في الضفة الغربية المحتلة وغزة، وبدء "الانتفاضة الفلسطينية الأولى" عام 1987، مع تصاعد النشاط السياسي لجماعة الإخوان المسلمين هناك.
تهدف حركة حماس، بحسب وثيقة المبادئ والسياسات العامة التي صدرت عام 2017، إلى "تحرير فلسطين ومواجهة المشروع الصهيوني" مؤكدةً على أن "مرجعيتها الإسلام".
صدر الصورة، Getty Images
الاختلافات الأيديولوجية وبداية الانقسام
تختلف الحركتان اختلافاً أيديولوجياً جذرياً، ويظهر أثر ذلك جلياً على علاقتهما بإسرائيل وكيفية التعامل معها.
فحركة حماس، تحمل فكر حركة الإخوان المسلمين التي انبثقت عنها، وتعرّف نفسها بأنها "حركة مقاومة فلسطينية إسلامية، مرجعيتها الإسلام في الأهداف والوسائل والمنطلقات".
ورغم أنها أشارت إلى استعدادها لقبول وجود دولة فلسطينية "مؤقتة" في الضفة الغربية والقدس الشرقية وغزة فقط، إلا أنها تعارض وجود إسرائيل، وتقبل بهذه الدولة "المؤقتة" دون التنازل عن مطالبها بكامل "فلسطين التاريخية".
ولحماس، كتائب عز الدين القسام، جناحها العسكري الذي تأسس عام 1991، والذي خاض عدة معارك ضد إسرائيل منذ ذلك الحين، أبرزها هجوم 7 أكتوبر/ تشرين أول 2023، حيث عبر أكثر من ألف مقاتل وهاجموا قواعد عسكرية إسرائيلية وعدة بلدات ومهرجان موسيقي. قُتل في الهجوم 1200 إسرائيلي، منهم مدنيون وأطفال، وخُطف 251 آخرين إلى غزة، حيث قامت الحركة بتسليم بعضهم لإسرائيل لاستبدالهم بمعتقلين فلسطينيين في السجون الإسرائيلية. ونفذت الكتائب عدة عمليات خطف وأسر جنود إسرائيليين منذ نشأتها. كما تمتلك القسام قوة أمن داخلي خاصة بها تسمى "المجد".
أما حركة فتح، التي تدير السلطة الفلسطينية منذ تأسيها، فتعرف نفسها بأنها "حركة تحرر وطني تمثل الشعب بطوائفه وطبقاته وقطاعاته"، ولم تحمل عند تأسيسها أيديولوجيا واضحة كالحركات الفلسطينية الأخرى - الإسلامية منها واليسارية، إذ تصف تركيبتها بالـ"فسيفسائية".
وهي الفصيل الأكبر في منظمة التحرير الفلسطينية التي اعترفت بإسرائيل ووقعت معها اتفاقية أوسلو.
واليوم، أمام حركة حماس "الإسلامية"، بات البعض يعتبر فتح، "الاتجاه الوطني العلماني" الفلسطيني.
من يمثل الفلسطينيين؟
في عام 1974، تبنّت منظمة التحرير الفلسطينية برنامجاً يسمح بالتوصل لحلول وسطية مع إسرائيل، ما رفضته فصائل عدة كانت منضوية تحت جناح المنظمة، حيث انفصلت وشكلت جبهة القوى الفلسطينية الرافضة للحلول الاستسلامية أو ما عُرف بجبهة الرفض، التي تزعمتها "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين".
تبنّت هذه الجبهة "المقاومة المسلحة، واعتبرت "العمل الفدائي في الداخل المحتل هو الأساسي، والعمل في الساحة الخارجية هو الرديف".
في العام ذاته، اعترفت جامعة الدول العربية بمنظمة التحرير بوصفها "الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني" وقبلتها عضواً كاملاً في الجامعة، وأصبح ياسر عرفات أول "زعيم بدون دولة" يلقي كلمة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة.
لكنّ الخلاف الحقيقي مع حركة حماس تحديداً، بدأ قبل التشكل الرسمي لحماس، مع بروز نشاط الإسلاميين في بداية الثمانينيات، إذ ظهرت بوادر الخلاف، الذي وُصِفَ حينها بالتنافسي داخل الجامعات، خاصةً حول المنطلقات الفكرية لكل طرف.
احتدم خلاف البيت الفلسطيني مع توقيع اتفاق أوسلو، ففي حين اختارت حركة فتح "طريق السلام"، واعترفت بوجود إسرائيل، وأقرت أن حدود الدولة الفلسطينية هي حدود عام 1967، واعترفت بكل القوانين والاتفاقيات الدولية التي تصب في ذلك الاتجاه، رفضت حماس هذا التحول.
