في ظل ازدياد ظاهرة تأجيل الإنجاب بين الأزواج، تتفاقم التحديات المرتبطة بالصحة الإنجابية، خصوصًا مع تغير نمط الحياة وارتفاع سن الزواج. ومع مرور الوقت، يتحول تأجيل الحمل من خيار شخصي إلى مشكلة صحية تحتاج لتدخل طبي، وهو ما يؤكده الدكتور محمد أسامة طه، استشاري نسائية وإخصاب، في حديثه لسكاي نيوز عربية.
يقول الدكتور طه: "هناك تغير واضح في معايير سن الزواج ونظرة المجتمع للمرأة والأسرة، وهذا التغيير ليس محصورا في العالم العربي فقط، بل يشمل المجتمعات حول العالم. الحياة العصرية أصبحت تلاحق الإنسان في كينونته وأفكاره، وتؤثر على قرارات تأسيس الأسرة".
ويتابع: "التأخر في الحمل لا يجب اعتباره نهاية الطريق، بل هو بداية رحلة تحتاج إلى وعي، دعم نفسي، وفهم طبي. الطب الحديث الآن يمتلك تقنيات متطورة يمكنها معالجة حتى الحالات الصعبة".
ويشرح الدكتور طه الحالات التي تستدعي التدخل الطبي، فيقول: "نقسم الحالات حسب الظروف. الأزواج الذين تزوجوا في عمر أقل من 35 سنة يُنصحون بمحاولة الحمل الطبيعي لمدة عام قبل اللجوء إلى تقنيات الإخصاب. أما من تجاوزت أعمارهم 35 عامًا أو من لديهم مشكلات صحية معروفة، فلا ينبغي الانتظار طويلاً. في هذه الحالات، نبدأ العلاج بعد 3 إلى 6 أشهر فقط".
ويضيف: "هناك من يلجأ مباشرة إلى التلقيح الصناعي بدافع القلق، وهذا ليس خاطئا دائما، لكنه ليس القاعدة. القرار الصحيح هو أن نجرب الحمل الطبيعي أولا، ثم ننتقل للخيارات الأخرى بناءً على تقييم الحالة".
ويؤكد الدكتور طه أن العمر الإنجابي لدى النساء يختلف بشكل واضح عنه لدى الرجال. "المرأة تبدأ القدرة الإنجابية من عمر 17 وحتى 39 عاما، وبعد ذلك تقل الفرص تدريجيا، لكنها لا تنعدم. في المقابل، الرجل لا يملك عمرا إنجابيا محددا، لكن تبقى جودة وعدد الحيوانات المنوية هما العامل الأهم".
وعن التقنيات المتاحة، يوضح الدكتور طه: "هناك فرق بين التلقيح الصناعي والحقن المجهري. التلقيح الصناعي مناسب فقط إذا كانت قناة فالوب سليمة، والتبويض جيد، وعدد وحركة الحيوانات المنوية طبيعية. أما في حال وجود خلل في أي من هذه العناصر، فإن التلقيح الصناعي غير مجد، ويجب التفكير مباشرة في الحقن المجهري أو أطفال الأنابيب".
ويشرح أهمية تخصيص العلاج بناء على كل حالة: "كل حالة تختلف عن الأخرى. نحدد التقنية المناسبة وفقًا لعدة عوامل، منها جودة البويضات، عمر الزوجة، ونوع المشكلة لدى الطرفين. التقنية ليست واحدة للجميع".
ويشير إلى دور عوامل مثل الوزن في تأخر الحمل، قائلا: "هناك الكثير من النساء يأتين لطلب إجراء أطفال أنابيب، بينما المشكلة الحقيقية هي زيادة الوزن. في مثل هذه الحالات، أنصح بخفض الوزن أولا لأن ذلك قد يؤدي لتحسن الإباضة ويجنبهن الإجراءات المعقدة".
وبشأن الفيتامينات والمكملات، يوضح: "الفيتامين الوحيد المثبت علميا لتحسين الخصوبة هو حمض الفوليك، وهو ضروري لأي شخص يسعى للإنجاب. أما المكملات الأخرى مثل الماكا والميرامية وكف مريم، فهي ليست مثبتة علميًا رغم انتشارها".
ويختتم محمد أسامة طه حديثه بنصيحة للمقبلين على الزواج، مؤكدا أهمية تعديل نمط الحياة وتفادي العادات الضارة كالتدخين والكحول، والحفاظ على وزن صحي، وممارسة الرياضة بشكل معتدل.
كما يشدد على أهمية عدم التأخر في طلب الاستشارة الطبية في حال تأخر الحمل، قائلا: "كلما بدأنا مبكرا، زادت فرص النجاح. بعض الأزواج ينتظرون خمس سنوات بعد الزواج لتكوين أسرة، وهذا قد يكون مناسبا إذا تزوجوا صغارا، لكنه مضر إذا كان الزواج متأخرا".
ويضيف: "أحيانا كل شيء يبدو مثاليا من الناحية الطبية، لكن الحمل لا يحدث، وهنا يجب ألا يفقد الأزواج الأمل، فكل شيء بيد الله، ولكن الطب يستطيع أن يساعد كثيرًا. الأمل موجود، والتقنيات الحديثة قادرة على تحقيق الحلم".