واستمرت، حماس، بالتأكيد على عدم اعترافها بإسرائيل، معتبرةً جميع القرارات الدولية الخاصة بالصراع الفلسطيني-الإسرائيلي والاعتراف بإسرائيل كدولة، قرارات "غير شرعية"، ورفضت وقف عملياتها ضد إسرائيل، الأمر الذي اعتبرته فتح تهديداً لمشروعها السياسي.
زادت حدة التوتر بين الحركتين خلال السنوات التي تلت "أوسلو"، وانعكس الخلاف على الشارع الفلسطيني بوضوح. ففي نوفمبر/ تشرين ثاني عام 1994، دارت اشتباكات في مدينة غزة، بعدما دعت حماس لمسيرة تؤيد تنفيذ عملية عسكرية ضد إسرائيل، حيث فجر الشاب هشام حمد من الجناح العسكري للجهاد الإسلامي نفسه وسط جنود إسرائيليين قرب مستوطنة نتساريم السابقة في غزة، رداً على اغتيال إسرائيل القيادي في الحركة هاني عابد، وقتل في تلك العملية ثلاثة جنود إسرائيليين.
منعت السلطة الفلسطينية المسيرة، الأمر الذي أدى لاشتباكات بين الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة، ومؤيدين لحماس، قُتل آنذاك عشرات الفلسطينيين، واتهم كلا الجانبين الآخر بالتسبب بالحادثة.
استمر الانقسام الفلسطيني بالتأزّم، ونفّذت الأجهزة الأمنية الفلسطينية حملات اعتقال واسعة ضد قادة وعناصر حماس بين عامي 1996 و2000، بررت تلك الاعتقالات بـ "تقويض الأمن" بحسب تصريحاتها الرسمية.
كذلك شكلت قضية التنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل نقطة أخرى في الخلاف حول شرعية من "يمثل الفلسطينين"؛ فحماس لطالما اتهمت فتح "بملاحقة المقاومين" وطالبتها بالتوقف عن التنسيق الأمني والاستجابة لما وصفته بـ"النداءات الوطنية للشعب"، فيما قال مسؤولون في فتح "إن حماس تريد أن تُلهي الشارع الفلسطيني بمعارك هامشية" مدافعين عن التنسيق الأمني بوصفه "نوع من إدامة حياة الفلسطيني تحت الاحتلال، والتنسيق فيما يتعلق بالتصاريح والسفر وما إلى ذلك من أمور حياتية يومية" على حد قول المتحدث باسم حركة فتح إياد أبو زنيط سابقاً لبي بي سي.
تصاعد التوتر بشكل أكبر، عندما حققت حماس فوزاً بالأغلبية في انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني عام 2006، حين قررت المشاركة في الانتخابات العامة، وشكلت حكومة برئاسة إسماعيل هنية.
رفضت فتح وبقية الفصائل الانضمام إلى الحكومة.
في مارس/آذار 2007 اتفقت الحركتان على تشكيل حكومة وحدة وطنية بعد أشهر من الصراع والمواجهات وأعمال العنف. ثم أطاحت حماس بسلطة حركة فتح في قطاع غزة في يونيو/حزيران 2007، حيث طردت القوات الأمنية الفلسطينية من القطاع بعدما أرغم رئيس السلطة الفلسطينية حماس على التنحي عن السلطة، ومنذ ذلك الوقت أصبح قطاع غزة تحت إدارة حركة حماس وحدها، الأمر الذي أدى إلى تعميق الخلاف الفلسطيني بشكل أكبر.
ورغم أنّ حماس، عدّلت وثيقتها الأساسية عام 2017، واعتبرت أنّ حدود الدولة الفلسطينية لعام 1967 "صيغة توافقية مشتركة"، إلاّ أنّها ما زالت تُصر على "تحرير كامل فلسطين"، مع أنه وردت كذلك تصريحات لقادتها وافقوا فيها على هدن طويلة الأمد في حال اعتماد دولة فلسطينية على حدود عام 1967.
هذه التفاصيل، توضح جلياً اختلاف نظرة الحركتين للمفاهيم التاريخية الفلسطينية المتعلقة بـ "المقاومة والكفاح المسلح". فرغم أنّ حركة فتح، بدأت كحركة "مقاومة مسلحة"، ومع تمسكها بأحقية "الشعب الفلسطيني بالنضال بكافة الأشكال"، إلا أن قادتها يقدّمون خيار "النضال السلمي"، باستخدام ما منحته إياهم المعاهدات والاتفاقيات الدولية من حقوق لإقامة دولتهم.
أما حماس، فتُعلي شأن "المقاومة المسلحة" ضد إسرائيل، وهو ما باتت السلطة الفلسطينية اليوم تلتزم بمنعه والحد منه، بموجب اتفاقية أوسلو، حيث أدانت السلطة مراراً قتل الإسرائيليين.
وهناك اختلاف جوهريٌ آخر، يتعلق بمسألة: من يمثل الفلسطينيين؟
حركة حماس ليست عضواً في منظمة التحرير الفلسطينية، التي تأسست عام 1964 بهدف "إعادة تنظيم الشعب الفلسطيني وإبراز كيانه شعباً موحداً"، بينما فتح هي العضو الأبرز فيها.
ورغم ذلك، تعترف حماس بالمنظمة كإطار يمثل الفلسطينين، مع ضرورة تطويرها وإعادة بنائها بما يسمح لانضمام الفصائل المختلفة.
في حين ترى حركة فتح بأن منظمة التحرير الفلسطينية، وإن كانت لا تشمل حماس، فهي الممثل الوحيد للشعب الفلسطيني وخياراته.
محاولات المصالحة
بعد احتدام خلاف حماس مع السلطة الفلسطينية عام 1994، كانت هناك محاولات مصالحة أيضاً، فما أبرز هذه المحاولات؟
توسطت عدة دول عربية لاجراء حوار بين الطرفين عام 2006. وفي عام 2007، استضافت السعودية حواراً نتج عنه تشكيل حكومة وحدة وطنية لإنهاء أشهُر من الاشتباكات المتقطعة في غزة، لكن سرعان ما انهار هذا الاتفاق، واندلعت اشتباكات شديدة بين الحركتين، أقامت حماس على إثرها حكومة منافسة في غزة، في حين تدير حكومة السلطة الفلسطينية وفتح المناطق غير الخاضعة لإسرائيل في الضفة الغربية المحتلة.
جرت بعد ذلك جهود مصالحة جديدة في اليمن، ومن ثم في القاهرة، لكنها تعثرت مجدداً إثر احتجاج حماس على اعتقال السلطة الفلسطينية نشطاء منتمين لها في الضفة الغربية.
وفي عام 2011، اتفقت الحركتان في محادثات على إصلاح حكومة الوحدة الوطنية وإجراء انتخابات جديدة، فيما يعرف باتفاق القاهرة، لكن الاتفاق لم يتم تنفيذه عملياً.
وبعد عام، في قطر هذه المرة، وقعّت فتح وحماس اتفاقاً لتشكيل حكومة وفاق وطني، ثم تبادلتا الاتهامات حول المتسبب في تأجيل تنفيذ هذا الاتفاق.
عام 2014، حاول الطرفان التوصل إلى اتفاق مصالحة جديد تشكّل بموجبه حكومة وحدة وطنية.
وصل وفد من فتح إلى غزة، وسارت الأمور بشكل إيجابّي حتى أنّ الحركتين توافقتا على رامي الحمدلله رئيساً للحكومة الجديدة، وكلفتاه بتشكيل حكومة تسيير أعمال .
لكن، تعثرت المصالحة بعد وقوع انفجارات متزامنة استهدفت منازل قيادات في حركة فتح في قطاع غزة في العام ذاته، وحملّت فتح قيادة حماس المسؤولية، فيما نفت الأخيرة ضلوعها في تلك التفجيرات، ووصفتها بـ "الحادث الإجرامي".
استقالت بعد ذلك حكومة الوحدة الوطنية، وعاد الخلاف بين الطرفين للتصاعد بعد اتهامات حماس للسلطة باعتقال عناصر لها في الضفة الغربية مجدداً.
عام 2017، وقعّت الحركتان اتفاق مصالحة وصفه الرئيس الفلسطيني محمود عباس "بالاتفاق النهائي" الذي ينهي الانقسام الفلسطيني.
واتفقت فتح وحماس على تمكين حكومة الوفاق الوطني من ممارسة مهامها والقيام بمسؤوليتها الكاملة في إدارة شؤون قطاع غزة.
لكنّ حادثة استهداف موكب رئيس الوزراء الفلسطيني، رامي الحمد الله، في قطاع غزة خلال شهر مارس/ آذار عام 2018، كانت صادمة للشارع الفلسطيني، وأثرت على جهود المصالحة، لا سيما بعد اتهام السلطة الفلسطينية المباشر لحركة حماس بوقوفها وراء الحادث.
حماس أدانت الانفجار في وقتها، ووصفته بمحاولة "العبث بأمن قطاع غزة".
توالت الخلافات بعدها حول قضايا تنفيذية وإدارية وعاد تراشق الاتهامات. أبرز تلك الخلافات تمحور حول المعابر ورواتب الموظفين في غزة والذمم المالية للحكومة.
تحذير: بي بي سي غير مسؤولة عن محتوى المواقع الخارجية المحتوى في موقع YouTube قد يتضمن إعلانات
نهاية YouTube مشاركة
اشتد الخلاف مجدداً بعد السابع من أكتوبر/تشرين أول عام 2023، فرغم أنّ حركة فتح، قدمت تعازيها وعبرت عن تضامنها مع حماس بعد اغتيال وقتل اسرائيل لعدة قادة منها خلال الحرب، لكنها كذلك حمّلت حماس في عدة تصريحات مسؤولية ما آلت إليه الأمور في غزة.
ودعا مؤخراً رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، حركة حماس إلى إطلاق سراح الرهائن والتخلي عن مسؤوليتها عن قطاع غزة، وتسليم سلاحها للسلطة الفلسطينية، والتحول إلى حزب سياسي، فيما اتهمت حماس عباس بالـ"الاستمرار في انتهاك شرعية التمثيل الوطني الفلسطيني".
وقال محمود عباس، في مايو/ أيار 2024 في اجتماع الجامعة العربية في المنامة: "حماس نفذت العملية العسكرية في 7 أكتوبر بقرار منفرد، ووفرت لإسرائيل المزيد من الذرائع لمهاجمة غزة".
في المقابل، وعلى الرغم من تصريحات إيجابية سابقة لقادة حماس تجاه رموز حركة فتح وأبرزهم ياسر عرفات، لكنّ الحركة اتهمت السلطة الفلسطينة في عدة مواقف بأنها تتخذ قرارات فردية دون إجماع وطني وتعمّق الانقسام، آخرها تكليف رئيس الوزراء الفلسطيني محمد مصطفى بتشكيل حكومته في مارس/آذار 2024، إلى جانب اتهام السلطة الفلسطينية بأنها تقوم بأفعال تخدم إسرائيل.
استمرت محاولات المصالحة حتى يوليو/تموز من عام 2024، حيث أعلن عن الوثيقة الثالثة عشر بين الحركتين، التي عرفت باسم "اتفاق بكين".
هدفت الوثيقة إلى وحدة وطنية شاملة تضم كافة القوى والفصائل الفلسطينية في إطار منظمة التحرير، ثم جرى لاحقاً لقاء في موسكو، بدعوة رسمية من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لرعاية المصالحة الفلسطينية.
إلا أنّ المواجهات تجددت بين الطرفين، بعدما أطلقت السلطة الفلسطينية عملية أمنية كبرى في نهاية 2024 في مخيم جنين للاجئين، مستهدفة الجماعات المسلحة هناك، وحاصرت خلالها المخيم، ووقعت اشتباكات مسلحة طالت مدنيين. يتبادل الطرفان الاتهامات بخصوص المسؤولية عن مقتلهم.
قالت السلطة الفلسطينية إنّ العملية تهدف "لحفظ الأمن والسلم الأهلي، وبسط سيادة القانون في مخيم جنين"، فيما وصفت حماس العملية الأمنية في المخيم "بالجريمة التي تخدم إسرائيل".
وفي أواخر يناير/كانون ثاني 2025، أطلق الجيش الإسرائيلي عملية عسكرية سماها "السور الحديدي" في مدينة جنين ومخيمها، شمالي الضفة الغربية المحتلة.
اتهمت حماس، أجهزة الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية بـ"المشاركة" في العملية، واستنكرت ما وصفته بـ "تواصل نزيف الدم الفلسطيني على يد أجهزة السلطة في الضفة الغربية".
ثم استنكرت فتح كذلك، ما وصفته بـ "المواقف والتصريحات الغريبة التي تصدر عن حركة حماس"، مضيفة أنها "تنم عن تناقض واضح في توجهاتها وسياستها".
وقالت فتح، إن حماس أبدت "مرونة غير مسبوقة وتنازلات كبيرة" لإسرائيل للوصول إلى تفاهمات "تحفظ سلطتها في قطاع غزة"، بينما تصر على "منح كل مبررات تدمير الضفة الغربية".